عزيزي رئيس التحرير قال الله تعالى : (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى، وأن سعيه سوف يرى) النجم 39 - 40. يجيب الله سبحانه وتعالى بعد عدة أقسام بهذا الجواب العظيم، على ان الانسان مرتهن بعمله، وان استحقاقه بمقدار جده واجتهاده ، والمتبصر في الحياة يرى مكانة العلم، وهي التي تسير دفة العالم من حولنا، فجل بناظريك حول العالم المتقدم ترى ان العلم والوعي هما السببان الرئيسيان في تقدمه، (ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير) الملك 4 ، يقول لك ان العلم نور في نور. وأمتنا الاسلامية، امة اقرأ، والتي - كما يقال - لا تقرأ ، بدأت رسالتها الخالدة بكلمة (اقرأ) ، ولم تبدأ بفرض صوم أو صلاة او زكاة او جهاد على اهمية ذلك، وهو امر مطلوب لبقاء الدين، ذلك لان العلم والتعليم دين ويقين يدعو الى الايمان بل هو من قوة الايمان. السؤال هنا : كيف نصنع جيلا ناجحا لمستقبلنا، وكما ارادها الله ان تكون خير امة اخرجت للناس؟ ويبدو لي بأن الجواب ينحصر في الامور التالية : اولا/ ادارة عادلة واعية : فمدير المدرسة ربان السفينة يديرها كيفما يشاء، ان صلح صلحت أمور المدرسة كلها، فالحكمة تقول : اعطني مديرا ناجحا، اعطك مدرسة ناجحة، فقيادة بلا شعب كشعب بلا قيادة لا ينجح احدهما الا بالآخر. والمدير الكفء يكون قدوة في كل شيء، فعله قبل قوله، وهو يجمع خلاصة افكاره وتجاربه ليقدمها لمدرسيه، فهو الاب المدبر لهذه المدرسة، يسأل عن احوال هذا المدرس وذاك التلميذ بقلب حنون عطوف يطبق العلاقات الانسانية في معاملاته، وتتدفق بين جوانبه الحكمة والحنكة والذكاء والاخلاق العالية الكريمة في كل تصرف من تصرفاته. ثانيا/ معلم مخلص كفء : فالمدرس هو حجر الأساس للعملية التعليمية والمرتكز الذي يعول عليه تنفيذ المنهج المدرسي، ومن المهم ان يكون هذا المدرس قد أعد أعدادا جيدا لممارسة هذه المهنة، وهي - رسالة الانبياء - فيبدع ويبتكر، يحلل ويركب، يعمل بلا كلل او ملل، واسع الاطلاع وخياله يعانق حدود السماء، بل لا حدود له ، يحلق مع طلابه في عالم الابداع دون ان تقف امامه اي معوقات، او مبررات كضيق المبنى أو النصاب الكامل، او مستوى التلاميذ وغير ذلك، شغوف بالعلم واهله، وهو طالب علم لا يشبع وكأنه شارب ماء البحر، كلما شرب ازداد عطشا. ثالثا/ ولي أمر متجاوب متعاون : حيث لا تكتمل العملية التعليمية بدون رب الأسرة، والذي لاتنحصر مسؤوليته فقط في توفير المأكل والمشرب والمسكن، ولكن التربية الصالحة تعتبر بحق حياة. ونحن محتاجون الى عشرات الكتب وعشرات المحاضرات عن التربية ليمكننا ان نتعامل مع ابنائنا والمرحلة التي يمرون بها على أساس علمي سليم، وتعتبر التربية الصالحة عن طريق القدوة الحسنة افضل مثال يحتذى به، فعندما نأمر بالصدق نكون أول المسارعين اليه، وعندما نطلب من أبنائنا - مثلا - اقفال التلفزيون وعدم السهر عنده ونطلب منهم المذاكرة، يكون واجبنا ان نحمل اي كتاب من المكتبة ليلاحظ حبنا وشغفنا بالعلم، ليطابق القول العمل والنظرية بالتطبيق العملي. رابعا/ تلميذ مجتهد مطيع : فعندما يؤدي كل من المدير والمدرس وولي الأمر دوره، وتكون الكرة في ميدان التلميذ، لابد له ان يستجيب لهذا الامر فيؤدي دوره بتوفيق من الله، وقد حثنا الدين الاسلامي على تنشئة الولد ورعايته حتى قبل ولادته من خلال اختيار الام الصالحة ، (اختاروا لنطفكم فإن العرق دساس) ، ثم في تسميته وتربيته. التجارة الناجحة اخواني الأعزاء : هل أدلكم على تجارة تنجينا من خسارة تطلعنا للنجاح فقط؟ انه التفوق والتميز ينجينا من طموحنا الهزيل الا وهو النجاح فقط، فمن حام حول الحمى اوشك ان يقع فيه. ولنرفع شعار انتهى زمن النجاح ليبدأ زمن التفوق. فهذا احد الادباء يقول : (الدرس الاول يعلمنا ان البنيان هو الانسان، وان الدرس الآخر يعلمنا ان الانسان هو البنيان). اخواني الاعزاء : للتفوق ثمنه، فنحتاج الى تربية لا تعرف القنوط او الانهزام او الخنوع او التراجع، ان نصنع من الابناء اشخاصا حديديين فولاذيين من خلال تقوية ارادتهم ونفوسهم وتعويدهم على القوة الروحية والجسدية وخلق الهمم العالية. ولنعلمهم كيف عاش علماؤنا الافذاذ في الماضي، الذين سطروا أسماءهم في صفحات التاريخ الخالد، وهم باقون ما بقي الدهر. ولا بأس ان نأخذ العبرة من العلماء العالميين أمثال اديسون الذي قال له احد اصدقائه : لقد اخفقت في اكثر من 10 آلاف تجربة لاختراع المصباح الكهربائي، فلماذا لا تكف عن تضييع وقتك ومالك؟ فقال اديسون : أخطأت ، لقد نجحت في اكتشاف 10 آلاف محاولة لاتوصلني الى ما أريد. وما اجمل قول الشاعر المتنبي :==1== إذا غامرت في شرف مروم==0== ==0==فلا تقنع بما دون النجوم==2== التربية الصالحة مصنع الرجال فنعلم ابناءنا كيف تكون الحياة كفاحا وجدا وعملا ونجاحا، ولنعلمهم كيف يحفرون في الصخرة، ويزرعون في البر، ويسقون من عرقهم الزرع. اخواني : اذا اجدنا تربية الأبناء نستطيع ان نقول اننا انشأنا جيلا ناجحا يعيد الأمجاد لامتنا في مستقبلها المشرف. فما أجمل ان نعيش مع ابنائنا الصغار المتفوقين لحظات التفوق، لحظة بلحظة ثانية بثانية، ونحن نترقب وجوههم، في خوفهم وقلقهم، في ترددهم وتوجسهم، ثم في فرحهم وسرورهم. نعم، هذا هو حال التلاميذ المجدين، وما أجملها من اوقات سعيدة.. انها لحظة التفوق، انها لحظة التميز @@ هشام عبداللطيف النعيم