يتواصل الحديث بالقول: ومنها: تأخيره للفطور الى السحر: روي عنه من حديث عائشة وانس انه صلى الله عليه وسلم كان في ليالي العشر يجعل عشاءه سحورا. ولفظ حديث عائشة: (كان رسول الله عليه عليه وسلم اذا كان رمضان قام ونام، فاذا دخل العشر شد المئزر، واجتنب النساء، واغتسل بين الاذانين، وجعل العشاء سحورا) رواه ابن أبي عاصم. وعن ابي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تواصلوا، فأيكم اراد ان يواصل فليواصل الى السحر، قالوا: فانك تواصل يا رسول الله؟ قال: اني لست كهيئتكم، اني ابيت لي مطعم يطعمني وساق يسقيني) رواه البخاري. وظاهر هذا يدل على انه صلى الله عليه وسلم كان يواصل صيامه، وقد يكون صلى الله عليه وسلم انما فعل ذلك لانه رآه انشط له على الاجتهاد في ليالي العشر، ولم يكن ذلك مضعفا له عن العمل، فان الله كان يطعمه ويسقيه. ومنها: اغتساله صلى الله عليه وسلم بين العشاءين، وقد تقدم من حديث عائشة: (واغتسل بين الاذانين) والمراد: اذان المغرب والعشاء، قال ابن جرير: كانوا يستحبون ان يغتسلوا كل ليلة من ليالي العشر الاواخر. وكان النخعي يغتسل في العشر كل ليلة، ومنهم من كان يغتسل ويتطيب في الليالي التي تكون ارجى لليلة القدر. وكان ايوب السختياني يغتسل ليلة ثلاث وعشرين واربع وعشرين، ويلبس ثوبين جديدين، ويستجمر ويقول: ليلة ثلاث وعشرين هي ليلة اهل المدينة، والتي تليها ليلتنا، يعني البصريين. فتبين بهذا انه يستحب في الليالي التي ترجى فيها ليلة القدر التنظف والتزين، والتطيب بالغسل والطيب واللباس الحسن، كما يشرع ذلك في الجمع والاعياد. وكذلك يشرع اخذ الزينة بالثياب في سائر الصلوات، ولا يكمل التزين الظاهر الا بتزين الباطن بالتوبة والانابة الى الله تعالى، وتطهيره من ادناس الذنوب، فان زينة الظاهر مع خراب الباطن لاتغني شيئا. ولا يصلح لمناجاة الملوك في الخلوات الا من زين ظاهره وباطنه وطهرهما، خصوصا ملك الملوك الذي يعلم السر واخفى، وهو لاينظر الى صوركم، وانما ينظر الى قلوبكم واعمالكم، فمن وقف بين يديه فليزين له ظاهره باللباس، وباطنه بلباس التقوى. اذا المرء لم يلبس ثيابا من التقى تقلب عريانا وان كان كاسيا. ومنها: الاعتكاف، ففي (الصحيحين) عن عائشة رضي الله عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الاواخر من رمضان حتى توفاه الله تعالى. وفي (صحيح البخاري) عن ابي هريرة رضي الله عنه، قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان عشرة ايام، فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين) وانما كان يعتكف النبي صلى الله عليه وسلم في هذه العشر التي يطلب فيها ليلة القدر، قطعا لاشغاله، وتفريغا لباله، وتخليا لمناجاة ربه وذكره ودعائه. فالمعتكف قد حبس نفسه على طاعة الله وذكره، وقطع عن نفسه كل شاغل يشغله عنه، وعكف بقلبه وقالبه على ربه وما يقربه منه، فما بقي له هم سوى الله وما يرضيه عنه.