الابحار في الماضي سباحة ضد تيار الزمن بحثا عن الحقيقة، في الطريق نقابل الكثير ونكتشف الكثير، ونصطدم بالكثير ولكن متعة البحث والاستقصاء لا تقارن. ونحن هنا نبحر في الماضي وفي ذاكرتنا رجال ومواقف عن الإعلام السعودي.. رجال صنعوا المستحيل ومواقف آن للأجيال أن تعرفها. عندما يكتب تاريخ الصحافة في بلادنا يأتي الاستاذ عبدالكريم الجهيمان ضمن الرواد وخاصة صحافة المنطقة الشرقية، فقد ساهم فيها بجهد وافر إلى جانب جهوده في التأليف والمحافظة على التراث والأساطير الشعبية، حين قدم للمكتبة العربية (الأمثال والأساطير الشعبية) الذي صدر في عشرة أجزاء ضخمة، وكذلك (أساطير شعبية من شبه الجزيرة العربية) الذي قدمه على شكل سلسلة من خمسة أجزاء، وساهم في أدب الرحلات بكتابيه (دورة مع الشمس) و (رحلة باريس) وكتب قصص الأطفال في مرحلتين الأولى عام 1399ه ضمن سلسلة مكتبة أشبال العرب وصدرت منها عشر قصص، والثانية عام 1405ه ضمن سلسلة مكتبة الطفل في الجزيرة العربية، إلى جانب كتبه دخان ولهب وأين الطريق وآراء فرد من الشعب وأحاديث وأحداث. واعترافاً بجهده الأدبي كتب عنه الكثيرون وألفت عنه الكتب، وكرم على أعلى المستويات ولا زال متواصلاً مع الحركة الثقافية في البلاد، رغم تقدمه في السن ووطأة الشيخوخة، فقد قارب التسعين إن لم يكن تجاوزها، فهو من مواليد 1337ه. والحديث عنه كإعلامي يرتبط بشكل وثيق بمنتجه الثقافي المتنوع، لكن البداية تظل هي الصحافة خاصة والإعلام عامة.. ويقول ناصر محمد الحميدي الذي أصدر كتابه عن الجهيمان تحت عنوان (رحلة أبي سهيل.. قراءات في حياة وأدب عبد الكريم الجهيمان) هذا هو أبو سهيل الصحفي والكاتب والأديب، الصحفي المتنسم نبض الشارع والكاتب اللامع بتطلعات الناس والأديب الناشد تنوير الأمة. اخبار الظهران أما محمد عبد الرزاق القشعمي فيذكر في كتابه (البدايات الصحفية) نقلاً عن الجهيمان (وبعد رجوعي إلى الرياض من تلك السفرة الطويلة مع الأمير يزيد وبعد فترة قصيرة من عملي لديه استقلت من عملي لديه ثم توجهت من الرياض إلى المنطقة الشرقية وكان لي فيها صديق هو الأستاذ عبد الله الملحوق وقد أنشأ شركة للطباعة سماها (شركة الخط للطبع والنشر) وكان قد عزم على الانتقال إلى لبنان فعرض علي أن أتولى إدارة هذه الشركة.. وشجعني على ذلك وقال إنها أول شركة للطباعة في هذه المنطقة ولها مستقبل باهر... فوافقت على هذا العرض وساهمت في هذه الشركة بعدة أسهم وتوليت إدارتها وكان مقرها الدمام... وسار العمل فيها ونمت مطابعها وقدراتها ثم رأينا مع أعضاء الإدارة أن نطلب الترخيص بإصدار جريدة يومية تكون منطلقاً للأخبار وأقلام الكتاب، وجاءت الموافقة بإصدار هذه الجريدة باسم (أخبار الظهران). صدور الجريدة وصدر بعض أعداد هذه الجريدة من بيروت لأن مطابع الخط لم يكن لديها الاستعداد آنذاك لإصدارها فكنا نرسل المواد كاملة إلى بيروت... وبعد فترة قصيرة تولينا إصدارها من الدمام نصف شهرية مؤقتاً.. وكانت في بدايتها ضعيفة هزيلة كأي عمل جديد.. ولكن المثقفين المهتمين بالقراءة تابعوها وتابعوا أخبار المنطقة إلا أنهم لا يشكلون إلا نسبة ضئيلة من السكان. ويقول الأستاذ علي جواد الطاهر في كتابه معجم المطبوعات متحدثاً عن جريدة الظهران بقوله (صدرت بالدمام في 1/5/1374ه الموافق 26/ كانون الأول 1954م تولى رئاسة تحريرها في أول صدورها عبد الكريم الجهيمان، ثم تحول اسمها إلى (الظهران) توقفت قبل صدور نظام المؤسسات. ويقول محمد ناصر بن عباس في كتابه موجز تاريخ الصحافة في المملكة الطبعة الأولى 1391ه (صحيفة أخبار الظهران صدرت جريدة أخبار الظهران في 1/5/1374ه وهي جريدة أسبوعية جامعة ولكنها صدرت كل أسبوعين مرة لعدم توافر الإمكانيات الطباعية وقد صدرت هذه الجريدة بالمنطقة الشرقية وتولى رئاسة تحريرها في أول صدورها عبد الكريم الجهيمان الذي كان يتولى آنذاك إدارة شركة الخط للطبع والنشر، ثم تحول اسمها إلى (الظهران) . صدرت الأعداد الأولى من جريدة الظهران المانشيت العنوان الرئيسي واسم الجريدة باللون الأحمر عندما كانت تطبع في بيروت من العدد الأول الصادر . ومن العدد الثالث عشر الصادر يوم الخميس 15 ذي الحجة 1374ه بدأ طباعتها بالدمام ونشر بالصفحة الثالثة من العدد نفسه وبشكل لافت للنظر ما نصه (طبعت على مطابع شركة الخط للطبع والنشر والترجمة) ولم يتغير أي شيء بالجريدة عدا اللون الأحمر للعنوان الرئيسي واسم الجريدة فقد استبدلا باللون الأسود وبالحجم السابق نفسه وبأربع صفحات. ومعلوم أن اسم الجريدة (الظهران) من العدد الأول رئيس التحرير عبد الله بن عبد الرحمن الملحوق ومدير التحرير عبد الكريم بن جهيمان وتحت العنوان كتب جريدة أسبوعية عربية جامعة، تصدر مؤقتاً مرتين في الشهر تصدرها شركة الخط للطبع والنشر والترجمة بالدمام. كانت الجريدة موضع الثقة من الحكومة ومن المواطنين على حد السواء عندما كثر قراؤها وظهر من بين العمال في الشركة كتاب ومفكرون صاروا يغذون هذه الصحيفة بألوان من البحوث والمقالات المليئة بالوطنية والإخلاص والجرأة في بعض الأحيان. يقول الجهيمان (وقد اكتسبت من رئاسة تحرير هذه الصحيفة مكسباً معنوياً وكانت نقلة جديدة في حياتي الوطنية والفكرية، حيث كان يرد إلى هذه الصحيفة مختلف الآراء والاتجاهات التي منها ما يكون متزناً ومنها ما يكون مندفعاً أو متهوراً ومنها ما يكون مدسوساً فيه بعض الأفكار التي لا تتناسب مع محيطنا ومجتمعنا المحافظ الذي تسوده قيم وأخلاق توارثها الخلف عن السلف. وكنت بصفتي مسئولاً عن هذه الصحيفة ومسئولاً عن جميع ما ينشر فيها أنخل ما يرد إلي من بحوث ومقالات وأخبار فأعرف منها مختلف التيارات التي تعيش في المجتمع أو يعيش فيها بعض فصائل المجتمع. فأما ما يكون شاذاً او سابقاً لأوانه فإني أستبعده بلا توان وأما ما يكون مقبولاً ويعالج بعض الشئون التي تحقق للوطن والمواطنين نقلة في طريق الحضارة والتقدم والازدهار فإني أعده للنشر وكنت أحرص على الاتصال بهذه الطبقة من الكتاب فأجعلهم عضدي الأيمن في مادة الصحيفة. كان هذا هو هدف هذه الصحيفة منذ نشأتها ولكن بعض المواطنين يطالبونا بحرية واندفاع إلى الأمام أكثر مما نحن عليه سائرون بل يريدوننا أن نقفز في درجات سلم أهدافنا قفزاً فنحاول أن نفهمهم أن القفز قد يعرض إلى السقوط وأن الاتزان هو الطريق الأسلم. والسير المتواصل وإن كان بطيئاً يصل بصاحبه إلى الأهداف التي رسمها لنفسه والتي قد لا يفصل بينه وبينها إلا خطوات معدودة.