تحولت حدائق وساحات مدينة الحسيمة المغربية المطلة على البحر الابيض المتوسط لمخيمات كبيرة لاقامة العائلات التي هجرت منازلها خوفا من توابع الزلزال المدمر الذى حصد الثلاثاء الماضى 600 شخص حسب حصيلة رسمية مؤقتة. ونصبت مجموعة من الخيام في مختلف الساحات الفارغة والحدائق العمومية وسط المدينة التى يقدر عدد سكانها بنحو مائة الف نسمة حيث قضى السكان ليلتهم الرابعة على التوالي خارج منازلهم بينما فضل اخرون قضاء الليل في سياراتهم في حين غادر العديد من الاسر الى مدن اخرى اكثر امنا. وسجل المركز الجيوفيزائي المغربي يوم الجمعة حدوث عشرات الهزات الارتدادية كان اعنفها بقوة 3ر4 درجة وسجلت هزات ارتدادية مماثلة الاربعاء الماضي ادت الى اضرار فى بعض المنازل السكنية. وشهدت المنطقة مظاهرات سلمية للسكان يومي الخميس والجمعة امام مبنى المحافظة والبلدية للاحتجاج على عدم توصلهم بالخيام والاغطية الضرورية كما جابت مظاهرات اخرى الشوارع مطالبة بتسريع المساعدات . واقامت السلطات برنامجا مكثفا لتوزيع المساعدات بواسطة الطائرات المروحية على القرى النائية في هذه المنطقة الجبلية المعروفة بوعورة تضاريسها وبالعديد من القرى المعزولة. وذكرت مصادر مطار الادريسي بالحسيمة ان المساعدات الدولية والمحلية تتوافد على المنطقة وان المطار استقبل الى حتى يوم الجمعة 120 طائرة محملة بفرق ومعدات الانقاذ والفرق الطبية والمساعدات الانسانية. وتحدثت وكالات الانباء عن مظاهرات قمعتها قوات الامن والجيش لكن المتحدث باسم الحكومة وزير الاعلام نبيل بن عبدالله نفى في العاصمة الرباط تلك المعلومات و قال ان ما حدث كان تجمهرا تم امام مقر محافظة الحسيمة ولكن لم تتدخل لا قوات الامن ولا القوات المساعدة ولا الجيش لتفريق المتظاهرين وان الانباء التي اوردتها رويترز عن وقوع مواجهات وجرحى بين المتظاهرين عارية من الصحة. على صعيد آخر قال مسئول حكومي ان خطة عاجلة وضعت لاعادة بناء المنازل التي هدمها الزلزال وسيزود المواطنون بالمعلومات التقنية لترميم منازلهم التي تضررت ولم تتهدم. وفي الوقت الذي يعيش المتضررون مأساة يومية بعد ان جفت مآقيهم من الدمع يتوافد الى المنطقة ابناؤها الذين يعيشون في مدن اخرى وقد فقد بعضهم كل اسرته او معظم افرادها السيدة جميلة السعيدي احد هؤلاء الذين ابقاهم القدر على قيد الحياة خارج المنطقة وقد اتيح ل (اليوم) معايشة مأساتها. فجميلة ذرفت على طول الطريق الجبلي بين مدينة مكناس (وسط المغرب) وبلدة إمزورن بمحافظة الحسيمة بمسافة 330 كلم تقريبا دموعا حارة على متن سيارة الأجرة التي نقلتها، ولم تنقطع عن البكاء طوال أربع ساعات تحسرا وألما على فقدانها 11 فردا دفنهم الزلزال تحت الانقاض. بدت المرأة التي اقترب عمرها من العقد الخامس شاحبة ومتعبة ومنهارة، وهي تواسي نفسها ألما على مصرع كل أفراد عائلتها بقرية آيت سيدي يوسف بضواحي بلدة إمزورن. (رباه.. ماذا تبقى لي في هذه الحياة بعد هذه المصيبة)، تتساءل السيدة المكلومة بحرقة بالغة ..، ثم مضت قائلة بلكنتها الريفية الأمازيغية"هذا قضاء الله وقدره... لقد أصبحت الآن كغصن يتيم مقطوع من شجرة بعد أن فقدت أعز الناس إلي. يا ليتني كنت معهم ولم أغادرهم ". كانت السيدة جميلة قادمة من مدينة مكناس حيث كانت في زيارة لابنتها وعندما علمت بنبأ الكارثة في حدود الحادية عشرة صباحا عبر إحدى المحطات الإذاعية، انتفضت من مكانها مذعورة، لتبدأ سلسلة اتصالات هاتفية مع أقربائها في المحافظة المنكوبة، لكن دون جدوى، قبل الاتصال الأخير الذي كان بمثابة الصاعقة، حيث أطلعها على الخبر/الكارثة. لم تتمالك جميلة نفسها من جديد وهي تحكي لركاب سيارة الأجرة الخمسة حكايتها، حيث شرعت في النحيب والعويل، مما جعل بعض الركاب يتدخلون وبأعين دامعة للتخفيف من روعها ولمواساتها في المصاب الجلل وحثها على الصبر. بمجرد ما توقفت سيارة الأجرة بمدخل بلدة إمزورن إحدى أكبر بلدات محافظة الحسيمة، انخرطت السيدة جميلة في هستيريا من النحيب والصراخ. كان الظلام دامسا والشارع موحلا ما زاد وحشة على المكان الذي ملأته الأنقاض المتراكمة هنا وهناك. بدا المشهد مؤثرا للغاية في محطة سيارات الأجرة ، التف حولها حشد من الناس ليخففوا من روعها، قبل أن يتم إرشادها إلى سيارة قادتها إلى مسرح النكبة بقرية آيت سيدي يوسف، لكن سؤالا واحدا ظل عالقا بأذهان كل من رآها، خاصة منا نحن الصحفيين الذين تزامن وجودنا في المحطة مع وصولها إليها. وهو كيف سيكون رد فعلها عندما ستصل إلى أنقاض ما كان يوما منزلا لأفراد أسرتها الذين قضوا جميعا تحت ركام البيت عقب الهزة الأرضية التي أطاحت بكل ماضيها الطويل وجعلت حاضرها أسود ووضعت العديد من علامات الاستفهام على القادم من أيامها. لقد فقدت السيدة جميلة زوجها حميدوش السعيدي البالغ من العمر 74 سنة وضرتها الكبرى وابنيه التوأمين مسعود وسعيد وزوجتيهما وثلاثة من أبنائه وحفيديه، ولم يتبق لها إلا ابنتها التي رافقتها في رحلة العودة وأحفادها بمدينة مكناس بعيدا عن الأرض التي عرفت مولدها ونشأتها وأسعد أيامها. جميلة.. رباه ماذا تبقى لي.. اصبحت كغصن يتيم