قال تعالى:" وعلى الله فليتوكل المؤمنون" آل عمران: من الآية 122. وقال سبحانه وتعالى:" وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب" ( هود: من الآية 88). وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال:" حسبنا الله ونعم الوكيل، قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار، وقالها محمد حين قالوا له: ( أن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل) آل عمران: من الآية 173) فالاستعانة بالله والتوكل عليه من أعظم واجبات الإيمان، وأفضل الأعمال المقربة إلى الرحمن، فإن الأمور كلها لا تحصل ولا تتم إلا بالاستعانة بالله ولا عاصم للعبد سوى الاعتماد على الله. ولا تحول للعباد من حال إلى حال إلا بالله، ولا قدرة لهم على طاعة الله إلا بتوفيق الله ولا مانع لهم من الشر والمعاصي إلا عصمة الله قال الصادق المصدوق :" إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف" ( رواه الترمذي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما) قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى في تعريف التوكل: التوكل عمل القلب، ومعنى ذلك أنه عمل قلبي ليس بقول اللسان ولا عمل الجوارح، وهو من باب العلوم والإدراكات. وقال أبو علي الدقاق: التوكل ثلاث درجات: الأولى: التوكل، ثم التسليم، ثم التفويض. فالمتوكل يسكن إلى وعده، وصاحب التسليم يكتفي بعمله، وصاحب التفويض يرضى بحكمه، فالتوكل صفة الأنبياء والتسليم صفة إبراهيم الخليل عليه السلام، والتفويض صفة نبينا محمد .أه وقال ابن القيم رحمه الله تعالى:( التوكل يندرج في التسليم، وهو والتسليم يندرجان في التفويض) ولقد عرفه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى فقال:" صدق الاعتماد على الله عز وجل، في جلب المنافع ودفع المضار مع فعل الأسباب التي أمر الله بها) ولقد عرفه كثير من أهل العلم في تعريفات مختلفة ونجمع هذه التعاريف بهذا التعريف:" اعتماد القلب على الله وحده لا شريك له، وتفويض الأمر إليه سبحانه والاستعانة به مع الأخذ بالأسباب المأمور بها، واعتقاد أنها لا تجلب بذاتها نفعاً ولا تدفع ضراً بل السبب والمسبب فعل الله، والكل بمشيئته، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، مع التسليم لقدر الله والرضا بما يكون والصبر عليه). ولقد اجمع أهل العلم على أن التوكل لا ينافي القيام بالأسباب فلا يصح التوكل إلا مع القيام بها وإلا فهو باطل وتوكل فاسد. قال الشاعر: ==1== توكل على الرحمن في الأمر كله ==0== ==0==ولا تؤثرن يوماً عن الطلب ألم تر أن الله قال لمريم ==0== ==0==وهزي إليك الجذع يساقط الرطب ولو شاء أن تجنيه من غير هزها ==0== ==0==جنته ولكن كل شيء له سبب==2== وكذلك أسباب الرزق لا تحصل ولا تتم إلا بالسعي في الطلب مع التوكل على الله، قال :" لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطانا" رواه أحمد، فوصف التوكل على الله بوصفين: السعي في طلب الرزق، والاعتماد القوي على مسبب الأسباب، فمن فقد الوصفين أو أحدهما خسر وخاب ومن سعى في الأسباب المباحة واعتمد على ربه وشكر المولى إذا حصلت له المحبوبات وصبر لحكمه عند المصائب والمكروهات فقد فاز ونجح واستولى على جميع الكمالات. من علم أنه فقير إلى ربه في أحواله كيف لا يتوكل عليه، ومن علم أنه عاجز مضطر إلى مولاه كيف لا يستعين به وينيب إليه، ومن تيقن أن الأمور كلها بيد الله كيف لا يطلبها ممن هي في يديه، ومن علم بسعة غناه وجوده كيف لا يلجأ في أموره كلها عليه ومن استيقن أنه أرحم بعباده من الوالدة بولدها كيف لا يطمئن قلبه إلى تدبيره، ومن علم أنه حكيم في كل ما قضاه كيف لا يرضى بتقديره، يا أيها المجاهد نفسه عن المعاصي والذنوب انه لا يتيسر لك تركها إلا بقوة الاعتصام بعلام الغيوب فإنه من توكل عليه كفاه واستعان به واعتصم أصلح له دينه ودنياه، ومن أعجب بنفسه وانقطع قلبه عن ربه خاب وخسر أولاه وأخراه، فكم من ضعيف عاجز عن مصالحه قوي توكله على ربه فأعانه عليها، وكم من قوي اعتمد على قوته فخانته أحوج ما يكون إليها، ما ثم إلا عون الله توفيقه فهو عدة المؤمنين. قال الشاعر: ==1== وإذا دبى ليل الخطوب وأظلمت ==0== ==0==سبل الخلاص وخاب فيها الآمل وآيس من وجه النجاة فما لها ==0== ==0==سبب ولا يدنو لها متناول يأتيك من ألطافه الفرج الذي==0== ==0==لم تحتسبه وأنت عنه غافل==2== وخير منه قول المولى سبحانه وتعالى:" ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير" الممتحنة: من الآية 4. وقفة: اللهم أنا نسألك صدق التوكل عليك، وصدق الاستعانة بك، وصدق اللجوء إليك،، وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم،،،، @@ أبو عبد الله البقعاوي