الرقابة قد تكون أمرا ضروريا، وذلك لحاجة الانسان لمن يسدد خطاه، او يدله على الطريق ، الا انها قد تتضخم في بعض الاحيان لتغدو هاجسا لدى البعض، ويتولد ما يسمى الرقابة الذاتية التابعة من خوف الانسان من الرقابة الخارجية. ولعل المثقف والكاتب هو الشخص المعني دائما بهذه القضية حيث انه من يتعاطى الفكر والثقافة والأدب وهي من المجالات التي تحتاج الى الدقة في الرقابة عليها من ناحية عنايتها بالمجتمع او العزف على تهديم المبادئ وتخريب الاخلاقيات ، بعكس الكتب العلمية التي ينبغي التأكد من صدقيتها فقط لانها تتعامل بالارقام وتبتعد عن التأثيرات النفسية والاجتماعية. وهذه المسألة الاخيرة هي التي تؤرق الرقيب وتجعله يصر على ان يشدد الرقابة على الكتابات التي ترتبط بالمجتمع ونحاول من خلال هذا المحور التقرب من هذه المسألة من خلال من وجهات تنظر مختلفة. بين الصمت والتمرد في البداية أكد الدكتور عالي القرشي ان (المبدع مسكون بالحرية، لان الكتابة فضاء، وخرج على قيد الصمت، ومن ثم فهو يرفض اي قيد، لذلك فان محاولة كبت حرية المبدع وتقييده اما ان تؤول به الى الصمت وهنا نخسره، او الى الخروج خارج الحدود وهنا يكون امعانه في التمرد على القيود اكثر سطوة.. لذلك نحن نحتاج الى ان نجعل المبدع تحت سطوة نفسه وقناعاته الفكرية التي بطبيعة الحال لاتنظر الى الابداع المجاني، والمهلك للروح والجسد). رقابة ذاتية ويقول احمد قران الزهراني (اعلامي) لاشك اننا جميعا نمارس رقابة ذاتية على انفسنا او حتى على المحيطين بنا، على الشأن الاجتماعي او الشأن الثقافي، وليس منا من يمارس فعلا اجتماعيا او ثقافيا الا ويضع نصب عينيه رؤية المجتمع له ولفعله الذي يمارسه. واضاف الزهراني اننا نتحدث بشأن مخصوص وهو الرقابة على الاعمال الكتابية بكل مستوياتها وفروعها، وهو لاشك فعل تختلف الآراء حوله وتجاهه، فهناك مؤيد لها وهناك معارض.. وكل له اسبابه التي يرى انها وجيهة. وقال الزهراني ان المراقب يرى ان الرقابة حماية للمجتمع من الغزو الفكري والافكار الهدامة والحفاظ على دينه وهويته وأنظمته السائدة من الطرف الآخر، فيما يرى المبدع ان الرقابة حجر على الفكر والعطاءات الانسانية، وهما في كلا الامرين يذهبان الى اقصى حالة التناقض مشيرا الى ان اي مجتمع هناك رقابة ذاتية ورقابة حكومية حتى في تلك الدول التي تمارس الحرية فيها بشكل كبير ولكن هذه الرقابة لها حدودها التي لاتجعل من مقص الرقيب سيفا مسلطا على الكاتب، وكذلك للكاتب حدود لا تتعدى على حرية المجتمع وخصوصيته. ويتابع الزهراني هنا نحتاج الى رقابة ولكن هذه الرقابة يجب ان تكون واعية بمتطلبات العصر والثورة العلمية والتكنولوجية، ليتمكن من الحصول على اكبر قدر ممكن من الثقافة التي تؤهله للاطلاع على المواد التي تقدم له. الرقابة في عصر الانفتاح الرقابة امر مطلوب ولكن يجب مراعاة العصر والمستوى العلمي الذي وصل اليه المجتمع ليس من المنطق ان اعامل مجتمعا تقل نسبة الامية في الى مستوى 10% كما كنت اعامل هذا المجتمع قبل ثلاثين او حتى عشرين سنة، فلم يكن التعليم بهذا المستوى ولم يكن الانفتاح الاعلامي والفضائي بهذه الكثافة.. فنحن في زمن الانترنيت والفضائيات.. ولهذا يجب ان تمارس الرقابة دورها بكثير من الانفتاح وكثير من التفاعل وكثير جدا من الثقافة في المجتمع، مؤكدا ان الذين يقبلون على التعاطي مع الابداع هم نخبة المجتمع وهم بعيدون عن التأثر مهما كانت الافكار الواردة من الطرف الآخر. اما المثقف فعليه ان يمارس دوره بعيدا عن هاجس الرقابة، والفضاء الانساني متسع لكل اطياف الابداع، والمجتمع اصبح يتقبل ما كان مرفوضا سابقا والايام كفيلة بتغيير الصورة الذهنية عن الرقابة. الوصول إلى الاقناع وتقول الدكتورة/ وداد نوفل : استاذ البلاغة العربية في قسم اللغة العربية جامعة الملك سعود تقول ان الشيء الجميل لايمكن ان يشوه ولايستلزم ان يكون التعبير عن الشيء الجميل من الاحاسيس والمشاعر او التجارب المختلفة او اي أمر يريد الاديب والشاعر التعبير عنه لايستلزم ان يكون خارجا حتى يكون جميلا مشيرة الى ان طرق الوصول الى التأثير والاقناع لم تنته بعد بما هو مرفوض او مرزول او مستقبح حتى وان كان بدعوى ما يقوله البعض من تحقق الواقع والتعبير عن كل ما يدور بخلد الانسان. واكدت نوفل انه في حال خجل الانسان من الاعلان عما يدور بفكرة فان هذا الامر يرجع اليه نفسه، مشددة على اهمية التمسك بالرأي عن قناعة والافصاح عما لدينا من افكار، شريطة ألا تكون ذات مردود سلبي على الآخرين من الناحية الشخصية، اما اذا صادمت الافكار او اختلفت فان ذلك هو الامر المطلوب بحيث تصل الى نتائج سليمة ورؤى اكثر نضجا لما نناقشه من امور في حياتنا اليومية. واضافت نوفل ان الخجل والاحجام عن ابداء الرأي لاتؤدي الى حرية التعبير، بل على العكس من ذلك تماما قد تؤدي الى الاساءة اليها. بعيدا عن المزايدات وقال الناقد سحمي بن ماجد الهاجري ان الرقابة على الشأن الثقافي تستبطن قضية ملتبسة وتواجه بحساسية كبيرة من المثقفين، خصوصا وانهم يشعرون انها تأتي من قبل تيار فكري يناهضهم اوينافسهم. واضاف الهاجري ان الرقابة بمعناها الاعلى ضرورة في كل مجتمع للحفاظ على ثوابته وقيمه الاساسية ولكن يجب ألا تكون بمثابة مراقبة تيار على تيارات فكرية تنافسه في المجتمع بل تكون الرقابة على كل التيارات فمن شذ عنها او تطرف مهما كان الطابع الذي يسبغه على نفسه فانه لا يكون فوق المساءلة. فمدار الامر ان تتاح الفرصة لكل المناهج بالتساوي فأما ما ينفع الناس فهو مطلوب اما الزبد والمزايدات فتذهب جفاء، وهكذا تحقق الرقابة اهدافها السامية ولا تكون مجرد مما حكات تجير لصالح جهة وضد جهة اخرى. سحمي الهاجري