إنه تحول مثير للسخرية إلى مواجهات الحرب الباردة القديمة: فكلما ارتفعت أصوات قادة حلف الاطلسي اليوم شيدة بضم خصوم في أوروبا الشرقية السابقة بوصفه نهاية للمواجهات اشرأبت الاعناق هناك في الشرق في أعماق الحظيرة الشيوعية السابقة معلنة رفضها. وحتى عندما كانت بلغاريا وأستونيا ولاتفيا وليتوانيا ورومانيا وسلوفاكيا وسلوفينيا تتخذ مقاعدها يوم الجمعة الماضي في مقر الحلف في بروكسل سمعت تعليقات تشبه تلك التي كانت تسمع في ظل ذلك المناخ الدولي المتوتر الذي ساد فترة الثمانينات من القرن الماضي. فقد أبلغ قائد الدفاع الجوي الروسي يوري سولوفيوف زملاءه في مينسك إن نشر طائرات استطلاع وطائرات هجومية تابعة للحلف في دول البلطيق يمثل تهديدا حقيقيا لكل من روسيا وروسيا البيضاء. وأردف قائلا أن الحلف أصبح لديه فرصة لشن هجوم مباغت ولكننا جاهزون للتصدي له مشيرا إلى أن الامر لايتطلب من الطائرة أكثر من أربع دقائق للوصول إلى روسيا البيضاء من هذه المنطقة و 20 دقيقة للوصول إلى موسكو. وانضمام الجمهوريات الشيوعية السابقة أستونيا ولاتفيا وليتوانيا إلى صفوف الحلف فضلا عن أنه يوجه ضربة قاصمة للكرامة الروسية فإنه يعطي للحلف - دون جدال ميزة تكتيكية. ومع نشر طائرات اف - 16 بلجيكية في ليتوانيا هذا الاسبوع فإن من الواضح أن القادة السياسيين والعسكريين في روسيا مضطرون لاتخاذ موقف حازم ردا على ذلك. وقد أكد سيرجي ميرونوف المتحدث باسم المجلس الاعلى للبرلمان الفدرالي - مجلس الشيوخ - وثالت أكبر مسئول روسي مجددا معارضة موسكو لتوسع الحلف شرقا، قائلا: لقد تم وضع القوات المسلحة الروسية في حالة استعداد قتالي مستمر وإننا نتابع الموقف الذي يتطور على حدودنا. وقالت أغلبية في مجلس النواب الروسي (الدوما) أن هذا التحرك لا يسهل عملية ترسيخ الاستقرار والامن في أوروبا وناشدت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تعزيز الترسانة النووية في حالة تقاعس الحلف عن التجاوب بشكل مرض مع المخاوف الامنية الروسية. ولكن بينما تعاني القوات التقليدية الروسية من مشكلات في السنوات الاخيرة على نحو ما تؤكده السجلات الرسمية فإن قوة الردع النووية الروسية تعاني أيضا من مشكلات لا يتطرق إليها شك وقد شهد بوتين ذلك بنفسه في شباط/فبراير أثناء حضوره أكبر مناورات عسكرية تجرى منذ سنوات. فقد فشلت ثلاث عمليات متتالية لاطلاق صواريخ. وتتأرجح العلاقات بين روسيا والحلف صعودا وهبوطا منذ انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، فقد جمدت موسكو العلاقات بشكل واسع النطاق عام 1999 وعلى مدى تسعة اشهر بسبب الصراع في كوسوفو ثم ارتفع مستوى التعاون بتأسيس مجلس جديد هو مجلس الحلف - روسيا الذي يضم في عضويته 20 بلدا عام 2002 لتنسيق التعامل بين الجانبين ومعالجة المخاوف المشتركة مثل الارهاب وعمليات حفظ السلام. أما وقد باتت 26 دولة الآن تمثل خصما محتملا لها فإن روسيا صارت عصبية برغم تأكيد وزير الدفاع سيرجي ايفانوف أن موسكو ستظل هادئة تجاه تلك الاحداث وستواصل تطوير العلاقات. ويلتقي كافة وزراء خارجية الحلف ال 26 نظيرهم الروسي سيرجي لافروف يوم الجمعة القادم في مسعى لتخفيف التوتر. لكن عوامل القلق المؤكدة من غير المرجح أن تخف قريبا حتى لو تواءمت موسكو مع انشقاق جاراتها في منطقة البلطيق وغيرها من حليفاتها السابقة. ومما يضاعف من مخاوف روسيا من أن ثمة عملية تدريجية تجرى لتطويقها أن أوكرانيا وجورجيا تسعيان أيضا للانضمام إلى الحلف وأن كانت فرص انضمامهما لاتزال بعيدة. على الجانب المقابل فإن هناك دلائل على نشاط روسي لتطويق التهديد الضمني الذي يمثله توسيع الحلف، فقد صرح مسئولو أسطول البلطيق بأنهم سيشددون إجراءات الامن على الحدود في تلك المنطقة كما ذكرت مصادر عسكرية في آذار/مارس الماضي أن روسيا ستنشر بطاريات صواريخ ارض- جو في روسيا البيضاء بحلول أيلول/سبتمبر كنوع من المساعدة العسكرية المجانية لحليفتها. ومن المقرر أن يجرى البلدان بالاضافة إلى جمهوريات سوفيتية سابقة أخرى مناورات خاصة بالدفاع الجوي الاسبوع القادم، اذ ستتضمن تلك المناورات قيام طائرات مقاتلة روسية بطلعات جوية وطلعات للانذار الجوي المبكر فوق روسيا البيضاء وذلك حسبما ذكرت سولوفيوف. وتطالب موسكو - كإجراء أمني إضافي - يضم دول البلطيق وسوفينيا الان إلى نسخة معدلة من المعاهدة الخاصة بالاسلحة التقليدية في أوروبا. ولم تكن المنطقتان جزءا من الاتفاق الاصلي عام 1990 بين أعضاء الحلف وحلف وأروسو والذي خفض حجم القوات التقليدية في أراضى كل منهما.