يرزح نادي المنطقة الشرقية الأدبي اليوم تحت تركة ثقيلة من المشاكل التي لا تزال الإدارة السابقة تتجاذب أوراقها مع الوزارة في أروقة المحاكم ولجان التحقيق، ما تسبب في شغل النادي بقضايا أبعد ما تكون عن صلب العمل الثقافي وأبطأ حركته وإنتاجه الأدبي، فأين يا ترى تكمن المشكلة، وما هو الحلّ، وكيف سيكون الأفق المستقبلي للنادي؟! طيف واحد ينظر الأديب والإعلامي فؤاد نصر الله إلى الإدارة التي نتجت عن الانتخابات على أنها إدارة من لون واحد، يقول: أعتقد أن مستقبل نادي المنطقة الشرقية الأدبي يحدده الإطار العام لمجمل العمل الثقافي الذي يضعه مجلس الإدارة المنتخب أو حتى المعين؛ ولذلك فإن أحدا لا يستطيع أن يحدد رؤية شاملة لأي أجندة ثقافية ينتهجها النادي بجدول زمني يمتدّ لعام كامل. بمعنى أنّ المستقبل يعتمد على مجلس الإدارة نفسه، وبالتحديد فإن مستقبل أي ناد أدبي يختلف عن الأندية الأخرى لاعتماده على صياغة رؤية محددة في هذا الإطار. ويضيف: لعلّ مجلس الإدارة الحالي أصابه شيء من الإحباط بسبب حالة التردي والنكوص التي تعرض لها النادي؛ جراء المعارك الجانبية التي نشبت بين الأعضاء المنتخبين من خلال الجمعية العمومية التي ألغيت. ذلك أن تلك المشاكل تركت بصمتها على النادي بسبب الإجراءات التي تبعت إقالة المجلس السابق والتي لم يسلم النادي من عواقبها؛ بسبب تردد لجان التحقيق على النادي لمتابعة القضايا ما تسبب في إرباك جوّ العمل الثقافي. ولعلّ هناك عاملا آخر وهو ضعف الانسجام بين أعضاء الإدارة الحالية. ويختم نصر الله مؤكدا أن الإشكالية ليست في كون الإدارة الحالية معينة: أعتقد أنّ أفضل مجلس إدارة مرّ بالنادي كان بالتعيين، وأقصد به المجلس الذي ترأسه الزميل جبير المليحان، في حين أفرزت الانتخابات مجلسا من طيف واحد مع تطعيم تكميلي، وأغلب ذلك المجلس لم يكن يمتلك الخبرة الكافية في مجال العمل الثقافي. مشكلة قانونية ويقول الشاعر أحمد الملا، عضو مجلس إدارة سابق في أدبي الشرقية المعين: إن النادي لكي ينهض ينقصه أمر واحد فقط لا غير، وهو تطبيق العملية الانتخابية وتنفيذها وحلّ المسألة القانونية التي باتت تمثّل سيفا مسلطا على رقبة هذه الإدارة الحالية وأي إدارة قادمة. ويضيف: النادي شبه معطل الآن، وأي إدارة قادمة لن تقدم أكثر مما قدمته الإدارة الحالية. هناك شق قانوني وهناك الانتخابات وهما حالتان قانونيتان حلهما بيد الوزارة وليس بيد النادي، يجب أن يحسم الجانب القانوني وحينها يمكن أن نبدي وجهة نظرنا عن النادي وخطته القادمة. مراجعة الاستراتيجيات ويرفض القاص فاضل عمران ما جاء في كلام نصر الله من رهن جدول النادي بطبيعة أعضائه، ويقول: إنه "ليس متفائلا حتى لو جاءت عدة إدارات ضمن التركيبة الحالية، فليس هناك بصيص أمل إلا بتغيير التركيبة الإدارية للنادي وليس بتغيير الأفراد، وذلك بأن يتمّ اختيار الإدارة بعناية من قلب الوسط الثقافي سواء بالانتخاب أو بالتعيين". ويضيف موضّحا: يجب أن يكون للنادي رؤية من خلالها يتم تحديد المهام ثم يتم تعيين الأشخاص المناسبين لتولي هذه المهام، وليس العكس كما هو حاصل بأن يتم اختيار الأعضاء أولا ثم هم يضعون الرؤية والمهام للنادي. ويؤكد عمران أنّ "الواقع يثبت أن من أصل أربع إدارات نحن راضون نسبيا عن إدارة واحدة وهي إدارة جبير المليحان وهذا يشير إلى أنّ الطريقة المتبعة غير سليمة، وأن السير مجددا عليها سيؤدي إلى ذات النتيجة المتعثرة حيث نرى النادي اليوم في حالة سبات". ولفت عمران إلى أن علينا أن نتنبّه إلى حيوية وحجم المنطقة التي يسكنها ما يقارب مليوني نسمة من الخبر إلى الجبيل، فإذا لم ينجح في ظلّ هذه البيئة فهناك خلل يجب دراسته قبل تعيين الإدارة الجديدة، لماذا مثلا بعض الأماسي يحضرها أقل من عشرة أشخاص في حين تجتذب فعاليات أهلية أضعاف هذا العدد، هذا مؤشر على فشل ذريع. ويختم عمران داعيا إلى جلسة تقييم ودراسة للأخطاء السابقة وأسباب الفشل بشفافية ودون مجاملات قبل الخوض في المرحلة المقبلة إذا كانت هناك رغبة حقيقية في الحل، كما أنّ بعض السياسات السابقة قد تكون صالحة لزمن سابق لكنها ليست صالحة اليوم، والدليل أن المثقفين يسيرون بمعزل عن النادي ويتجاهلون وجوده. صراع الأدباء ويقول عضو مجلس الإدارة السابق الروائي حسن الشيخ: أعتقد أن تطبيق لائحة الأندية الجديدة هو الاتجاه الصحيح للخروج من مأزق النادي الأدبي بالمنطقة الشرقية. رغم أن النادي لم يعش في فراغ تنظيمي في يوم من الأيام. ولعل الأهم هو أن يكون الطيف الثقافي بكل ألوانه متمثلا في مشهدنا الإبداعي الرسمي. سياسات الإقصاء أو الإزاحة أو التناسي لا تجدي نفعا اليوم لان العالم أصبح قرية كونية. ويضيف: أظن إن الإشكالية في نادي المنطقة الشرقية وغيره من الأندية الأدبية ليست في غياب اللوائح والأنظمة رغم أهمية وجود اللوائح لتنظيم العمل الفكري، ولا الإشكالية في الجهة الإشرافية – الوزارة - على أعمال الأندية الأدبية. وزارة الثقافة والإعلام داعمة بشكل حقيقي للأندية. لمست ذلك من عملي مسئولا إداريا لأدبي الشرقية. الإشكالية عند الأدباء والاختلافات التي تحول بعض منها إلى صراعات علنية. الخلافات الأدبية والفكرية والتي سرعان ما تتحول إلى صراعات شخصية عنيفة. وهذا ما ينعكس عزوفا عن النادي وفعالياته لدى كثير من الأدباء المسالمين الذين لا يجيدون لغة الصراع، وأنا واحد منهم، ولذلك تراني ابتعد قدر الإمكان عن أنشطة النادي رغم سلبية الابتعاد، الا أنها أرحم من جحيم الصراعات الشخصية والإدارية، في أروقة المحاكم تارة، وعلى صفحات الجرائد تارة أخرى. ويشدد الشيخ على أهمية التجديد في الأندية "فبالرغم من أن الأندية الأدبية قد أدت أدوارا هامة في حياتنا الثقافية ولسنوات طويلة، ولكنها بحاجة إلى التجديد المستمر. ولكن هناك حذرا شديدا في معظم أنديتنا الأدبية من التجديد، ومشكلة في استيعاب الآخر ومحاورته والاختلاف معه، وهذا ما ينبغي أن يكون دور الأندية وإداراتها، وليس الدور الاستبعادي أو الاقصائي. لا أعتقد انه يجب علينا الخوف من كل جديد. وكم كنت أتمنى أن تدمج الأندية الأدبية مع جمعيات الثقافة والفنون دمجا إداريا، حتى نحصل على طعم فكري جديد يتناسب مع مرحلتنا الحالية. ولكن ربما تخشى الوزارة من صراعات أعنف وأقسى". ويختم الشيخ مناديا بالعودة للتعيين فيقول: للأندية الأدبية ادوار هامة ومؤثرة لو أن الأدباء استغلوا تلك المؤسسات الثقافية استغلالا ايجابيا. فلا خوف على الأندية الأدبية، الخوف منا نحن الأدباء الذين ندير تلك المؤسسات. فوزارة الثقافة والإعلام بين المطرقة والسندان. عاشت مرحلة تعيين الإدارات لعقود من الزمن، ورغم سلبياتها إلا أنها كانت تمثل استقرارا نسبيا على الساحة الأدبية. ومع دخول مرحلة الانتخابات في الأندية برزت الصراعات بين الأدباء بشكل لافت، فلا الأدباء راضين عن طريقة التعيين القديمة ولا عن الانتخابات الجديدة. لذلك لا تستغرب مني إذا ناديت شخصيا بالعودة إلى التعيين الوزاري لإدارة النوادي الأدبية من جديد للأندية الأدبية ولكن بأسلوب مغاير، وبطريقة مبتكرة. مفترق طرق ويرى الشاعر محمد الفوز الذي فاز في الانتخابات الأخيرة التي ألغت الوزارة نتائجها أن "أدبي الشرقية لن يحتكره شخص"، ولن يستمر الوضع مُعطلاً إلى الأبد، هنالك من يعرقلون المسيرة الثقافية، ويفتعلون المشاكل، ومهما كان اعتراضنا الصريح على التعيين والصمت الموارب لأعضائه الحاليين إلا أننا لن نقبل بعودة مثيري المشاكل، فإن وجودهم ضرر للأدباء والمثقفين رغم مزاعمهم باحتواء المشهد أو محاولة إعادة هيكلة البُنية الثقافية التي قد تبدو هشّة بعض الشيء، ولذلك نرى الحراك الثقافي في المنطقة الشرقية تحوّل من المؤسسات الحكومية إلى الملتقيات الأهلية، وهي ذات مسؤولية أكبر بل وأهميتها في قيادة الوعي وأثرها في نسج منظومة فكر ذات علاقة بالمستقبل قد أفادتنا كثيراً. وأضاف: لذلك يجب على وزارة الثقافة والإعلام أن تتحرك بجدية لرفع العتب، وتعجيل الانتخابات في أدبي الشرقية والجمعية العمومية تتطلع لذلك، لم يبق سوى إشارة خضراء لتحريك الواقع، لسنا متورطين بالأحكام الإدارية التي صدرت، ومن يغزل بُردة للشمس في وضح النهار عليه أن يتجلبب بالعمى، لا نريد إدارة قادمة للنادي الأدبي تكيلُ بمكيالين، ولا نريد أشخاصا علاقتهم بالوسط الثقافي مذمومة، فالنادي الأدبي قلبنا النابض بالألق، وآمل ألا يسقط أحدٌ من عيوننا ذات يوم نتيجة لإغراءات المنصب.