هناك العديد من المشاكل التي تعترض نمو المنشآت الصغيرة والمتوسطة وتهدد بقاءها في وجه المنافسة، رغم انها تمثل حوالي 94% من حجم المنشآت المرخصة من قبل وزارة التجارة، وان نسبة المسجل منها في البلديات 90% من اجمالي عدد المنشآت التجارية في السعودية، كما انها تشكل حوالي 70% من الانشطة التجارية والصناعية العاملة في البلاد. ولقد برزت مشاكل تلك المنشآت في عدة اشكال منها المشاكل التمويلية، والمشاكل الادارية، والمشاكل التسويقية، والمشاكل المحاسبية. ولان مشكلة تمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة تعتبر من اهم المشاكل التي تعاني منها، سأركز مقالتي هذه على موضوع التمويل، متناولا بعض الاقتراحات في هذا الصدد لعلها تجد من يرعاها او يتبناها. تواجه المنشآت الصغيرة والمتوسطة مصاعب مالية وادارية كبيرة جعلت عمرها الزمني في السوق قصيرا جدا ينتهي اما باعلان الافلاس او عدم النجاح، وان اغلب تلك المشاكل ينحصر في مشكلة التمويل رغم اهمية تلك المنشآت الصغيرة والمتوسطة لاقتصادنا القومي.هناك احصائيات تقول ان اكثر من 90% من المنشآت لايستطيع الحصول على قروض بنكية لعدم توافر الضمانات الكافية كما تدعي البنوك، ولم نجد حلا لتلك المشكلة التي تعانيها تلك المؤسسات من زمن. وهنا تقف مؤسسة النقد العربي السعودي مكتوفة الايدي دون ان تفعل شيئا لتيسير حصول هذه المنشآت على التمويل المصرفي الضروري لبقائها. بعض المصارف في بلادنا (عدد المصارف لايتعدى اصابع اليدين) ترى انه لدى المنشآت الصغيرة الضمانات المقبولة غير ان التكاليف الثابتة المرتفعة المتعلقة بتسجيل ورهن العقارات وكذلك التنفيذ عليها في حالة عدم القدرة على السداد تأخذ عددا من السنين، وهذا احد الاسباب التي تجعل هذا النوع من المنشآت من العملاء غير المقبولين او غير المرحب بهم لدى المصارف والسؤال الذي يطرح نفسه هو، هل يمكن لتلك المنشآت ان تقلل هذه التكاليف وتبسط الاجراءات وتقلل الوقت اللازم للمنشآت الصغيرة لانجاز الاجراءات لكي تزيد من كفاءة عملية الاقراض؟ لا اعتقد ذلك والسبب في ذلك يرجع الى ان التشريعات والتعليمات المصرفية الخاصة بقطاع الائتمان في المملكة تركز على القروض كبيرة الحجم الممنوحة من قبل المصارف السعودية. وترى تلك المصارف ان هذه التشريعات لايجب ان تسري على القروض الصغيرة، لان ذلك يعني تحميل الاخيرة تكاليف عالية من وجهة نظر البنوك، ولكن هذا غير صحيح ايضا فهي اعذار واهية تلجأ لها البنوك باستمرار للتهرب من مسؤولية وطنية هامة. اذ يمكن للمصارف السعودية ان تبادر في اقراض المنشآت الصغيرة والعائلات المنتجة، وذلك بالنزول الى مستوى التعامل معها عن طريق ازالة السقوف على اسعار الفائدة المفروضة على القروض المصرفية، مما يمكن المصارف من فرض اسعار تحقق لها الربحية المناسبة من هذه القروض ولكن هذا يتطلب تغيير القناعات القائمة لدى المصارف، ولن يتم تغيير تلك القناعات ما لم تمارس مؤسسة النقد العربي السعودي سلطاتها على المصارف تماما كما مارست سلطاتها على سعودة المصارف والتي اجبرت عليها، الامر الذي اصبح معه نسبة العمالة السعودية تصل الى اكثر من 80% في بعض المصارف السعودية. هناك دول مجاورة اقل منا تطورا من الناحية المصرفية، اتجهت الى تبسيط العمل الورقي في معاملات القروض الصغيرة التي لاتتجاوز 15 الف دولار، واستخدام سياسة اقراض جديدة تؤدي الى زيادة نسب التسديد، وتخفيض التكاليف الادارية وتقنية فترات التسديد المتكررة ورقابة التسديد باستخدام البرمجيات الحاسوبية، مع مايصاحبها من متابعة سريعة للقروض المتعثرة والاستناد الى مستويات الاداء الدوري وغيرها من الاساليب الجديدة في هذا المجال وهذا التوجه ساعد بما لايدع مجالا للشك على تقليل التكاليف بشكل ملحوظ الامر الذي سيساعد على زيادة حجم القروض الممنوحة لهذه المجموعات المستهدفة بدون التضحية بشكل اساسي بالجدارة الائتمانية، او جودة القروض. ولقد قرأنا ان وزارة المالية طلبت من الغرف التجارية وضع صيغة مناسبة لصرف نحو 200 مليون ريال كدعم للمنشآت الصغيرة، الا اننا لم نلمس هذا المشروع بعد، وان كنت متأكدا ان العراقيل التي ستصاحبه ستكون كفيلة بقتله في المهد. ولقد اعلن احد البنوك عن اتباع سياسة اقراض بدون ضمان للافراد تسمح لهم بالاقتراض بحد اعلى مقداره ثمانون الف ريال ولا تعتقد عزيزي القارئ ان البنك مهبول او غبي لكي يقرض بدون ضمان! فالبنك يأخذ من العميل فائدة تصل الى 9% في الوقت الذي نجد فيه ان سعر الاقراض البيني Interbank Rate على الريال السعودي لايتعدى 4% ويمثل الفارق على ما اعتقد وحسب تفسيري الشخصي تأمينا على القرض بنسبة تتراوح بين 4% و5% ورغم ارتفاع النسبة واستعداد المقترض ان يدفعها وان القرض مؤمن عليه بالكامل لا تزال البنوك تقوم باذلال المقترض بالحد الائتماني وقصره على الافراد فقط، اتمنى ان يعمم نفس المبدأ على المنشآت الصغيرة والمتوسطة ولكن بزيادة الحد الائتماني لها وتخفيض نسبة الفائدة ولعل مافعله هذا البنك لم تفعله البنوك الاخرى طوال السنوات الفائتة ولا مؤسسة النقد بالضغط على البنوك وربما نحل مشكلة الائتمان التي تعاني منها المشروعات الصغيرة والمتوسطة منذ امد بعيد. وامام ارهاصات العولمة، اعتقد ان على البنوك ان تخطو خطوات اكثر جدية في هذا المجال، قبل هجوم المصارف الاجنبية التي قد تجبر بعض بنوكنا المحلية المحدودة العدد على الافلاس. ختاما ارى ضرورة الاهتمام على كافة الاصعدة بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة لرفع امكانياتها وتطوير قدراتها الادارية والمالية، بهدف فتح المجال امامها لكي تنمو وتنجح بدلا من ان تفلس وتموت. @ كاتب ومستشار مالي واداري عضو الجمعية السعودية للإدارة