في مساء الثلاثاء 7 من ذي القعدة 1424ه التقت محبات الشعرِ وعشاق الكلمةِ الآسرة، وطلاب البوحِ الصادق، كان مساء جميلا، من مكان عزيز مكتبة الملك عبد العزيز في مناسبة عززت قيمتها أن أصبحت مجدا لوطن يعرفه المجد؛ إنها الجنادرية التي ما عادت تمثل حدثا محليا أو إقليميا بل حدثا عالميا مختارا يقدمنا للآخر وهنا المسؤولية العظمى والأمانة الثقيلة، فكما تكون الجنادرية مهرجانا للفخر والفرح فهي وجهنا البهي في محافل الثقافة العربية وخارجها. كنا في ضيافة الشعر، مضيفاتنا تفاوتت تجربتهن في الشعر خبرة وكما واتصالا بالمتلقي كما أنهن خريجات مؤسسات تعليمية مختلفة تشهد على تنوع العطاء في هذا الوطن المعطاء. أحلام الحميد خريجة كلية التربية شاركت في خمس أمسيات شعرية رسمية غير ما كان لها من مشاركات قد أقيمت في الكلية، بداياتها سبقت عام 1418ه وإن كان ذلك التاريخ قد سجل أول قصيدة لها منشورة، ورانية سعيد العطوي القادمة من تبوك الشمال حيث مفترق الطرق وتلاقح الثقافات منذ العصور البعيدة، رانية جاءتنا بتجربتها المشبعة بالمعارضات الشعرية تكشف عن قارئة للشعر ومبدعة تشق طريقها مستعينة بثقافة إن عمقتها ستحقق آمالها إن شاء الله، أما زهرة الأمسية الغضة فهي هيفاء عبد الرحمن الجبري طالبة جامعة الملك سعود فهي مازالت في خطواتها الأولى فتحت لها الجنادرية بابا للاتصال بالمتلقي بعد أن شاركت لأول مرة في أمسية سابقة نظمها موقع (لها أون لاين) منذ شهرين سابقين لذا فتجربتها تعد بوعود آمل أن تستثمرها للانطلاق في فضاءات الشعر. أتاحت الجنادرية ساحات رَحءبة للمبدعين على اختلاف ميادينهم الإبداعية وحظي الشعر بحظ وفير من هذا الاهتمام، فجال في ميادينها فرسان متوجون بغار الشعر كتبوا تاريخهم ومجدهم الفني في دفاترها، لكن الجنادرية رحم الوطن الذي يحتضن جميع أبنائه ويحنو عليهم ويرعاهم تفتح صفحات تبسط أعطافها للتجارب الجديدة والمحاولات الطموح، تشجعهم وتحفزهم على الإبداع والتميز. وللمرأة المبدعة قَدءرٌ واهتمام ورعاية في الجنادرية تجلى في هذا النشاط الثقافي الذي يتجاوز ثغرات الأمس ليحقق قفزاتِ اليوم وأحلامَ الغد. وللشاعرات حظ وافر أن خصصت لهن أمسيّة يشدون فيها ببوح الخاطر، ويغزلن فيها مجد مستقبلِهن ويرجعن صدى تجاربهن نحو الآخر مواجهة لا من خلف صحف، ويتحملن مسؤولية الإسهام في تاريخ الشعر النسائي في منطقتنا وإن كنت أرى أن الشعر يكتسب قيمته من داخله لا ! من قائله. الشعر منه نظم وسع العلوم فخلا من الوجد، وشعر منه قصيد فيه مشاعر ووجدان وبناء فني وإبداع في التراكيب، واقتناص صور تتداعى بجدة وإبهار يمتاز بها الشاعر الذي يطربك ويشدك أن تسمعه، وقراءة الشعر ليست كسماعه فالقصيدة عند سماعها تغدو قصيدتين أو أكثر النصَ كما كتبه الشاعر وأخرى تصل إلى المسامع محملةً بجرس الصوت وقدراته على إشباع اللفظ معانيَ متموجة، وهي ذاتها قصيدة أخرى تتدخل في صياغتها ثقافة المتلقي وحالته عند التلقي وظرفه الشخصي. وتبقى القصيدة مسؤولية الشاعر والمتلقي فالشاعر هو الناقد الأول لقصيدته لن يعرضها إلا بعد أن نالت رضاه، ويبقى للمتلقي أن يحسن الاستماع فالحكم يستدعي الأمانة أن يختار للقصيدة شهادة الحياة أو شهادة النسيان. نعم استمتعنا بتلك الأصوات الشابة الواعدة، التي تتغنى بحب الوطن تبسط لعزه في فكرها رحابات مضيئة، وتنسج من إبداع صوغها شعرا تدعوك لمشاركتها وجده وخفقه، وصراعها بين فيض المشاعر ودقة التعبير فكم ليلة عانت من اصطخاب الفكرة وكم مرة غيرت لفظة أو استبدلت بها غيرها. كنا جميعا في ضيافتِهِن وكان على المضيف الكرم، وعلى الضيف حسن الاستماع، وأمانة النقد. نحمد الله الذي جعل من الأوطان ذخرا، ومن البيان سحرا ومن ليلة بهية من ليالي الجنادرية شدوا لنا ونبرا؛ فمعلمنا وحبيبنا المصطفى الذي أوتي جوامع الكلم طرب للكلمة المبينة وأكرم شاعرها ببردته وكفى ذاك الشعرَ فخرا.