لم يكن احد يصدق ان كلمة واحدة تخرج من فم ذلك الجسد الصغير المشلول الذي لا يكاد ينطق الا بصوت منخفض تكون كافية للقيام بالعديد من العمليات الوحشية. كما لم يكن يعلم احد ان هذا الجسد سيموت بفعل 3 صواريخ اسرائيلية ضربته اثناء عودته من المسجد حيث كان يصلي. هذا الجسد كان للشيخ احمد ياسين الزعيم الروحي لحركة حماس الفلسطينية. دعونا نقف امام هذا المشهد : بينما كان الشيخ احمد ياسين خارجا من المسجد الذي يؤدي به الصلاة يوميا محمولا على كرسيه، اغارت طائرات اسرائيلية عالية التقنية على الشيخ العاجز وقتلته هو ومرافقوه. اليس في ذلك ما يجعل اصدقاء اسرائيل يخجلون؟ علما باننا نعيش في عالم يتأثر كثيرا بمثل هذه المشاهد. هذا المشهد سيظل محفورا في ذاكرة العالم الاسلامي. تصف الحكومة الاسرائيلية احمد ياسين بانه ابن لادن فلسطين وتقول ان احمد ياسين هو الزعيم الروحي لحماس مثلما اسامة بن لادن هو قائد تنظيم القاعدة. وتتسائل هل يجوز قتل اسامة بن لادن بالطائرات لانه قوي وصغير بينما عجز احمد ياسين يجعله محصنا؟ من الناحية الاخلاقية، فاننا نعترف بان ايدي احمد ياسين ملطخة بدماء الكثيرين. حيث وضع الاساس وكان قادرا على ادارة الحملات، لكنه لم يحدد الاهداف ولم يصنع القنابل، ولم يدرب المجندين في الحركة. لذا فان كان من المقبول اخلاقيا قتل بن لادن فان الامر ينطبق على احمد ياسين. لكن كمايقول الاسرائيليون لانفسهم من غير الكافي ان تكون صائبا، لكن الاهم ان تكون ذكيا. من وجهة النظر العامة، فان فرصة استهداف احمد ياسين لم تكن عملا صعبا، فحركته من بيته الى المسجد معروفة ومتكررة يوميا هذا بالاضافة الى ان مواقيت الصلاة مدونة بالصحف المحلية. لذلك كان من المتاح ان تنفذ العملية في اي يوم. وليس هناك تفسير على ان الامس كان افضل من اي يوم في 3 اعوام ونصف من العنف مضت. على عكس ابن لادن. هناك ايضا اختلاف جوهري بين ابن لادن وياسن وهو ان الارهاب غريزة طبيعية في ابن لادن هدفه عودة نظام الخلافة الى العالم الاسلامي بالاضافة الى اسبانيا. تريد حركة حماس استئصال اسرائيل من المنطقة مستخدمة اساليب بغيضة مثل تلك التي تستخدمها القاعدة لكن الاختلاف كبير. فحماس جزء من المقاومة الفلسطينية لها اهدافها الاساسية مثل قيام دولة فلسطينية الى جانب اسرائيل. هذا الى جانب امكانية اقامة هدنة مع حماس وهو الامر المستحيل مع القاعدة. لقد انعش رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون الامال بترويجه فكرة الانسحاب الكلي من قطاع غزة بالاضافة الى اخلاء بعض المستوطنات التي قال انها ستكون مفيدة للحفاظ على امن البلاد. لكن ترى كيف سيساعد القتل هذا الاقتراح الرائد؟ التفسير الوحيد هو ان عملية القتل كانت مجرد استعراض للقوة من جانب اسرائيل لتصل الرسالة الى الفلسطينيين والعالم الاسلامي بانه اذا كان من الواجب انسحاب اسرائيل من قطاع غزة فان ذلك سيكون وفقا لشروطها الخاصة خوفا من تكرار ما حدث عندما انسحبت اسرائيل من لبنان عام 2000 والذي اعتبره العالم الاسلامي هزيمة لاسرائيل. لذلك فان العملية لم تكن في اطار مكافحة الارهاب وانما هي مجرد استعراض. ايضا، سيدعي خبراء اسرائيل الامنيون ان قتل ياسين سيضعف حركة المقاومة في غزة وبالتالي سيسيطر عرفات على مجريات الامور في غزة بعد الانسحاب. ان كان هذا صحيحا فمن اين تضمن اسرائيل ولاء خليفة ياسين لعرفات، ناهيك عن الاسرائيليين بعد ان اصبح ياسين شهيدا ودخل الجنة في نظر المسلمين بالمقارنة بعرفات. واذا تركت اسرائيل غزة، من سيحكمها اذا بعد ان فقدت الشرطة الفلسطينية سمعتها بالمقارنة بفدائيي حماس. لن ينسى المسلمون ان مقتل احمد ياسين جاء بعد زيارة الملك عبد الله الثاني الى شارون في مزرعته بالنقب لمباركة مبادرته بالانسحاب من غزة. من من الزعماء العرب يجرؤ الان على مصافحة يد شارون؟ بالفعل بذلت اسرائيل جهدا كبيرا لاقناع العالم انها جادة في الانسحاب من قطاع غزة بالاضافة الى 24 مستوطنة اسرائيلية في الضفة الغربية، لكن العالم الان اصبح اكثر حيرة من ذي قبل، فكيف ستنفذ اسرائيل فكرتها بعد هذه العملية. إيان فيلبس