في غياهب السجن تنفتح الذات على نفسها لتراجع ما فات وتحاول ان تبحث عن فرحة أمل فيما هو آت .. تنقب وتفكر وفي النهاية لا تملك سوى الاذعان والعيش في الواقع لمرارته اذ هو تقييد للحرية ثم وصمة على الجبين.. البعض يعرف جيدا لماذا اقتيد وما هي جريمته فيكفر عن ذنبه بالتوبة والمغفرة والبعض يقول بانه قد غرر به وهذا هو قدره.تختلط الحكايات بالرؤى والوهم بالحقيقة والامل باليأس والنور بالظلام ويبقى السطوع الحقيقي واضحا لا لبس فيه ويتلخص في كلمة واحدة (سجين). (ناصر) احد هؤلاء قضى في السجن ثلاثة أعوام وينتظره عامان وبعد السجن لا يعرف أين المصير. سائق بسيط من احدى المناطق الحدودية , سيارته النقل الصغيرة هي مصدر رزقه كان يقضي وقته فيها متنقلا من الحدود الى داخل المملكة ينقل البضائع لم يتزوج بعد وليس أكبر اخوته كما يقول فهناك أخوان اكبر لولاهما لأصبح أبواه بلا رعاية. (الحمد لله) يقول ناصر الذي يستطرد: كانت السيارة بيتي ومنزلي الصغير فيها كل حاجياتي , ملابسي وطعامي , ونرجيلتي .. أتحرك وعندما أتعب اقف كانت الامور تسير على ما يرام الى ان كانت هذه الليلة كانوا ثلاثة أفراد في سيارة(وانيت) على جانب الطريق بعد مدينتي بمسافة قصيرة سيارتهم كانت محملة باجولة مغلفة وغطاء موتورها مرفوع , وأنا كنت احمل حمولة لأحد التجار مرسلة اليه من احدى الدول المجاورة كانت تحتل نصف سيارتي. كان الوقت مساء وظلمة الطريق مطبقة , لم أرى إلا الايادي تشير لي بالتوقف , توقفت قلت ربما يحتاجون الى شيء او مساعدة , وعندما توقفت قال لي أحدهم: يا أخي سيارتنا معطلة ولا نستطيع ان نتركها هنا فهل لك ان تنقل هذ البضاعة الى ( .......). كانت المدينة التي ذكروها تقع في طريقي .. لا أكذب عليكم لم تكن الشهامة هي التي دفعتني للقبول ولكن الطمع فقد اغروني بضعف الاجرة فقبلت وحملت البضاعة واعطوني رقم تلفون وقالوا عندما تصل اطلب هذا الرقم وسيأتي اليك صاحب الاغراض. وركب معي أحدهم لمسافة قصيرة ونزل عند محطة بنزين بدعوى البحث عن ميكانيكي .. ومضيت في طريقي وانا احلم بالمكسب الكبير الذي حصلت عليه ولم أكن ادري أني احمل اكثر من مائة زجاجة خمر الا عندما استوقفتني إحدى نقاط التفتيش , لا اعرف ما الذي دفعهم لتفتيش الحمولة وأنا لم اعتد ذلك كثيرا على الطريق نزلت معهم وسألوني عن حمولتي فأشرت اليهم فذهب احدهم ليفتش ليأتي بعد فترة ليقول لي (أركن على جانب) استغربت فأوراقي سليمة ولكن عندما أنزلوا الحمولة جن جنوني أعطيتهم رقم التليفون وحكيت لهم الحكاية وذهبت معهم الى موقع السيارة الوانيت فلم نجد أحدا .. يبدو أنهم كانوا يراقبونني عن بعد وعندما شعروا بالخطر هربوا لم اعرفهم ولم استطع ان احدد ارقام سيارتهم ووقعت في الكمين. هؤلاء مهربون محترفون .. هم خسروا بعض الريالات وأنا خسرت خمس سنين من عمري. (ناصر) نظر في عيوني وتساءل الم تصدقني؟ قلت لقد قال القضاء كلمته وها أنت في السجن وحدث ما حدث ولكن قل لي بصدق ألم تكن تعرف ما تحمله بالفعل ولست شريكا معهم .. أنا لن أذكر اسمك ولا املك تخفيف حكمك فما هي الحقيقة؟ صمت ببرهة وطأطأ برأسه وصمت ؟؟ فاخرجته من حرجه .. وقلت ما نصيحتك لأقرانك بعد هذا الموقف انتفض وكأنني فتحت باب النجاة وقال: لقد كان درسا قاسيا تعلمت منه ان الاستقامة هي طريق النجاه وأن معصية الخالق تستوجب الجزاء واشهد انني ندمت كثيرا .. قاتل الله الطمع والنفس الامارة بالسوء. ودعته قائلا: ربما كان خيرا ودرسا لبداية جديدة في طريق الامل والكسب الحلال.