يقول جوليان باغيني في كتابه making sense)) ان الحقيقة فهي الضحية الأولى في الحروب) أما الضحية الثانية وحسب ما نستخلصه من التاريخ هي: الطرف الذي يبتلعه الخوف من الآخر حينما يهوى من على حافة المستحيل، وعند ذلك تسقط أي امكانية لدحر الاستعمار أو للتحرر من تبعية الخانعين المبهورين بوعود المستعمر المارقة أو حتى للوقوف في وجه أدوات القهر التي ينشرها النخاسون المحليون ويغذيها المستعمرون من فتات فتاتهم. عندما يتضافر وأد الحقيقة وبث الرعب في النفوس تتحقق معادلة الحرب (الاختزالية) التي حجمت الكون في عنوان واحد (القامع والمقموع) وتتكرس حرب مائة عام مقبلة من الارهاب الشامل على شعوب رسم لها السقوط في فخ الرهبة من الارهابيين الخارجين الطامعين بإخضاع الأمم المقموعة لتسلطهم القائم على وأد الحقيقة وبث الرعب. يبدو أن مأساتنا في هذه المرحلة بالذات تتجلى في عدم وجود خيارات ذاتية لنا، وهذا الوضع يقتضي منا تسليط الضوء على آليات عمل أعدائنا كي نتعرف على أسباب نجاحهم وتفننهم بنحر تاريخنا وذبح عقيدتنا وتشويه معالم فكرنا، بل ان عروضهم في زرع الشقاء بين ظهرانينا مازالت مستمرة، وبنفس العبث والجنون. لعل المفارقة غريبة ولكن التعلم من تجارب عدو الأمس وحليف الأصدقاء اليوم!! بات حاجة ملحة لنرصد عبرها سبب سقوطنا ولنتعرف على أسباب نجاحهم، ربما بعد ذلك نستطيع انقاذ ما يمكننا انقاذه. والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: كيف استطاع الصهاينة امتلاك آلية التحكم الشاملة التي يمكن أن تطال أي رمز وأية سلطة؟ وهل الحرب المقدسة المزعومة هي إحدى آلياتها لإنجاز غايات أخرى؟ أم هي هدف بحد ذاتها؟ وكيف استطاع الكيان الصهيوني تحقيق ما تنص عليه الأجندة الصهيونية أولا بأول؟ هناك من يقول :إن الذي أعطى التجربة الصهيونية هذه القوة الهائلة يتكون من عدة عناصر أهمها: تحديد الهدف والتضامن لتحقيقه مهما كان الثمن، لقد استطاع اليهود رغم انتشارهم في معظم البلدان أن ينعزلوا عن المجتمعات التي عاشوا معها وان يحافظوا على لغتهم ومعتقداتهم، وأقاموا فيما بينهم تعاونا وثيقا، ولعل هذه الوثيقة التي سنتناول فحواها ستعبر لنا عن الأسس العامة التي اتبعوها للسيطرة على العالم المسيحي سابقا والعالم الاسلامي لاحقا. هذه الرسالة نشرتها سنة 1880 مجلة البحوث اليهودية الفرنسية، أما تاريخ الوثيقة نفسها فيعود الى 13 1 1489 وفيها رد للمجمع اليهودي في الأستانة على سؤال حاخام مدينة (ارل) حول كيفية التصرف أمام تهديد الفرنسيين لمعابد اليهود فكان الجواب: بمقتضى قولكم: إن ملك فرنسا يجبركم أن تعتنقوا الدين المسيحي، اعتنقوه لأنه لا يسعكم أن تقاوموا غير انه يجب عليكم أن تبقوا شريعة موسى راسخة في قلوبكم... انهم يأمرونكم بالتجرد من أملاككم فاجعلوا أولادكم تجارا ليتمكنوا رويدا رويدا من تجريد المسيحيين من أملاكهم... انهم يعتدون على حياتكم فاجعلوا من أولادكم أطباء وصيادلة ليعدموا المسيحيين حياتهم... انهم يهدمون معابدكم فاجعلوا أولادكم كهنة واكليريين ليهدموا كنائسهم... انهم يسومونكم تعديات أخرى فاجعلوا أولادكم وكلاء دعاوى وكتبة عدل وليتداخلوا دائما في مسائل الحكومة ليخضعوا المسيحيين لنيركم فتستولوا على زمام السلطة العالمية وبذلك يتسنى لكم الانتقام. (التوقيع: حاخام يهود القسطنطينية). لو قيل لأصحاب الشكوى ما قاله شيخ الأزهر في مسألة منع الحجاب في فرنسا لربما اختلفت المعادلة! لكن الصهاينة قرروا سلوك طريق آخر لهذا أخذت القوى المؤثرة اليهودية تعقد اجتماعات سرية لوضع أسس التعاون فيما بينها ليرسخوا الخطط التي توصلهم الى أهدافهم، وكانوا ينقلون مراكز قيادتهم السرية من فرنسا إلى انكلترا ثم أمريكا وذلك حسب تطور تلك القوى وقدرتها على التأثير في الأحداث الدولية. لقد استشف زعيم الاستقلال الأمريكي وواضع دستوره عام 1789 بنيامين فرانكلين هذا الخطر فقال: إن خطر اليهود العظيم يتهدد الولاياتالمتحدة، واذا لم يبعد هؤلاء من الولاياتالمتحدة بنص دستورها فإن سيلهم سيتدفق في غضون مائة سنة الى حد يقدرون معه على أن يحكموا شعبنا ويدمروه... ولن تمضي مائتا سنة حتى يكون مصير أحفادنا أن يعملوا في الحقول لإطعام اليهود، المسيطرين على البيوتات المالية. بعد أكثر من مائتي عام على كلام فرانكلين ها هم اليهود اليوم يصنعون الرأي العام الأمريكي عن طريق الاذاعات والتلفزيونات والصحف ودور النشر والسينما، بل لا يخلو أي موقع حساس من سيطرتهم كيف لا وهم اعتمدوا السرية، ونحن اعتمدنا الاعلان حتى لو كان كلامنا في الهواء، لقد قامت المنظمات السرية الصهيونية بالعديد من العمليات من دون حتى أن يشار إليهم من بعيد أو قريب، بل ان عمليات كثيرة من عملياتهم نسبت الى العرب والمسلمين وغيرهم فلم نحرك ساكنا بل اعتبر البعض منا أن هذا (صيت غنى ولا صيت فقر) وهكذا غرقنا في وحول الآخرين بعد أن قللنا من شأنهم وضخم كذبهم من شأننا إيهاما وادعاء فأصبحنا كالديناصور المنطادي الذي يوجه نحو السماء عند اللزوم وفقط للدعاية والاعلان أي لتحقيق غرض بعينه لصالح الجهة التي قررت استخدامه ليس إلا. ترى ما الذي تملكه الصهيونية ولا نملكه نحن العرب والمسلمين؟ أين المفارقة؟ هل هي في توافر المال؟ أم في الرجال؟ أم في الامكانيات الطبيعية وما فيها من المواد الخام؟ لو كان الأمر كذلك لمالت الكفة لصالحنا، لكن يبدو أن المعادلة مبنية على ما هو أعمق من الصورة المبسطة التي تتداولها وسائل الاعلام المشكوك في وطنية القائمين عليها ابتداء.لو أخذنا على سبيل المثال الفترة ما بين تاريخ الوثيقة المذكورة أعلاه أي من عام 1489م الى عام 1897 تاريخ انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل في سويسرا سنكتشف أنه خلال تلك الفترة من عمر الزمن تم تأسيس اكثر من خمسين جمعية يهودية وجميعها اشتركت في مؤتمر بازل حيث تم تمثيلها بحوالي ثلاثمائة من أعتى حكماء صهيون الذين اجتمعوا للاتفاق على خططهم السرية التي ترمي الى استعباد العالم والسيطرة عليه بموجب مقتضيات قراراتهم التي سميت بروتوكولات حكماء صهيون. أحيطت مقررات ذلك المؤتمر بغاية السرية، وقد أوضحت بجلاء خططهم بالاضافة الى وسائل وأدوات تنفيذ تلك الخطط وقد كتب هرتزل في مذكراته عقب مؤتمر بازل (لو طلب مني تلخيص مؤتمر بازل في كلمة لكانت هي: في بازل أسست الدولة اليهودية ولو قلت ذلك حينها لسخر الجميع مني...) لقد وضعت هذه البروتوكولات للصهاينة استراتيجية تيسر الوصول الى أهدافهم وفي أي مكان من العالم حيث كان لآثارها بعدان: أحدهما مباشر وقد تجلى باحتلال فلسطين.. وثانيهما سري وقد ارتبط بتشكيل الأحداث وفق مصالحهم، والتستر بستار القانون وتجلى ذلك عام 1972 عندما صدر قانون من قبل الكنيست في فترة حكم غولدا مائير ينص على انزال العقوبات بحق أي شخص يتهم بالعمل ضد اسرائيل بغض النظر عن الزمان أو المكان، وعند ذلك تم تحديد ميادين الاغتيالات وأعمال الارهاب بين الأجهزة الثلاثة (الشاباك) وهو ما يعرف بالأمن الداخلي و(شعبة الاستخبارات) و(الموساد) مما أسفر عن تحقيق المصالح الصهيونية على حساب الفلسطينيين. ان الحقائق التي بين أيدينا لا تعبر بتاتا عن حقيقة تنظيم عدونا وبراعته بل ان الخافي أعظم وأخطر وذلك لأنه قد حقق ما حققه من مكاسب جراء خطط محكمة سرية أتقن صياغتها وتطبيقها، أما نحن فلم نضع الخطط ولم نطبقها وإنما سرنا على غير هدى، واستعضنا عن الخطط الذاتية النافعة بخطط خارجية ضارة ألحقت بنا الأذى الذي أدى الى تفرق صفوفنا وضعف شأننا ووقوعنا في حيص بيص فلانحن أنتجنا ولا نحن قلدنا أعداءنا باعتماد ما يفيدنا مما استفاد منه هو. ترى هل تعودنا وتعود وجه الأمة على الجلد واللطم؟!