وانا في طريقي الى معرض (شموخ الخيل) للفنان الدكتور ابراهيم الحمر لم اكن اتخيل انني سأقضي وقتا ممتعا مع كل هذه الخيول بايماءاتها وشموخها وتهاديها وصهيلها وحركاتها الرشيقة والوانها ومناخاتها وايقاعاتها النابضة. ظننت انني سأشاهد مجموعة من اللوحات تحتبس بداخلها مجموعة من الخيول مستكينة.. هادئة، بالغ الفنان في منحها سمة الهدوء واسبغ عليها من ريشته ما يؤكد على متحفيتها. وحاول جاهدا ان يحاكي (تشريحيا) بعض اعضائها. الدهشة كانت الانطباع الاول عندما وطأت قدماي ارض المعرض واحتلت بعدها المتعة الجمالية كل حواسي ولم يفلح الناقد الذي بداخلي في ان يخرجني من تلك الحالة فالابداع الذي امامي والاعمال التي تحيط بي دفعتبي للاقتراب والابتعاد..الحوار البصري بين العين واللوحة شكل ملحمة جمالية ابتدأت من لحظة الوصول ولم تنته بانتهاء الوقت الذي قضيته. فجر (الحمر) بداخلي العديد من الاسئلة حول قدراته التشريحية في معالجة مفردة صعبة كالحصان ورصد العديد من ملامحها ورشاقتها وانفعالاتها وعلاقاتها الحميمة ببعضها وبالانسان.. زخم من الانفعالات والالوان وايقاعات الفرشاة الرشيقة الشبيهة بحركة الخيل. طيف من الاضواء والظلال ومعالجة واثقة متمرسة معايشة لتلك التيمة (الحصان) معايشة حميمية عاشقة افرزت كل هذا الابداع. خيول ابراهيم الحمر ليست مجرد لوحات بل عالما جماليا حرا ينفلت من قيود الزمان والمكان ليسبح في فضاء لا تحده ابعاد اللوحة ومساحاتها المحدودة.. عالم يحيط بك بحميمية تكاد تسمع من خلالها همس الحصان او صهيله لتتعانق حاستا البصر والسمع تشاركهما حاسة اللمس عن بعد باحساسها بالسطوح والملامس. مفردة صعبة ذكرتني بمقولة للفنان المصري جورج البهجوري تؤكد قدره وتمكن الفنان الذي يستطيع ان يرسم الحصان.. هذه المفردة تعامل معها الحمر بعشق فنان وتميز مبدع وانفعال صادق وقدرات واثقة دفعت به الى تلك الجرأة.. في استخدام هذه المجموعة من الالوان التي استوقفتنا امامها فهو لم يحاك الطبيعة ولم يؤطر احساسه بما تلتقطه العين الرائية بل عمل بخياله ليبدع تلك الملحمة الجمالية وهذا العالم الزاخر بمفردة واحدة من رؤى ومواقف ومواضع متعددة. شموخ يطل من خيلاء من كوة في اللوحة يؤكد لك انه يبادلك الحوار بكل مفرداته النفسية والجمالية والحركية والانفعالية. اسئلة كثيرة تدور في المخيلة وانت تتنقل ببصرك من لوحة الى لوحة فيما يدهشك في اعمال الحمر وبمعنى ادق في كائنات الحمر (الخيل) هل هو الجانب الجمالي الذي يبرزه الفضاء التشكيلي للاعمال ام الصياغة التشكيلية (التكوين، التوتر، البناء، الحركة الايقاع) ام اللون الذي حمل من جرأته الكثير وابعد الفنان عن الوقوع في دائرة المحاكاة الفجة ليجيىء اشارة ذات مغزى مقصود وعفوي في آن. ام انه ذلك الايقاع النابض بالحياة عبر رشاقة الحركة او استدارة الرأس او الحياة المتأججة في العيون وفتحتي الانف؟ في الحقيقة لم اجد اجابة واعتقد ان هذه هي الاجابة. فالاعمال الجيدة تدفعك الى طرح الاسئلة والى عوالم عديدة من التلقي. اننا هنا امام تجربة تشكيلية نعلم انها ليست الاولى في تناولها للخيل ولكنها تتجه الى النضج وتحمل خصوصية وابعادا فنية فكرية وتعبر من خلال اللون والضوء والخطوط اللينة والحادة وغيرها الكثير. تلك كانت وقفة سريعة وقاصرة نسجلها حول اعمال د.ابراهيم الحمر في معرضه (شموخ الخيل) والذي جاء انيقا في عرضه وفي مطبوعاته كما كان انيقا في ابداعه.