بدأت المعاناة حين فاجأني الطبيب أن ابني الذي لم يتجاوز السنة الثالثة مصاب بجرح عميق في قرنية العين ويحتاج الى اجراء عملية جراحية عاجلة. لا انكر ان العناية الالهية ثم مجهود الطبيب الملموس كانت سببا في انقاذ عين الطفل وتمام العملية بنجاح حتى تبدأ معاناة اقامتي اليومية في المستشفى فولدي يتحسن جسديا مع ترد بالغ في حالته النفسية وعليه مرغما تحمل جرعات المضاد الحيوي الوريدي مضافا اليها نقاط معقمة للعين وهي محرقة لمن أجريت له العملية المذكورة , كان كثير البكاء والتذمر .. يرفض تناول الطعام حتى لو اشتمل صنفا مفضلا لديه .. يحاول النهوض وتحطيم كل ما يصادفه من العاب أو اشياء لا عهد له بها .. ينظر الى شباك الغرفة ثم يسألني بالحاح ان اقف معه ليرى خلاله الشمس محاولا أن يمسك احد خيوطها البازغة بيديه الصغيرتين. الممنوعات كثيرة فهو محروم من رؤية أي طفل تبعا لقوانين المستشفى ولهذا بدأ يردد اسماء الاحبة الصغار الذين طال لعبه معهم قبل أن ينام وفور استيقاظه .. كان يرفض مقابلة الكبار ممن يزورونه ويأمرهم بالخروج فهو ليس بحاجة اليهم ولا لهداياهم واحساسه الحقيقي بالفرح حين يقابل اصدقاءه الذين يفهمونه ويفهمهم وهم من عمره .. المؤلم انه لا يوجد مكان يجلس فيه الاطفال المرضى رغم كثرتهم للعب أو حتى للحديث المفصح عما في نفوسهم من اوجاع المرض واحساس الخوف والغربة من المكان المغلق .. يؤسفني لو قلت أن طفلي كان يعيش (سجنا انفراديا) لا يرى فيه الا الطبيب وعاملات النظافة والممرضات ..... وحين استفسرنا عن وجود غرفة للألعاب سابقا قيل أنه تم نقلها بطاقهما الوظيفي الى مستشفى الولادة والاطفال مع أن مستشفى الملك فهد يعتبر اضخم مستشفى على مستوى المحافظة من حيث الطاقم الطبي وكثرة استقباله لحالات جراحة الاطفال سواء الانف , العيون , العظام , اضطرابات القلب وغيرها. مع هذا كله لا انكر ايجابيات واضحة في المستشفى كاهتمام الطبيب بالمريض , معاملة الممرضات , حرصهم على أي تطور في حالته ،وجود نوع من الاحساس بالمسؤولية .. ولمدير المستشفى التحية والشكر والتقدير في هذا. لكنني أرجوه كأم عانت مع طفلها المريض أن يخصص يوما يزور فيه الاطفال مرضاهم ساعة او حتى دقائق محددة مع وضع محاذير تلزم أولياء الأمور العناية بالمكان وتحمل المسؤولية لضبط سلوك الطفل لا بأس لو خصصت غرفة خاصة للاطفال يمضي الطفل فيها جزءا من وقته يشاهد التلفاز او يلعب وبهذا ينسى ألمه ويتغلب على ما قدر عليه من بلاء مع المرض .. المريض البالغ ايها المسؤولون قادر على استنفاذ الوقت بالحديث او القراءة او التجول بين الممرات وزيارة المرضى المجاورين ولكن الطفل مخلوق عاجز عن التعبير. بقي طفلي سبعة ايام يحلم بالحرية ويطمح إلى تحطيم تلك الجدران المنصوبة امامه بعد قيد متعب مع السرير الابيض واخيرا شاءت رحمة الله ان يعانق (حسن) الشمس من جديد. تهاني حسن الصبيحة