زار مفتي عام المملكة العربية السعودية سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ أمس الأول مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية في الرياض, حيث التقى سماحته بمعالي رئيس المدينة الدكتور صالح بن عبدالرحمن العذل, والمسؤولين في المدينة. ورحب معالي رئيس المدينة الدكتور صالح بن عبدالرحمن العذل بسماحة المفتي وقدم له عرضا مختصرا لدور المدينة الذي ينطلق عبر ثلاثة محاور رئيسية هي معاهد البحوث في التخصصات العلمية والتقنية ودعم البحث العلمي في الجامعات السعودية وفي القطاعين العام والخاص في عدد من المجالات الصناعية والاقتصادية وفي مجالات الطب والهندسة وغيرها من العلوم وتوحيد الجهود المبذولة في مجال البحث العلمي. وأشار الدكتور العذل الى دور المدينة في تنسيق الجهود في مجال البحث العلمي وتكريس الجهد للاستفادة القصوى عبر التعاون على المستوى الخليجي والعربي والدولي. ثم قدم معالي الرئيس لسماحة المفتي الساعة الإلكترونية التي ساهمت المدينة في انتاجها بالتعاون مع شركة الإلكترونيات المتقدمة وذلك لحساب أوقات الصلاة والتاريخ الهجري حسب تقويم ام القرى ويمكن استخدامها في جميع أنحاء العالم. وأعرب سماحة المفتي عن سعادته بما وصل اليه الباحثون السعوديون. مؤكدا على ان الاهتمام بالعلم والانتاج أمر حث عليه ديننا الإسلامي الحنيف وشجع على التزود بالعلم. ثم ألقى الدكتور زكي المصطفى مساعد المشرف على معهد بحوث الفلك والجيوفزياء ورئيس قسم الفلك في المدينة, كلمة قدم فيها نبذة عن المشاريع التي دعمتها مدينة الملك عبدالعزيز في عدد من الدراسات والبحوث, مثل: تحديد اتجاهات القبلة لأكثر من 500 موقع في المملكة باستخدام الأقمار الاصطناعية, تقويم ام القرى, تحديد وقت صلاة الفجر, التقويم المقارن من عام 1420ه, الى 1450ه فضلا عن أعمال لجان تحديد الأهلة. ثم علق سماحة المفتي على عملية الحساب الفلكي وأشار الى ان علماء السلف لم يأخذوا بالحسابات الفلكية متقيدين بذلك بالرؤية لانها أشياء محسوسة وملتزمين بتطبيق ما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته..) وفي مداخلة لنائب الرئيس لدعم البحث العلمي الدكتور عبدالله بن احمد الرشيد طرح فيها انه أصبح لدينا علماء في الفلك يقومون بالدراسات والحسابات بشكل علمي دقيق وتساءل سعادة النائب اذا ثبت لهؤلاء العلماء بما لا يدع مجالا للشك عدم امكانية رؤية الهلال خاصة وانه ثبت علميا انه يغيب قبل غياب الشمس هل نقبل برؤيا من شهد برؤيته بعد غيابها؟ فأجاب المفتي مؤكد بأهمية الاقتداء بسنة النبي وهي الميزان والقدوة قال تعالى (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر), وقال الرسول صلى الله عليه وسلم (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته) وهذا حكم قطعي فمتى ما تقدم رجل مشهود له بالأمانة وبالصلاح والعقل وفيه من يزكيه من المسلمين نصوم وصومنا صحيح بإذن الله. وفي رد على تساؤل عن استخدام الرادارات عبر استخدام الأقمار الصناعية لرؤية الهلال وتتبع القمر أجاب سماحة المفتي وقال: يسروا ولا تعسروا والأمر يسير ولم نكلف ببحث يشق على المسلمين مبينا ان هناك من زاد على ذلك بأن أرسل طائرة لاستخدامها عن طريق الأقمار الصناعية لرؤية الهلال, وأمرنا في الإسلام سهل ويسير أمرنا بأمر سهل ان رأينا الهلال نصوم وان لم نره لسنا ملزمين ولا مكلفين والأمر إذا بني على اجتهاد فالإنسان معذور حتى ولو أخطأ. بعد ذلك قدم الدكتور الأمير تركي بن سعود بن محمد آل سعود المشرف على معهد بحوث الفضاء في كلمة له, معلومات عن مشروع (الأطلس الفضائي للسيرة النبوية) الذي تقوم عليه مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم بالتعاون مع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية, لربط جميع أحداث السيرة النبوية. من الناحية العلمية عبر استخدام الصور الفضائية في معهد بحوث الفضاء لتحديد مواقع السيرة والمشاعر المقدسة, فضلا عن محاولة استقراء أحداث سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وتسجيلها وتوثيقها, عبر مراحلها المتعددة ما بين المكي والمدني وما بعد وفاته صلى الله عليه وسلم. وفق الضوابط الشرعية المعتبرة لتمكن الباحثين والمحققين والدارسين الاستفادة منها. وعقب سماحة المفتي على استخدام التقنية الفضائية للآثار في مجال العلم فقط حتى لا يمكن استغلالها بشكل خاطىء من قبل العامة مذكرا بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم (انما هلك من كان قبلكم بسؤالهم واختلافهم على انبيائهم). وألقى الدكتور فايز الحرقان المشرف على معهد بحوث الحاسب والإلكترونيات, كلمة مماثلة تحدث فيها عن انجازات المعهد في المجالات التقنية لا سيما ما يتعلق بالساعة الإلكترونية لحساب أوقات الصلاة والتاريخ الهجري, وما تتميز به من خصائص, امكن من خلالها استخدامها في كافة بقاع الأرض, لدقتها ومطابقتها لتقويم أم القرى, مضيفا ان المدينة طورت برنامجا حاسوبيا لتحديد اتجاه القبلة باستخدام ظل الشمس وهذه الطريقة تعد دقيقة جدا وسهل استخدامها على المسلم والآن بصدد وضعها على شبكة الانترنت لتعم الفائدة المسلمين في أنحاء العالم بإذن الله. ومن جهته أوضح الدكتور عبدالعزيز بن محمد السويلم المشرف على معهد الموارد الطبيعية والبيئة ورئيس اللجنة الوطنية للأخلاقيات الطبية الحيوية, ان الشريعة الإسلامية ومراعاة نظمها وقواعدها هي الأساس في تشكيل رأي لجنة الأخلاقيات الطبية الحيوية, في القضايا العلمية ذات العلاقة باهتمامات اللجنة, وان الاستعانة برأي إدارة البحوث العلمية والإفتاء تشكل أساسا ورافدا هاما تستمد اللجنة منه شرعيتها. وأشار الدكتور السويلم الى ان اللجنة شارفت على الانتهاء من اعداد نظام مزاولة البحث على المخلوق الحي مع مراعاة النواحي الشرعية, وتمت الاستفادة من بعض المختصين الشرعيين من خارج اللجنة للاستنارة بآرائهم في صياغة هذا النظام على ان يتم رفعه الى المقام السامي لاعتماده. مشيرا الى دراسة موقف المملكة من قضايا الاستنساخ وتناول هذه القضية مع العلماء. وعلق سماحة المفتي على ان العلم والشرع لا يختلفان والشيء الذي لا يتنافى مع قيمه وأخلاقه لا خلاف عليه. ثم قدم الدكتور إياس بن سمير الهاجري مدير عام وحدة خدمات الانترنت في المدينة, موجزا عن خدمات الانترنت في المملكة وما تقدمه مدينة الملك عبدالعزيز في هذا الجانب من خدمات, منذ ان صدر قرار مجلس الوزراء بالعمل به عام 1417ه حيث أنيط بالمدينة تولي مهمة ادخال هذه الخدمة للبلاد. وتساءل سماحة المفتي هل يمكن اختراق ما يتم حجبه؟ وأجاب الهاجري إن ذلك امر ممكن وقال سماحة المفتي ان الانترنت لها أهمية عظيمة للباحثين والأكاديميين وتساعدهم في الوصول الى مراكز البحث العالمية وتربطهم بالمكتبات والوثائق والمخطوطات والبحوث العالمية وان السبيل الى الحد من أضرار الانترنت هو في التربية الصحيحة وفي تبصير المسلمين بدينهم وتربية النشء لمواجهة هذه المخاطر مؤكدا ان التربية الإسلامية هي الحصن الحصين لحمايتهم بمشيئة الله. اما الدكتور عبدالرحمن العبدالعالي المشرف على الإدارة العامة لبرامج المنح البحثية, فقد أوضح ان برنامج المنح الإنسانية, برنامج سنوي يتم من خلاله دراسة بعض الظواهر ذات التأثيرات السلبية على المجتمع في كافة المجالات وبدأ عام 1419ه تم خلاله دعم 18 بحثا بميزانية تقدر بنحو 8.70 مليون ريال. وأبان الدكتور العبدالعالي, ان من الموضوعات التي تم بحثها ضمن البرنامج, المشكلات النفسية والاجتماعية للمراهقين في المملكة العربية السعودية, مجالات عمل المرأة في المجتمع السعودي, الفضائيات وأثرها على النشء والمجتمع, الجرائم الأخلاقية لدى الشباب في المجتمع السعودي (حجمها, أنواعهما, محدداتها, الآثار الاجتماعية والاقتصادية المترتبة عليها) والسحر والشعوذة في المجتمع السعودي ورعاية المسنين في المملكة من منظور شرعي. وأثنى سماحة المفتي على هذا البرنامج والأبحاث المدعومة ورأى انها تناقش قضايا في صميم المجتمع وهذا ما ينبغي التركيز عليه بالنسبة للعلماء والباحثين. وتساءل سماحة المفتي هل لديكم في المدينة دراسات عن طبقة الأوزون فأجاب معالي رئيس المدينة ان الغرب اعتمد على فكرة التلوث الناتج عن ثاني أكسيد الكربون مما يستوجب فرض ضريبة على الدول المنتجة للنفط وذلك لحماية البيئة. وقد قامت المدينة بدراسات اثبتت ان مناجم الفحم تسبب تلوثا للبيئة يماثل ثلاثة اضعاف ما تمثله نواتج البترول وكانت هذه الدراسات داعمة لموقف المملكة أمام دول الاتحاد الأوروبي الأمر الذي توقفت بسببه المطالبة بفرض مثل هذه الضريبة. وقد أشاد سماحة المفتي بهذا الدور مؤكدا دور العلم وأهميته بفرض وجهة النظر وجعل موقفك قويا ما دمت متسلحا بالإيمان والعلم. ثم أم سماحة المفتي المصلين لصلاة الظهر, وألقى سماحته عقب الصلاة كلمة حث فيها على التزود بالخيرات في هذا الشهر الفضيل, ولاسيما ونحن في العشر الأواخر منه, والعمل على المثابرة والتغلب على نزعات الهوى وشهوات النفس,وتحري ليلة القدر في هذه الأيام التي هي خير من ألف شهر. وعن لقائه سماحته مع المسؤولين في مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية, أعرب الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ عن سعادته عما سمعه عن أنشطة وبرامج, تقدمها المدينة, مشيرا سماحته الى ان الدين الإسلامي هو دين العمل والخير كله, حتى يكون صراطا مستقيما يسير عليه المسلم في كل حياته مستشهدا بقوله تعالى (وقل أعملوا فسيرى الله عملكم). وأشاد سماحته, بالأعمال التي تقوم بها المدينة, وحث ان يكون لها نشاط ونشرات أسبوعية او شهرية لتبرز نشاطاتها الى الناس, لانه لا بد من ابراز تلك العلوم والنشاطات ليعلم الناس ماذا تعمل المدينة. واوضح سماحته ان الدين الإسلامي لا يعيق عن علم او ركب, وانما تأخر المسلمون بأنفسهم, فديننا الحنيف يحث على العمل, الجد, المسابقة, المسارعة في اللاحق بالأحداث, والنزول الى ميادين العمل, مع الثبات على الدين, ليثبتوا ان لدى المسلمين علما كما كان المسلمون الأوائل. وحث المسلمين على المثابرة في مجال العلم, وان يلقوا الكسل والخمول وينافسوا من سبقونا في العلم, فالعقول لم تقبر, مشيرا سماحته الى ان العلم ليس خاصا بفئة ولكنه لمن طلبه وتحراه, وأخذ بالأسباب التي تدله على ذلك.