لم تيأس الشعوب العربية من قمم امتدت حوالي نصف قرن جاءت في معظمها محبطة ومخيبة للآمال، لكن أن يصل الحال الى ما نحن فيه من تكاثر الثقوب في الثوب العربي فتبدو سوءة الكرامة العربية للعيان فهو أمر ينساق منسجما مع تردي الوضع العربي الذي انتهى الى ما آلت اليه قمة تونس فصدق عليها الوصف (قمة مع وقف التنفيذ). تتجاذب الصورة أطراف ثلاثة القيادات العربية أصحاب القرار والطرف الثاني شعوبنا العربية اليائسة والطرف الثالث العالم الخارجي الذي يعينه أمرنا وبعيدا عن المثل والأحلام والأماني ولوائح المنظمات المعنية اسلامية وانسانية فالظاهر في الصورة أن الطرف الثالث هو اسرائيل والولايات المتحدة وهما أشرس حلقة، فصدى تأجيل القمة لم يكن مفاجئا لإسرائيل فقد أعربت عن ارتياحها لتأجيل القمة العربية واعتبرته تطورا ايجابيا. وقال مسؤول اسرائيلي: ان ارجاء القمة (إشارة إيجابية تكشف أن العالم العربي يتغير وأن العدائية حيال اسرائيل لم تعد تكفي لتشكيل قاسم مشترك). كيف لا تبتهج اسرائيل؟ فالخلافات التي كنا نتفنن في اخفائها تحت شعار وطن واحد وهم واحد وعدو واحد لم ينفعها التدثر بعباءة مخرقة بخلافات حادة ولم ينفع الترقيع فقد اتسع الخرق على الراقع. فكل جهة مسؤولة تخرج على الشعب العربي ببيان ينقضه بيان آخر فبيان تونس يلوح بالسيف المسلط على الرقاب (الاصلاح) فمما جاء في تصريح وزعه مسؤول في الخارجية التونسية على الصحفيين، عن استغرابه لماسماه تجاهل الأسباب الحقيقية لقرار تأجيل القمة، وقال ان القرار يعود الى تباين عميق في المواقف حول مسائل جوهرية، منها مايتعلق بإعادة هيكلة الجامعة العربية، وتعزيز الديمقراطية، وحقوق الانسان، ومكانة المرأة في المجتمع. يأتي هذا التصريح في حين أكدت مصادر لبنانية أن تأجيل القمة يعود الى عدم ترحيب تونس بإدانة عملية اغتيال الشيخ أحمد ياسين مؤسس وزعيم حماس واستجابة لضغوط أمريكية في هذا السياق. أما المصادر الفلسطينية المتعاونة مع الجزيرة نت فقد أكدت أن تونس أجلت عقد القمة العربية حتى تتجنب مشاركة وفد فلسطيني يضم ممثلين عن حركتي المقاومة الاسلامية (حماس) والجهاد الاسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة وتصريحات أخرى تزيد في تعاظم الخرق في الثوب العربي منها ما تحدث عن اللجنة المشكلة لتوحيد الآراء والأفكار بشأن اصلاح الوضع العربي والتقدم بورقة موحدة في اجتماعات قمة تونس حيال مبادرة الاصلاح الأمريكي المسماة الشرق الأوسط الكبير. فالخلافات التي اعترضت عمل اللجنة مثارها مصطلح الشرق الأوسط الكبير حيث تطالب بعض الدول باستخدام مصطلح الوطن العربي بدلا من الشرق الأوسط. وأذكر ان خلافا مثل هذا أثاره بعض كتاب الصحف الخليجية والعربية عند صدور صحيفة الشرق الأوسط والبدء ببث قناة mbc (قناة الشرق الأوسط) في مطلع التسعينات، والخلاف أكبر من كونه خلافا حول المصطلح فهو خلاف في مفاهيم كثيرة الاصلاح والارهاب ومن له الحق في القيادة ومن ليس له الحق ويبدو أن بعض الوفود العربية مازالت تؤمن بنظرية الصفوف الأمامية والصفوف الخلفية، فالسيادة تقررها وفود الصفوف الأمامية فهي التي توقت لقبول المقترحات الأمريكية وهي صاحبة الرأي في التعديل والرفض ومن يرد التفصيل فعليه مراجعة تصريحات فاروق قدومي الذي رفض المشروع المصري الأردني بشأن الاصلاحات، معتبرا أن هذين البلدين اللذين وقعا معاهدتي سلام مع اسرائيل فقدا حقهما في تقديم مبادرات من هذا النوع. إن التباين في الآراء لم يقتصر على سبب التأجيل فحسب بل تجاوزه الى الحديث عن القمة البديلة وموعدها ورئاستها ومكان انعقادها فالأمين العام للجامعة العربية يصرح بأنها ستعقد خلال أسابيع ووزير الخارجية المصري يقول: ان كل التواريخ التي تذكر حتى الآن ليست دقيقة. كل هذه التصريحات المؤكدة على ذمة وكالات الأنباء تترك المواطن العربي في حيص بيص فلا تأكيد تكتب له الحياة إلا في فم صاحبه لأنه ينتقض بتأكيد آخر فالأخبار التي نقلت عن الاجتماع الوزاري في تونس تشي بأن الخلاف كان حادا وان لم يصل الى الاشتباك كما حدث في قمة أغسطس 1990م، فالوزراء العرب التقوا عند الحد الأدنى من طموحات الشعوب فاتفقوا في ختام جلسة الجمعة الصباحية على تشكيل ثلاث لجان تتعلق الأولى بالاصلاحات في العالم العربي، والثانية تحمل اسم (وثيقة العهد بين القادة العرب) بشأن اصلاح الجامعة العربية، والثالثة لصياغة مجمل البيان الختامي ورفع نتيجة أعمالها الى الوزراء ثم الى القمة العربية. فهل تنجح القمة القادمة في ترقيع الثوب العربي؟