أخذ الكومسير فرانسوا منصيور رئيس مركز شرطة بروكسل يتأمل الشابة أنياس التي كانت تجلس أمامه على الطرف الآخر في المكتب، كانت تبدو بمحياها الهادىء وكأنها فتاة عادية، عاشت وتعيش ككل فتيات بلجيكا ولا يعكر صفو حياتها أي بؤس أو شرخ أو شبح مأساة! وكان يردد لنفسه، لا، غير معقول، لا يمكن أن يكون ما تردده هذه الشابة حقيقيا! وتصور فجأة أن يتركها تراجع نفسها وتتأكد مما جاءت تصرح به فنظر اليها في ثبات وقال لها بحزم: اسمعيني جيدا، أنا أريدك أن تخرجي الآن من هذه الغرفة، وتذهبي الى الشارع، ثم تفكرين وأنت تحتسين القهوة في الشارع المقابل في كل كلمة ذكرتها لي، أتسمعين.. يجب أن تتأكدي من صحة ما تقولين، ومن رغبتك في الافصاح بكل هذه التفاصيل، بعد ذلك فقط، وبعد أن تكوني قد فكرت مائة مرة، عودي إليّ اذا أردت، وأنا سأسمع منك وسأسجل رسميا ما تقولينه لي. نهضت عندها الفتاة، وتحركت نحو الباب دون أن تنبس ببنت شفة، لتأخذ خطوها نحو الشارع. وقد فكر الكومسير في حينها أنها ستذهب ولن تعود، وان كل ما ذكرته له مجرد أوهام، إلا أن أنياس سرعان ما عادت: لقد فكرت جيدا يا سيدي الكومسير، وأريد أن أعترف رسميا بكل ما فعلت، وبكل ما فعلوه بي. كان عمري اثني عشر عاما تماما، ليلة عيد ميلادي، عندما انزلق والدي الراهب إلى فراشي لأول مرة، كان حدثا لا يمكن وصفه بالكلمات، وقد تدخل ليمزق كل معايير الحق والخير في عقلي الصغير، ورغم أنني كرهت مسألة اغتصاب والدي المتكرر لجسدي، إلا أنني سرعان ما تعودت عليه، وتحولت بشكل أو آخر إلى عشيقته الرسمية. تهدأ،.. ثم أننا سرعان ما صرنا وحدنا في البيت وصرت المرأة الوحيدة في حياته، على الأقل هذا ما كنت أعتقده. وأين ذهبت أمك؟ أمي وشقيقي ، بالقياس الى الأخبار التي أشاعها والدي، عادا الى هنغاريا بعد أن طردهما والدي من البيت. (لاحظ الكومسير أنها ترددت قليلا فسألها): ولماذا الى هنغاريا؟ لأن أصل عائلتنا من هناك؟ وقد جاء والدي الى بروكسل لرعاية احدى الكنائس وقد كنت صغيرة جدا عندما حللنا بالبلد،.. خرج الكومسير منصيور مسرعا ليتقيأ من كافة التفاصيل التي استرسلت الفتاة في سردها والتي تفوق كل خيال، أو تفاصيل أي سيناريو لكوابيس هوليوود بأسرها! حتى أنه لم يتمكن من التوقف عن الترديد، ان ذلك غير ممكن؟ غير ممكن مستحيل، انها تهذي!... لكن الفتاة للأسف الشديد لم تكن تهذي على أي نحو، بل انها كانت بالفعل تسرد قصة أبشع سيناريو اجرام عرفته بلجيكا في تاريخها! وانها بالفعل كانت شاهدة عيان وطرفا فاعلا في جملة من الجرائم المريعة التي ستهز تفاصيلها بلجيكا والعالم بأسره، فالراهب الشهواني، لن يكتفي مع مرور الوقت بجسد ابنته اليافعة، بل صار يجلب معه الى البيت كلما كان له ذلك، فتاة جديدة. والتي ربما تكون قد تبعته للبيت باعتباره الباستر الذي يرعى الكنيسة، إلا أنه سيعتدي عليها، ويحولها الى اداة لإرضاء شهواته، سواء رضيت أم لم ترض. وفي الوقت الذي كان فيه عدد الفتيات اللاتي يأتي بهن الراهب لفراشه يتزايد كان عدد الفتيات المختفيات واللاتي تبحث الشرطة عن أخبارهن يتزايد في نفس الوقت، دون أن يكون في أمكان أي أحد القدرة على ربط شهوات الراهب بهذه الحوادث المقلقة! على ان الراهب حتى لا يلفت الأنظار إليه كان قد ذهب الى هنغاريا موطن رأسه وتزوج هناك بسيدة مطلقة تربي طفلتين من زوجها السابق، هما الضحيتان القادمتان لهذا المريض، فهو سيبتكر بطريقة شيطانية أن يجعل كلا من ابنته وزوجته وطفلتيها أدوات لشهواته المريضة. وفي هذه الأثناء أصبح الراهب فجأة رجلا غنيا جدا دون أن يعرف أحد كيف هبطت عليه الثروة، وتمكن من شراء أربع عمارات في قلب العاصمة البلجيكية، وكانت هذه المباني الأربعة جميعا تحتوي على مخابىء أرضية واسعة على امتداد مساحة العمارة. وبدأ مسلسل القتل عندما أعلنت له تيما الابنة الكبرى لزوجته الثانية أنها في انتظار مولود، وأنه سيصعب شرح الأمر للأسرة، أو للجيران، ابن من سيكون هذا الطفل؟ وقد وجد الراهب الحل سريعا، فالفتاة اختفت من الوجود عقب ولادتها لطفلها في نفس اليوم، ولا أحد يعرف أين ذهبت بعد ذلك جاء دور أديت، والدة تيما، لقد قتلها بدورها (واصلت انياس اعترافاتها بهدوء) قتلها ودفن ما تبقى من جسدها في القبو، لقد اختار دفنها في نفس القبو مع تيما وطفلها، على أنه واصل مقاسمة الليالي بيني وبين أندرا الابنة الثانية لأديت، و كان يطوف بين فراشي وفراشها طوال الليل، إلا أنها أخذت تشك في اختفاء والدتها وأخذت تهدد والدي بإخطار الشرطة، عندها قرر قتلها إلا أنه دفن جثتها في قبو العمارة الأخرى! وهل أنت متأكدة أنه لم يقتل والدتك كذلك؟ سألها الكومسير؟ لا، لم يقتل والدتي، في الواقع أنا من قتل والدتي! لقد اكتشفت صدفة أن والدي يقاسمني الفراش، فأخذت تصرخ بجنون، وكانت تريد أن تسبب لنا فضيحة كبيرة فأخذت مطرقة وضربتها على رأسها، مرارا، ومرارا حتى حطمت جمجمتها. في نفس الوقت الذي كان والدي يقتل أخي خنقا. بعد ذلك أخذت أنا ووالدي في تقطيع حثتيهما، ووضعنا قطع اللحم في الحمام، ودلقنا عليه حامض الأكسيد لإذابة جسديهما، ثم قام والدي برمي ما تبقى من ذلك في قمامة المسلخ العام للمدينة! على ان كل ما كان يفكر فيه الكومسير وهو يستمع الى اعترافات أنياس هو أنه سيأمر بإحضار الراهب، وسيواجهه بهذه التهم، ليؤكد له الراهب أن كل هذا مجرد خرافات، وهو من ناحية أخرى سيرسل ببرقية الى هنفغاريا ويسأل عن أحوال الأسماء التي صرحت أنياس بأنها ووالدها قد قتلوهم، وستؤكد له السلطات الهنغارية بأنهم على قيد الحياة، وأن كل هذا مجرد هذيان من طرف فتاة مختلة العقل! على أن الذي كان في انتظار الكومسير أمر يعاكس كل ما يرجوه.. لقد أنكر الراهب بطبيعة الحال التهم، وأصر على براءته.. ولكن الرد الذي جاء من هنغاريا أكد على عدم وجود أي اسم من تلك الأسماء في البلد، عكس ما كان يؤكده الراهب. وعندما ارسل الكومسير قوات الشرطة للحفر في أقبية العمارات التي يملكها الراهب، كانت مفاجأة الجميع عظيمة، عندما عثروا على أكوام من العظام البشرية، الصغيرة، والكبيرة.. لنساء بالغات ولصبايا، لأطفال.. وطفلات. وبدأ مسلسل الرعب يأخذ ملامح الواقع المخيف، المزري.. ويكفي أن هذا الراهب الشهواني قد استباح كل جسد كانت له القدرة على امتطائه!. ورغم أن أنياس من فتح الطريق لمعرفة هذه الحقائق البشعة، وهي من تدخل أخيار لإيقاف هذ االنزيف البشري المريع، ورغم أنها ساعدت الشرطة على العثور على الضحايا، والجثث وبقايا العظام، وفك رموز سجل المختفين والمختفيات الذي ما فتىء عن التضخم في بروكسل إلا أنها وقفت بدورها إلى جانب والدها في قفص الاتهام، وتحدثت بلجيكا بأسرها عن هذه العلاقة المريضة بين أب وابنته، وهذا التردي البشري الذي سمح بهذه العلاقة المشينة لهما، ومهما كانت جرائم انياس أقل من جرائم والدها، بسحق أرواح وأرواح، وهتك أعراض وأعراض.. وأن يدخلا بلجيكا بكل شيء فيها الى عصر الرعب، وعصر اللا إنسانية.