حوار – عبد العزيز السويد كاتب وروائي من بريدة جاء بشئ مختلف , طوّع العامية لفنه , نشر لهجة القصيم عبر انتاجه الادبي , قادرعلى ابتكار وخلق حيوات إنسانية متصارعة وسبكها في شخصيات واقعية تنفتح دواخلها النفسية متشابكة مع ظروفها الحياتية , اتخذ لغة بسيطة تتمثل في اللهجة التي اعتاد على التخاطب بها في حياته اليومية ، وضمّنها مفردات فصيحة استلَّها من صلب العربية، وخصوصاً أن كثيراً من المفردات المستخدمة في اللهجات العامية مفردات فصيحة، فالفصحى تعتبر الأصل، واللهجات متفرعة عنها، إنه عبدالله السالم احد شباب بريدة أو ( عبدون ) الاسم الأدبي لكاتب سعودي قدم تجربة تكاد تكون غير مسبوقة في مجال كتابة الأدب وتتمثل بالسرد باللهجة العامية المحكية، على صفحات عاجل نلتقي بالكاتب والقاص عبدون : س1 بداية لماذا لم تواصل الكتابة , أو لمه انقطعت عن الانتاج الادبي في مجال القصة والرواية ؟ ج1 أشكر تقديمك المتميز، بدايةً استسمح من لم يسمع بهذا الاسم العجائبي \"عبدون\" ان اتكلم عن اسباب انقطاع عبدون و هو لم يسمع به أصلاً، و على كل حال يبدو أنني أمر الآن بحالة معاكسة لما يمر به كاتب النت في بداية شعوره بالانتشار و كثرة القارئين و المتابعين، اخاطب الآن أي كاتب انترنت متميز بدأ يبتهج للتو بكثرة متابعيه و تنوعهم، وقتها يتوهم أنه اشتهر شهرة الكتاب المعروفين و الصحفيين، ثم لما ينشر له مقال او قصة في الصحف يلاحظ الفارق الشاسع في ازدياد أعداد المتابعين و القراء عن متابعي النت و يكتشف وهم شهرة النت، فلما ينجح له كتاب ورقي رسمي يلاحظ ديمومة المتابعة مع مرور السنوات، و يعود ليقول مع القائل : ما ازددت علماً الا ازددت علماً بجهلي، و طبعاً هذا الحديث عن النت مني يتميز بانه قديم، و من المؤكد أنه تغير بدرجة او بأخرى، فانا قديم بمقاييس العصر السريعة، و قد تكون شهرة النت اكبر من شهرة الصحافة و الكتب في وقت ما، ربما الآن. لم أواصل لأنه يبدو أن لكل انسان فترات توهج في اتجاه معين خصوصاً في الحاجات الروحانية كالكتابة، يجتمع فيها استعداد نفسي مع ظروف مساعدة و فرص و دوافع مقنعة في وقتها، أنا أعتز انني كتبت كتابة كان لها وقع جيد لدى كثيرين في سنوات 2000 وصولاً إلى سنتين بعدها تقريباً، و كنت أحس بان الأمر لن يستمر فحافظت على تلك الكتابة و نشرتها في موقع خاص بها و في كتب مطبوعة و كأنني كنت أسابق الزمن، ثم و كما هو متوقع انتهى الأمر . س2 هل لازلت مقيماً على رأيك بأن كتابة الادب السردي باللهجة المحلية أو اللغة المحكية هي اكثر حميمية وقدرة على التواصل مع القارئ واكثر كشفاً للمخبوئات الاجتماعية ؟ ج2 هو خيار، أن يفهمك أناس أقل كتواصل مقابل ان لا تفقد رائحتك الخاصة بك و قوة تعبيرك، بالنسبة لي شخصياً فخياري قبل سنوات قد لا أتبعه الآن. س3 كتبت رواياتك وقصصك ( جن ثالث - رايحين جدة يبويا - الالم في التفاصيل - الحب ماهو لعبة ) وغيرها , كتبتها بلغة وسيطة بين المحكية القصيمية والفصحى , الاتحس بالازدواجية , فلا انت كتبت بالفصحى المعتّقه ولا باللهجة المحكية السائدة ؟ ج3 لا اعتقد بانني استطيع تحديد المحكية السائدة، أنا كتبت بلهجتي القارئة المطلعة المثقفة بطريقة ما معينة و كمنتم لبريدة يسكن الرياض، لهجتي اليوم تختلف عن لهجتي قبل سنة تختلف عنها قبل سنوات، اللغة كما تعرف كائن حي و ليست كتاباً مقدساً. س4 الطفرة الروائية التي يمر بها المشهد الثقافي السعودي , كان اغلبها في الكلام عن المسكوت عنه واختراق ثلاثي التابو ( الجنس والدين والسياسة ) هل تظن أن هذه الطفرة الروائية عبّرت عن احوال المجتمع السعودي المحافظ ؟ ج4 أنا غير متابع لما يحدث في الساحة الأدبية أقدم اعتذاري فلن أستطيع تقديم الاجابة الوافية على السؤال، لكنني أؤمن بأنه أياً ما كانت الشطحات و الابتذال و الاعتماد على الاثارة في تلك الروايات فإن الأمر كله لن يعود إلا بمزيد من الانتشار و الوصول بهذا الفن الجديد الجميل و لن يصح الا الصحيح. س5 برأيك لماذا لاتتواصل الاندية الادبية مع اغلب الروائيين الشباب , وهل تم تواصلك مع النادي الادبي بالقصيم ولماذا ؟ج5 كنت أعتقد أن الأندية الأدبية تتواصل مع الأدباء الشباب، أنا كنت أستثني نفسي من النادي الأدبي بالرياض حيث اقيم مثلاً لانني كنت أعرف النظرة الدونية التي ينظرون بها إلى طريقتي و تفسيري لاستخدام اللغة، أحد المتابعين قال بأنه يعتقد أن التابو الأعظم لدينا للقبول و النشر في الصحف و المجلات الرسمية هو اللغة الفصحى المهجنة فمن سخر منها مثلي فقد كفر، أنا لم يكن دافعي لعدم الكتابة بالفصحى لكي أنشر في الصحف تمسكي و عنادي، أنا انما كنت و كأنما اكتشفت لساناً لي إضافياً يقرأه الآخرون بدلاً من ان يسمعوه و أدمنته و استعذبت التعبير به تلك السنوات، و لم تكن ذبذبات ذلك اللسان مما يمكن إظهاره في الصحف. س6 لماذا يقبل الناس ويهتم الإعلام بالشعر المكتوب باللهجة العامية ولايكون نفس الاهتمام بالروايات والقصص المكتوبة بنفس اللغة المحكية ؟ ج6 الشعر هو ديوان العرب و هو الفن الخاص بنا كأمة و ليس كمثله في اثره شئ بين الفنون، و العامي منه يظل امتداداً للفصيح ما دام بالقافية و الوزن، كل ماعدا ذلك هي فنون أجنبية حديثة حاولت و تحاول البقاء، غير أن هناك سبباً آخر متعلقاً بالصورة الذهنية السلبية للأدب القصصي العامي بسبب الأدب النتي، و هو فعلاً في مجمله ادب هازل سخيف، و لوضع الأمور في سياقها تاريخياً فقد كان للأخ تركي الدخيل و شركاؤه في موقع \"الاقلاع\" الريادة في دعم و رعاية ذلك النوع الهازل من الادب العامي في النت، لكن طبعاً أعتقد بانه يفترض أن هناك أدباً جيداً و هناك أدب سئ بغض النظر عن نوعية استخدام اللغة فيه. س7 ماهو جديدك السردي أم تراك توقفت نهائياً عن الكتابة ؟ ج 7 لا ليس التوقف عن الكتابة و لكن ربما عن روح الحماس و النشر و التسويق و ربما عن جلسات النت الطويلة اليومية الضرورية لاستعادة رشاقة القلم و رهافة الروح. لا استطيع ان أشمر عن ساعدي و أكتب قصة و حسب، أنا معني بالتزامي الداخلي أمام الفن الصادق العذب الممتع، لا بد ان آتي بجديد، الأمور الممتعة الحلوة، الاوقات الرائعة، لا تعود تتكرر من جديد، لو تكررت لن تعود ممتعة، لكن هناك التغير، هل الدنيا الا زمن، و هل الزمن إلا تغير سرمدي مؤلم. س8 يتذوق القارئ ( نكهة ) اللهجة القصيمية مابين طراوة اللغة وحميمية الحكايا وخصوبة السرد ولذة الدهشة , تنساق سردياتك الادبية موغلة في النسيج الاجتماعي وهو امتداد طبيعي لحكايا الجدّات السحرية، وهو انقلاب عليها في الوقت نفسه , كما تقول في مجموعة رايحين جدة يابويا , فهل هذا هو التجريب العبدوني باتجاه العفوية والصدق كما تقول ؟ ج8 اسمعني يا اباعلي أرى المكتب في الأعلى هناك جيداً.. ولا أستطيع الوصول إليه.. والمكتب هنا رمز للبالالا بللا.. أو انتظر انتظر قليلاً.. فقد أهلكتنا الرموز.. نكلت بنا.. الأوهام وتفاسير الأحلام وصنع أولياء نتمسح بهم.. آناء الليل وأطراف النهار.. البارحة عندما رأيتني أقود سيارتي عابراً فوق نفق عظيم.. عندما ضايقني أحدهم بسيارته من خلفي.. زعلت ونزلت وتركتها تمضي.. ثم ندمت حالاً ونظرت إليها ماضيةً بحسرة.. إلى مصيرٍ غامض.. آخذاً بالدعاء أن يوقفها شئ ما.. دون أن تنقلب.. أو يحدث لها مكروه.. لكنها تقفز.. وتنطنط بين مجاميع من الشباب التعساء.. من قليلي التعليم سكان البيوت الطينية المستأجرة.. وهم يهمهمون: شف السيارة بتنقلب يا اللااه.. راعيها نزل وخلاها تدحدر والله.. الا انا شفته حتى شفه ذاااك.. وكان يراودني وقتها شعور لطالما استغربت هجومه علينا في مثل تلك المواقف.. شعور كريه مخزي بالخجل من تعرضنا لمصيبة ما.. حتى لو سألني احدهم هل أنت صاحب تلك السيارة لقلت أي سيارة؟ وبعد سلسلة من النطنطات والتقلبات البهلوانية استقرت بعيداً هناك.. اقتربت قليلاً لأرى.. وإذا بها تستريح غارقة في أرضٍ طينية موحلة.. لا يظهر منها إلا نصفها الأعلى.. وقد دخل الوحل جوفها.. وملأ المقاعد وهو يزيد ويتنامى مزبداً.. ولما اقتربت لأرى إمكانية انقاذها تصاعدت الأصوات محذرةً إياي من الاقتراب لئلا أغوص معها.. وكدت أن أتهور ولامست حديدها البائس.. فوجدته بارداً مشئوماً.. وكدت أن ألمس التصاقاً للوحل بأرجلي.. فقفزت بخفةٍ بعيداً عنها.. وواصلت القفزات فوق عوالم متراكبةٍ أنقذتني بصخب والأرض تتحرك وتدور تحتي.. وركضت بأقصى سرعةٍ تمنحها لي الأحلام لألحق فتحة عقلي الباطن قبل أن تنغلق وتحبسني هناك إلى الأبد.. ونفذت بشئ من السحر الخارق.. تحت دش الصباح البارد أتذكر الحلم الناجي بكل وضوح.. وأتذكر نوع السيارة التي غاصت.. والتي كانت سيارتي الأولى التي فارقتها منذ زمن طويل.. وترد في الذهن كالعادة أحكام سدنة الأحلام.. ترى السيارة مالها دخل في الحلم.. لكن السيارة ترمز لمادري ايش.. وممكن بأحرف اسمها.. او موديلها.. او لونها أو ريحتها أو شكل تندتها.. والغرق يعني شئ.. والنزول شئ.. والتحسر.. والنظر والملمس البارد.. والوحل.. وحاولت أفسر حلمي على انه تفكير في الماضي.. ثم على انه نبؤة.. ممكن تعيسة وممكن على قاعدة.. خير انشالله.. وممكن نبؤة على روحي.. وممكن على ناس كانوا عزيزين.. على روحي.. وفي مزرعة واسعة هناك.. كنت ألتقي جدي.. بعد غيابٍ طويل.. وأمسك بيدي حين حييته للوداع.. وقال بنبرةٍ مفاجئة لي.. ترى يمكن ما نشوفك عقب بمان الله.. وابتلعت لساني لا ادري ما أقول.. وتنازعتني التساؤلات المرتبكة فيما بعد كما تنازعتني في هذا الحلم.. هل يقصد بأنه يحس باقتراب الأجل.. أم أنني أنا من أحس باقتراب أجله.. أم أنه يتحدث في الماضي.. أم أن كل ذلك لا يعنينا أنا أو هو بشئ.. إنما هي حياته أو حياتي.. ألوانها.. موديلها.. ملمسها ورائحة جلد مقاعدها.. نظرت إلى هناك في الأعلى.. إلى ذلك المكتب العالي.. الذي لا أستطيع الوصول إليه.. وحاولت طرد عقلي قليلاً عل حدثاً ما يقع.. أياً كان ماضياً.. أو مستقبلاً .. أو حتى مما لا شأن له بالمكتب العالي.. كمجرد مقدارعلوه.. أو شكل نوافذه.. أو الغيوم التي تحوم حوله.. وتبجله وتحرسه.