للقلم نبض نسميه الكتابة، التجديد، للأحلام الصغيرة ظلال كالأشجار تحتري من يتلمس أسرارها ويبني خيالاتها في سفح جبل وفي عز الظهيرة تأتي وسمية بنص أدبي طفولي ولكن ببنية خاصة لبنى داخلية من حرف إلى كلمة إلى سياق إلى نص وتشع بلغة تكسر حاجز المقاسات الجاهزة والنماذج الموحدة والمثالية لقصص الأطفال وبلغة شعرية جديدة على فن قصة الطفل وكأنها ترمي إلى تعليمهم اللغة الفنية ( لغة القصة والشعر) اللغة التي لا نستخدمها في يومنا.. ولكننا نحتاج إليها حتى تفتح قلوبنا لحب الناس.. وعقولنا للفهم والإدراك.. أطفالنا يدرسون لغة السرد.. لغة الواقع القاسي.. لغة الجفاف من الحياة.. لغة التغييب والمغالطة.. حتى ألفنا استعمال اللغة التي تحجب عنا طاقات وأسرار لغتنا الجميلة ونستسلم للمعاني السطحية ونسدل الستار على الوهج الحي الذي تتلاقى عنده المعاني وتفترق. (وسمية) نافذة جديدة للأطفال تخرج بها أميمة لتسهم في تأصيل ثقافة الطفل لما ذكرنا لغة وأيضاً خيالاً وتفكيراً وتذوقاًُ تحاول أن ترتقي به لتواجه بقسوة وبرقة ما تركته البيئة المدرسية والأسرية والاجتماعية من بصمات في إبداع الطفل وفي فكره. (وسمية) غيمة مفعمة بكثير من الاستعارات والدلالات الكنائية لتستنطق الصمت الكوني بحساسية مسبوكة تثير في الأطفال دهشة التميز بكل ما تعني من حركة.. تخطيط.. تجاوز للمشكلة.. عنوان جاء من الموسم فترة من الزمن تعتني بفرح الأطفال.. تعتني بخصوصية الأرض وما تبطن والسماء وما تحوي وما يقوم بينهما من تقنية تنهض في أشكال زمنية تتابعية.. الكتابة للطفل وخاصة من القصة ذات الأهمية في حاضر زمننا الذي تعاقبت عليه العديد من الأزمات وتركت انعكاساتها التي أنتجت تبايناً وصراعاً في البنى الثقافية والاجتماعية. فعندما نكتب لنعد أطفالاً يتمكنون من العيش سعداء في أوطانهم وفي عالمهم الطفولي على مستوى الأسرة والمدرسة والمجتمع والمكتبة والسوق لمن أعسر المهام.. فعندما سئل أحد الكتاب العظماء.. لماذا لا تكتب للأطفال قال: لأني لم أنضج بعد.. لأن كتابة قصة للأطفال لا تعنى بتقديم القيم فحسب بل ما يعلمهم عرضياً كيف يكتسبون المرونة والتلاؤم والفهم للمتغيرات الجديدة.. كيف نعلمهم مفهوم الولاء واستشعار الانتماء مع فرد وهو الصديق ثم مع جماعة صغيرة في المدرسة ثم تكبر الجماعة لتشمل المجتمع ثم تكبر.. وتكبر.. حتى تشمل حب الوطن.. فما أجمل أن يشبع الأطفال بحب الوطن والانتماء إليه. وما أجمل أن يستشعر الطفل معنى الأمن.. ابن المستقبل الذي نحقق به غداً لا خيانة فيه ولا غدر ( وسمية) طفلة وردية الأحلام والأمنيات التي تحملها للناس، ومتوردة لمن ينظر إليها وينتظر عطاءها.. غيمة مبتهجة سعيدة تلعب وتقفز مع الرياح من مكان لآخر فمن المقطع الأول ترسم صورتها في ذهن الطفل مع رسوماتها وألوانها وعقد الفل والياسمين المحاط بها فيصل الإحساس بها بصرياً حيث يكون التأثير الأقوى في التعليم.. وخاصة إذا ارتبط بالقصة (علموا أولادكم بالقصة) ثم تنتقل مشاعر الغيمة وتمتد فياضة إلى عمق الطفل حيث أسرع ما يصل إليه هذا المستوى من المشاعر فتتهيأ نفسياً لاستقبال ما سيتطور عن هذه السعادة في الغيمة التي تشبهه في خصائصه وتكوينه القطني البريء المتدفق بالعفوية ويأتي المقطع الثاني ليبدأ بالفعل ( سئمت) تغير سريع في الموقف وهكذا هم الأطفال تحولات سريعة في المشاعر وخاصة الانفعالية حيث تصف نفسها فجأة ( وحيدة).. وسمية لعبت مع الرياح لأنها تفعل فيها وظيفتها وهي التحول إلى مطر.. ولكن هذا اللعب كان موسمياً كالمطر فسرعان ما تيقنت أن الرياح لن تقدم لها المعاني التي تشعرها بالصداقة الآمنة المنتجة خاصة وأن الرياح مسمى يشير إلى نواح سلبية في الطقس.. ولأن هذا اللعب لن يتطور للأفضل فلم تقتنع بالاستمرار وقررت أن تبحث عن ( صديق يؤنس وحدتها) لتقول أنا لا أشعر بقيمتي إلا بمدى تأثيري في الآخرين وتأثري بهم.. لكن الطفلة لا تدرك في عمرها الزمني مدى ما يتركه الفعل المتسرع من خطورة على الآخرين فقد انسحبت عن صداقة الرياح دون أن تقدم اعتذاراً تعلل به أسباب هذا الانسحاب.. نستمر مع وسمية لنرى كيف ستواجه مجتمعها السماوي ( وحيدة) تلفتت حولها فكان أول ما صادفها هي الشمس.. الأقرب إلى الإنسان الأقرب إلى النظر.. إلى الحقيقة فقالت الغيمة ( هلا أصبحت صديقتي؟ نلعب ونمرح سوياً؟؟! استفهامان متتاليان. التساؤل تعبير عن الحيرة والإحساس بالقلق والافتقاد إلى الارتياح والحنين إلى الآفاق الجديدة وهذا التوتر هو أول الغرس وسر الأزمة وصانع الحدث وحافز إلى الإبداع ويصعب أكثر عندما يكون الغرض منه الترجي في الطلب.. وأي طلب.. طلب الصداقة هكذا هم الأطفال عنفوان، إرادة، إصرار على التغيير ولكن الطلب يقابل بالرفض من قبل الشمس.. فيرسم هذا الرفض لوحة للتعثر الأول حيث تتجرد الغيمة وهي وسيلة العطاء المهمة إلى ذاتها من تلك الفرحة والحركة.. وهذا الرفض جاء طبيعياً لأنها غيمة سوف تحجزها عن الإشراق وتدخلها كما عبرت في دائرة العتمة والضبابية، حشد من الجمل الفعلية والأسمية، جمل وصفية مقاطع حوارية ثنائية تحمل قيمة معرفية للشمس والقمر والغيمة والنجوم والمطر..) تحتاج إلى وقفات تستكشف الصلة بين الوعي الطفولي وما يحيط به من مفاهيم ومخلوقات والإنسان وما يحيط به من رؤى وعلاقات يكشفها بوعيه وفنه ويتضاعف الإحساس بالتوتر فتعصف بالغيمة رغبة في الاستمرار في البحث عن صديق آخر وتتكرر الصورة ذاتها بكل أصباغها وألوانها مع القمر فزمجر القمر غاضباً.. ابتعدي عني) وترحل إلى آخر المحطات ولكن بأسلوب مختلف لأنها بعد التجربتين السابقتين أصبحت تدرك خطورة الرفض وبهذا الإدراك غرقت في تأملات انثالت عليها ودفعتها للسير إلى نجمة الشمال بأسلوب غير مبال ( سبحت بين أرجاء السماء بحبور وثقة إلى أن وصلت إلى الشمال) وجاء الرد سريعاً أشاحت النجمة الزرقاء وجهها بتكبر وقالت: لا ) جاء فعل التكبر ردا على فعل الثقة بالنفس اتساقا مع قانون الارتباط الشرطي اذا حدث ما يوحي بالضيق والحصار انفلتت أفكار الراوي من عقالها في شكل تداعيات تدرك مدى صعوبة أن تنغلق الأحداث على الغيمة فتفتح لها منافذ جديدة تولد فيها التطور النفسي والانفعالي.. ولكن ماذا لوحمت الغيمة صداقتها وذاتها بالطرق المتطلبة لها ظروفنا المرحلية بحيث تقوم بعرض الوظائف المهمة (للشمس والقمر والنجوم) ولأني احبكم واحب فوائدكم ولأن الناس في حاجة ماسة اليكم فأنا اثر وظائفكم عن حجبكم قد يؤدي هذا الانعكاس في الموقف الى اختلاف النتائج لأنها ستقدم سردا من التحنن وتطرح ما تختزن من علامات الإعجاب لنلج الى أعماق الآخرين ولكن هكذا هم الأطفال نوايا نقية صافية كصفاء عيونهم .. بدليل ان الحوار لم يستغرق جزءا كبيرا من القصة ولم تكن القصة قائمة على الصراع او الجدل بل كانت سريعة وهادئة (هلا لعبت معي؟. هل ترضى بان نصبح أصدقاء ونلعب سوياهلا أصبحت صديقتي؟) لا تتعدى قدرات الأطفال هذا المستوى البسيط من الحوار وكأن الهدف هو إشارة إلى الطابع التربوي في رؤية الكاتبة إلى أهمية الصداقة في تطور النمو الوجداني للطفل وأهمية التجارب والمحاولة والتكرار التي هي شرط أولي للفعل الحضاري ومظهر طبيعي للعصر المتنامي فعندما نبني هذا الحس في الطفل نؤسس فيه ( أخلاقيات التجريب) التي تقتضي التسامح في شأن الخطأ أو فشل التجربة ومهما كانت النتائج سلبية إلا أنها خطوة عظيمة إلى الأمام.. وسمية صغيرة لكنها ذكية كما يتضح في النص ومن خلال وعي الكاتبة بخصائص المرحلة ستنجز تجاوزاً لمرحلتها المتأزمة فلن تهدأ حتى تثير فينا انتصاراً لحضورها فبقدر التوقد والفرح يجيء الانكسار ( تقهقرت الغيمة إلى الخلف رويداً.. رويداً وأحست بألم وافر يعتصر قلبها) هذا الخط التراجعي تنبيه وإشارة إلى الغيمة المرأة الصغيرة حين صعدت إلى ذرى الأفق ليتسع حضورها الذي تحقق به التواؤم الحياتي وترسم رؤاها أينما تلوح ولكن كان يجب عليها كغيمة تحب الحضور والعطاء أن تتعرف على امكانياتها وقدراتها وتعي حدودها ودورها حتى لاتقتحم بنفسها المواقف التي لم تنضج لفعلها ولم تكلف بها.. وهكذا اهم اطفالنا يأتي تدريبهم على اكتشاف مهاراتهم ومشكلاتهم وتقويم ذواتهم ومواجهة تعددية الآراء متأخرا.. فتتكرر في بيوتنا ومدارسنا مشاهد الانزواء والتراجع والتردد والتقهقر وتترسب في نفوسهم لتأخذ انماطا من السلوك في المستقبل.. وسمية قوية قررت التخلص من المشاعر السلبية وهذه النهاية هي التي ينتظرها الطفل قارىء القصة الحلم البطولي الذي ترسمه تخيلاتهم في لوحات فنية متعددة تعبر عن اشتراكهم في البطولة ويبصرون فيها تجليات رؤى المغايرة في قراءة الانتصار فأعلنت وسمية البكاء (قبعت في زاوية قصية من السماء وانهمرت بالبكاء.. اخذت تبكي.. وتبكي) هكذا هم الاطفال في انفعالاتهم محزنة ومفاجئة.. فكان البكاء اعترافا بالاحتياج الانساني والوجداني للصديق.. اعترافا باحترام الذات عندما يبكي الاطفال يقدمون لنا الاحداث ويصنعون الصور والمواقف والافكار المشيدة للنصوص الجيدة والفاتحة لمنابر الخطابة والحوار.. ينتجون بدموعهم حكايات ما قبل النوم ويخلقون التنافس بين الاعلام لمن يكون له السبق في صياغة عنوان يستقرئ هذا البكاء ويستقطب به الرأي العام.. فمن دموعهم تصبح الارض مجالا خصبا للفعل تكشفها لغة سرية تترجم فتافيت الطبيعة لتهتز بيئة للانسان.. (ولما وصلت تلك الدموع الى الارض كان هناك المئات من النباتات الصغيرة العطشى التي رفعت فروعها وسيقانها الرقيقة واخذت تلوح للغيمة بحب شديد بعد ان سقتهم من مائها.. واطفأت عطشهم) اخذت النباتات تغني أغاني سعيدة مبتهجة لغة تعي جيدا دلالاتها اشبعت في الطفل مشاعر الفرح (سعيدة، مبتهجة، تلعب، وردية، تحب، متوردة) كما اشبعت مشاعر الاحباط (انسحبت وسمية بالم، حزنت الغيمة، اشتدت وحشتها، تقهقرت الغيمة، اخذت تبكي) لغة تعي معنى التوظيف للمفردة ضمن البناء الفني لها حيث وجدت وسمية من يستنبت قدراتها وحبها للارض وللفعل.. وعن منطلقات تتسع لمعاني الفرح فيها هذه وسمية فجرت فينا حب المعرفة بما قدمت وباستقصاء لوظائف الكون وفي قوالب متحضرة وبلغة ادبية علمية قد لاتستوعبها كتب الجغرافيا، والعلوم، والادب. واخيرا.. ومن هذا المنبر نشكر اطفال فلسطين.. واطفال العراق على ماهم به من حرقة الجرح، والجوع، والتشرد، واليتم، والتراجع، وشكر خاص لوجدان الرياض.. كل هؤلاء كانوا عونا لنا على استيلاد المستحيل من اوجاعهم.