كان ولد صغير يلهو ببراءة بجسم معدني غريب خارج منزل في قرية صغيرة في جنوبي اليمن في أحد أيام كانون الاول/ديسمبر الماضي وكان يوما كسائر الايام. ما حدث بعد ذلك هو مجزرة نجمت عن انفجار لغم قتل الولد وأربع نساء وتسبب في إصابة عشرة أشخاص آخرين. حالة مأساوية تتكرر في اليمن وعشرات من البلدان الاخرى حيث مازالت ألغام أرضية زرعت خلال صراعات في الماضي والحاضر تثير فوضى وتقتل غالبا أطفالا يقودهم فضولهم إلى الابتعاد عن الشوارع الرئيسة المرصوفة. دعونا نتعرف على آخر الاسلحة في مكافحة الالغام الارضية وهو النحل. نعم النحل الذي نعرفه. قال علماء إنه أثبت كفاءة أكبر من الكلاب البوليسية في البحث عن الالغام الارضية. ويمكن للنحل أن يستكشف منطقة أكبر مما تستكشفه الكلاب حيث ينطلق عشرات الآلاف منه في وقت واحد. يتدرب خلال يومين والكلاب تحتاج ل 6 شهور ويقول العلماء إنه يمكن تدريبه خلال يومين في مقابل ستة أشهر للكلاب. وللنقود أيضا اعتبارها. ففي أفغانستان مثلا قام المقاتلون بزرع الالغام بتكلفة تبلغ ثلاثة دولارات للغم في حين أن إزالة اللغم الواحد تتكلف ألف دولار. وهذه الارقام ذكرها برنامج إزالة الالغام التابع للامم المتحدة وبعض السبب في هذا أن الكلاب تتكلف آلاف الدولارات للتدرب. يرى جيري برومينشنك وكولين هندرسون من جامعة مونتانا أنه كان لزاما القيام بشيء. وهما العالمان اللذان يقودان مشروعا يهدف إلى إزالة الالغام الارضية من على وجه الارض باستخدام النحل. وهما يعرفان أنهما في سباق مع الزمن. تفيد بيانات الاممالمتحدة بشأن الالغام الارضية بأن هناك 110 ملايين لغم متناثرة في 70 دولة على الاقل وتتسبب في مقتل وتشويه نحو 20 ألف فرد كل عام أي أكثر من 50 شخص في اليوم. ولا يبدو أن الامور في طريقها إلى التحسن. 450 عاما لإزالة الألغام اذا لم نزرع غيرها وتفيد تقديرات هيئة (راند) للبحوث بأن الامر قد يستغرق 450 عاما لازالة جميع الالغام بمعدلات الازالة الحالية وبافتراض أنه لن يتم زرع ألغام أخرى. ويقول برومينشينك أن (الامر ملح. فكل يوم يمر دون تعجيل بالمشروع يعني يوما من المخاطر على الناس). والفكرة في جوهرها بسيطة تماما وتقوم على نظرية الارتباط الشرطي التي وضعها العالم إيفان بافلوف. ينطلق النحل في رحلاته المتكررة بحثا عن الغذاء ويتجه إلى (رائحة مثيرة) وجذابة لانه(النحل) يربط بينها وبين مصدر غذاء بعد ايجاد الارتباط الشرطي. فإذا كانت الرائحة ألسنة بخار من المتفجرات مثلا فإنه يمكن للعلماء أن يرسموا خريطة لمواقع الالغام بالاستعانة بنظام ليزر. النحل يجتاز الاختبار بنجاح تم اختبار النحل في آب/أغسطس الماضي في محاك لحقل ألغام مساحته 800 متر مربع في ولاية ميسوري الواقعة في الغرب الاوسط الامريكي. وتردد معدل النجاح بين 90 و95 في المائة. ويتحدث هندرسون عن الاختبار الاول فيقول (فزعنا لان العالم يفشل كثيرا. كان الامر أشبه بلوحة زيتية خلابة. لقد عرفنا على الفور أنه(النحل) يركز على منطقة بعينها). غطى النحل الحقل في يومين فيما تمضي معظم الكلاب عدة أيام للبحث في حقل مساحته 90 مترا مربعا ويشكل تهديدا على مربي النحل الذين يمسكون بزمام الامر. ورغم هذا فإن النحل ليس جاهزا تماما. وقال العلماء إن ثمة حاجة لمزيد من التجارب ويفضل أن تجرى في بلد مبتلى بالالغام الارضية. ويرى هندرسون أن الامر سيستغرق 18 شهرا إلى عامين لكي يشارك النحل في مشروع حقيقي لازالة الالغام في العالم. ويقوم العالمان الآن بتأمين تمويل وإجراء توليف دقيق لنظام ليزر يسمح لهم بتحديد موقع الالغام كما قد يظهر في خريطة طبوغرافية. مخاوف على النظام البيئي المحلي ويرى منتقدو هذه الفكرة أن النظام الجديد سيجلب كائنا أجنبيا على بلدان أخرى قد يضر بالنظام البيئي المحلي. ولكن هندرسون يقول إن الامر ليس كذلك. إذ يمكن نشر نحل محلي بعد يومين من التدريب بخبرات العلماء وليس باستيراد نحل من أمريكا. جرت اتصالات بالعالمين من جانب وكالة المشروعات البحثية العسكرية المتقدمة بوزارة الدفاع وهي معروفة بتشجيع الافكار الفريدة والفذة التي قد تبدو أول الامر أفكارا حالمة. وقالت المتحدثة باسم الوكالة جان ووكر (كانت هناك بحوث سابقة بشأن استخدام النحل حرسا. ولم يكن الامر بالصعوبة المتصورة). والحقيقة أن برومينشينك يعكف على العمل مع النحل منذ 30 عاما وقد جرى استخدام النحل في مهمات شتى حول العالم ومنها أنه استخدم في كرواتيا لجمع بيانات عن النشاط الاشعاعي الذي أعقب حادثة المفاعل النووي في محطة تشيرنوبل عام 1986 في الاتحاد السوفيتي السابق. وتتسبب الكهرباء الاستاتيكية في النحل في تعلق الجزيئات بشعيراته. ويتم باستخدام الادوات الموجودة في الخلية استكشاف الجسيمات والتحذير من وجود عوامل كيميائية وبيولوجية. كشف المخدرات والمواد الكيماوية ويري برومينشينك وهندرسون أنه يمكن تدريب النحل على استكشاف المواد الكيماوية والمخدرات وروائح الاجسام المتحللة وبهذا يمكن استخدامه في البحث عن المقابر الجماعية وأسلحة الدمار الشامل. وقالت ووكر أن البحوث أظهرت أنه يمكن تدريب النحل على الاستجابة للسيكلوهيكسانون والمذيبات الكيماوية واليانسون والاعشاب الطبية. لكن هذا سيكون في المستقبل. أما الآن فإن العلماء يأملون في إطلاق آلاف بل ملايين النحل للبحث عن الالغام الارضية. وهذا ما قد يسفر عن زيادة في لدغات النحل في أماكن معينة لكن إذا فكرنا في البديل فسيكون هذا على ما يبدو ثمنا بسيطا.