ان لحظات العمر ثروة ضخمة، يملكها الانسان وكل لحظة تمر غير قابلة للاسترداد، والناس جميعهم يملكون هذه الثروة، ولكن قلة منهم تدرك قيمتها وتحسن الانتفاع بها. والفراغ والقلق قرينان، فإذا دخل الفراغ إلى نفس ابرق للقلق ليتبعه، والقلب الفارغ ينمو فيه القلق كالفطريات دونما حاجة إلى ري، بينما القلب المعمور لا يمتليء بالسعادة إلا بالعمل وبذل الجهد كالوردة التي لا يحفظها إلا الرعاية والاهتمام، وهكذا إذا لم يمتنع الشاب عن عملية قتل أوقاته ولم يقم باعمار سنوات عمره يكون بذلك قد سمح للفراغ أن يلتهم زمانه وللأوهام أن تأكل قلبه وللإحباطه أن يفسد حياته. إن الفراغ مفسد للنفس مبدد للطاقة والحيوية باعث للوساوس والهواجس، إن الأعمال أكثر من الأوقات والمطلوبات اكثر من المنجزات ولو قام الشاب بحمل الأمانة وتحمل المسؤولية لقصر عنه زمنه وضاق به ظرفة ليحقق دوره الريادي، والطريق واحد ممتد، أوله في الدنيا وآخره في الآخرة والفصل بينهما والزعم بأن العمل في الدنيا يقتضي الانقطاع عن الآخرة أدى إلى حدوث القلق والسآمة واليأس وفقدان الأمل، إن أي مهنة يتقنها الشاب ويزاولها ليقتات منها ويستغني بها عن السؤال ويتوجه بعمله هذا لله سبحانه ويخلص له تعتبر عبادة يثاب عليها. إن الشاب الذي يقصر همه وتفكيره على الدنيا ويجعلها شغله الشاغل ولا يلتفت إلى الآخرة لن يجني الغنى الحقيقي والسعادة الحقيقية، ويدل تفكيره هذا على اختلال مشين في الموازين وقصور شديد في الرؤية. إن الشاب المخلص يعمل مافي طوقه ويتقن عمله ويداوم عليه ولا يتبع السبل المنحرفة ولا يتحايل على الحق ولا يبرر قبح الوسيلة بحسن الغاية ولا يعتسف الطريق، يكدح في هذه الدنيا سواء شكر الآخرون صنيعه أم صمتوا، ويسعى باطمئنان الى الجزاء الأوفى عن كل ذرة عملها وباستبشار الى الفوز بالرضا والثواب من الله سبحانه. ان الاعداد الفكري للشاب مطلب هام لبناء ثقافة واعية تمكنه من الارتباط بأصوله الثابتة والحركة الصاعدة على بصيرة واطلاع على عالمه المتجدد وتنأى به عن الفراغ الفكري وفتات المعلومات وقشور العلم والعيش السطحي على هامش المعرفة، وهذا الإعداد يتطلب قراءة هادفه عميقة بعيدة عن التفاهات والإصدارات الاستهلاكية واللقطات العشوائية ولا يختلط فيها الغث بالسمين. والإعداد الجسمي للشباب مطلب أيضا، والنشاطات الرياضية والتمارين البدنية تكسب الشباب قدرات متنوعة وتستوعب جزءا من طاقاتهم في حقل خصيب يتعلمون من خلالها روح الجندية والتعاون والالتزام والانضباط والتنافس الشريف لتسديد الأهداف، والشاب الواعي هو الذي يفهم الرياضة على إنها اعداد جسمي واخلاقي وسلوكي وروحي ويدرك ان المباريات الرياضية فرصة للتعارف والتعاون والتواصل واللقاء، وبهذه النظرية النافذة يختلف اختلافا بينا عن الشاب الفائز المصاب بجنون الكرة ومرض الهوس الرياضي، والمتشدد بمواقفه الرعناء تجاه بعض اللاعبين والفرق وينتج عن هذا الفهم الخاطيء تحويل المنافسات المشوقة الى مهاترات ومشاحنات وحزازات مضيعة للطاقات وقلب المباريات الممتعة الى مغالبات ومنازعات. وينبغي الا ينهزم الشاب فيما لو تعرض لفشل او خيبة أمل والا يستسلم لليأس. فعلى الشاب ان يسلم لحقيقة حالة الواقعة وان الحدث الذي وقع قد وقع فعلا وهو مقدر عليه، فحري به ألا ييأس من رحمة الله وان يعاود البناء مستعينا بالله مالك الأرض والسماء. لقد اعطى الله لكل انسان قدرات معينة ومواهب مخصصة، وجعل هذا التفاوت بين البشر في الذكاء والتفكير والمهمات والاعمال لكي تقوم الحياة فاذا عرف الشاب طاقاته ومواهبه وامكاناته وحاول تنميتها والظهور والعمل من خلالها افلح في مسعاه باذن الله وسلم من الفشل الذريع فيما لو قام بعمل لا تمكنه قدراته من النجاح فيه، واذا اختار طريقا وسار فيه فوجد الباب موصدا ولا يملك المفتاح الذي يناسب قفله فلا يحاول ان يفتحه ويعطيه وليبحث عن طريق آخر وليدخل من الباب الذي يقدر على فتحه بأداته المكافئة. علي بن عائض القرني مدير مدرسة السعودية الابتدائية بالخبر