img src="http://www.al-madina.com/files/imagecache/node_photo/388152.jpeg" alt="ضياء عزيز.. "فنّان الضّوء"الخارج من رحِم الحجاز" title="ضياء عزيز.. "فنّان الضّوء"الخارج من رحِم الحجاز" width="169" height="300" / قراءة - فوزية الصاعدي اللوحة كائن من صنع الفنان ينبض بمدلولاته الفكرية والنفسية باستدعاء خياله مؤسسًا لأفكاره الجمالية وآفاقه الفلسفية فتبرز لنا لحظات انفعالية تخترق أحاسيسنا فنتتبع ذلك الوعي بدقة يملأها الفرح، وتدعونا علاقاته الجمالية لحوارية بصرية باختيارات لمشاهدات واقعية وانطباعات ممزوجة بخيال لوني مفتوح ذات أبعاد ضوئية يستحضر فيه متعة التذوق لكل من يتأمل بساطة الحياة وجمالها في المشاهد الحياتية التشكيلية المرسومة بإحساس الفنان الرائد ضياء عزيز الفنان الخارج من (رحِم الحجاز) حيث سُطوع الشمس وسُلطة الضّوء على المكان والوجدان فينصهر في أعماقه وتختزنه عاطفته فيكون جسر التواصل الذي يمتد معه أينما ذهب، يلامس الأشياء ويرسم إيقاعات تنبثق منها جمالية التباين بين (الضوء والظل) كخاصية زمنية لا جدل فيها. وعند الوقوف على العطاءات الفنية لفنان كضياء عزيز صاحب التنوع اللامحدود والطاقة الإبداعية الباحثة في كل مكان فإننا لا نستطيع أن نوجز أعماله في قراءة واحدة فنحاول هنا جمع بعض الرؤى البصرية في خطابه البصري. يشكل ضياء ما في جعبته البصرية فأعماله كمتحف نرجع إليه في حفظ التراث الشعبي الخاص بمنطقة الحجاز كما تجاوز فنه حدود اللوحة إلى المنحوتات بالإضافة لاهتمامه بالميادين فأنجز العديد من المجسمات الجمالية بخامات متعددة وأبعاد مختلفة داخل المملكة وخارجها وتعتبر بوابة مكة (1979م) التي وضعت كمدخل لمدينة مكةالمكرمة رمز من الرموز المهمة التي صممها الفنان. علاقة الإنسان بالمكان كبيئة إبداعية: يبحث في أعماله عن زمن مفقود وذكريات لها قيمتها الفكرية والتاريخية ولها مكانها العميق والثمين في ذاكرته كونه يرى أن: (أن الأعمال الفنية التي تفتقر للذاكرة تموت). وبالرغم من تعدد مفرداته إلاّ أنها لا تخلو من: - بعد مكاني - بعد زماني (الظل والنور) - إنساني في الجسد والوجه (البروتريه) كعناصر مكمِّلة لبعض فيقدِّر ضياء المكان ويتفاعل مع معطياته ودلالاته التاريخية وذكرياته من خلال طرحه الواقعي للحياة اليومية في الحارة القديمة وما فيها من مفاهيم جمالية (كبيئة إبداعية) تغيرت بمرور الزمن، وأصبح التغيُّر منعكسًا على الإنسان والمكان. فتتيح أعماله للذاكرة السياحة في ذلك الزمن الجميل وتمنحنا واقعيته الوضوح في التأويل والسفر بإدراكنا للتواصل مع منجزه التشكيلي فنشعر بمعايشة بصرية حياتية ونحن نتأمل (في بعض الأعمال) دخول الضوء وتخلله لفتحات الرواشين الأفقية فينعكس على الأرضيات والحوائط فتضيء المكان وتعطيه أبعادًا روحانية بالإضافة إلى كونه عنصر جذب في أعماله التي تحمل طابعًا خاصًا ويصفها هو ب(بالواقعية الحديثة) بل هي مدرسة جديدة خاصة به (مدرسة ضياء عزيز) له فيها بصمة ورؤية مميزة وكمنهج إبداعي مرتبط بمفاهيم فلسفية يستجيب فيه لصوت إحساسه فنتعرف مباشرةً على أعماله ونتعايش مع لونه وضيائه الذي يملأ نفوسنا بطاقة مشعة فكأننا نستمع لذلك الصوت الداخلي في نفس الفنان فيجعلنا نقترب أكثر وأكثر يلفتنا حضوره القوي ويلامس ذائقتنا البصرية. يقول ضياء بأن أعماله: (تمثل تراث البلد من خلال الإنسان الذي يحيا مختلف الظروف السّارة والحزينة والصعبة والأليمة فيه). فاهتم بتصوير شخصيات عديدة تنتمي لأسرته والأسرة المَلكية مركزًا على مسرح الوجه الإنساني وماله من معاني عميقة للتعبير عن الحالة العاطفية وما يكتنزه من أبعاد فنية ونفسية هذا بالإضافة إلى جاذبيته الجمالية.. ويهتم بتصوير المشاهد الحياتية التي تظهر فيها الحركة المتداخلة في المواضيع الدينية والألعاب الشعبية والأسواق وأماكن التجمعات التي يرتادها الناس والحِرَف القديمة التي تصور كفاح الانسان من أجل الحصول على لقمة العيش والحياة فيرصد مشاهدات من ذاكرته للواقع الإنساني وعلاقته بالمكان وحالته الوجدانية والحركية متنقلا من السكون لإيقاعات حركية فالمتأمل لأعماله: (تقشير السمك، عصّارة السِّمسم، اللَّبان، الفرَّقنا، البازان) يراها كمشاهد تشعرنا بالحياة على الطرقات القديمة، ولم يهمل ضياء المرأة فلم يعبر عنها كقيمة تشكيلية بحته بل كجمال داخلي وحالة انسانية تحمل بداخلها الحنان والتضحية والعطاء بلا حدود، صورها تقوم بأدوارها الحياتية اليومية في المنزل بل يجعلنا نتواصل مع روحها الشفافة وهي تقوم بأعمالها المنزلية البسيطة بدون ملل فكانت أسرتها وطن بالنسبة لها، بالإضافة إلى تعاطيها مع عناصر من الجمال والبهجة في زيها الذي ترتديه بألوانه الزاهية ليصل بنا إلى قمة التذوق الجمالي فظهرت في لوحات عديدة منها: (يوم الغسيل، نشر الغسيل، كي الغُتر) فاللوحة (كذاكرة) نعيش فيها اللحظة ونحلق في فضاءاتها بدون ملل. والمتأمل لشخصياته الإنسانية يجد أنها مراحل مختلفة بداية بالمراحل الأولى للأطفال حتى مراحل متقدمة فاهتم حتى بلحظات الطفولة وتعبيرهم الصادق الذي يحفّه الفرح واجتماعهم حول (الألعاب الشعبية) في أعماله: (نجوم الليل، العَجلة، لعبة الكمكم، السقيطة، البربر، الغميظة، المساقطة، المدوان) وكان لكل لعبة طريقة وقواعد محددة من حركات وأقوال معينة، فيدوّن في وثائقه البصرية كيف كانت تقضى أوقات الفراغ بصورة مبسطة واضحة فينقلنا لعالم مليء بالأُنس فننصت لكل لوحة نستمع لمحاوراتهم وأهازيجهم وضحكاتهم كنغمات خالدة في أعماله فتفوح منها ذكريات الطفولة وتفاصيلها الجميلة، وكانت هذه الألعاب أيضًا تساهم في تربية الجيل الماضي من خلال ألعاب بسيطة بإمكانيات محدودة فكانت تعلمهم الصبر وتحمل المسؤولية والانتظام والثقة بالنفس وحسن التعامل مع الآخرين وبث روح المنافسة معهم، كما تعلمهم العديد من المهارات العقلية والحركية هذا بالإضافة إلى تقوية الروابط الاجتماعية بين أطفال الجيران. تولت ذاكرته التقاطها ليجسدها على لوحاته بألوانه الزيتية فنكتشف معه مكامن الجمال فيها، لا يحاول ضياء منح تفاصيلها الدقيقة أحيانًا صفة الوضوح بقدر ما يحاول أن يعطيها حقها من اللون ومعانقة الضوء (كمحورين أساسيين في أعماله) فتكتسي ضبابية لونية مريحة للعين تخفف من حيوية اللون، ودرجة وضوحه فتذوب حدود الصورة وتمنحنا حرية تتجاوز أفق المفردات إلى المساحات الملونة المجاورة. ومن الرؤى التي نقف عليها في أعمال ضياء تلك اللقطات من صور الرفق بالحيوان كمظهر من السلوكيات الدينية تتجلى فيه الرحمة والإحسان، ومن أعماله: (الطفل والقطط ، الولد والبسة، البزبوز) عبر عن القطط والخيول والحمام، وظهر الحيوان في لوحات عالمية للفنان جون بانوفيتش كدارس لعلم الحيوان ومتخصص في رسمها كما ظهرت القطط في لوحات كل من رينوار ومانيه. فنان الضوء: يحب الغوص في الضوء والاحتفاء به والذي تقودنا أشعته لتحولات اللون وتأثيره على الحواس فتأخذنا مناخاته الضوئية إلى تأملات حسية مبهجة وكنزعة شعرية خيالية يضفيها على لوحاته، فيهتم ضياء بالتدرجات الضوئية وإيقاعاتها على اللون فنشعر بحالات عاطفية ونحن نتأمل اللمسات العفوية والانسيابية فتجذبنا لغنائية لونية مشرقة تحلق بنا إلى معاني روحية تتجاوز معناه المادي يشير رينيه وينج: (أن المعنى الروحي للضوء يتجاوز الرؤية المادية للعين إلى رؤية أعمق داخل أحاسيس الإنسان يبرز الحقيقة الروحية له). ما يجعلنا ننعته ب(فنان الضوء) ونصنفه مع كل من مانيه ومونيه ورينوار ورامبرانت كفنانين عالميين عشقوا الضوء بل كانوا يعتبرونه شخصية حية في أعمالهم حيث سئل مانيه عن أهم شخصية في أحد لوحاته فقال: (إنه الضوء). فنشعر بوجود الضوء كناحيتين في أعماله: - حقيقة مرئية يتكوّن بها إدراكنا البصري لمفرداته فتتوزع عليها بنسب معينة كإحساس بالأبعاد وزيادة في الوضوح. - قيمة جمالية متخيّلة، تظهر كإحساس درامي وأبعاد نفسية. يسقطه بحسية واعية على المكان فيتراءى لنا غزل لوني بين (الضوء والظل) فتظهر انطباعات لجمال حقيقي وجمال متخيل، فالضوء يمكنّنا من التعرف على الأشياء والتأكيد على التفاصيل وما يعكسه من ظلال في بنية العمل الفني تولد إيقاعًا معاكسًا وتفجر معاني مفتوحة كما توحي ببعد درامي لمشاهد حياتية. وفي لوحات ضياء يتدفق الضوء محمّلاً برسائل إيقاعية تتجاوز قيمته المادية وارتباطه بالكون وقيوده الزمنية إلى زمن روحي (زمن الذات) كطاقة تعبيرية داخلية فتتكامل معها معاني جديدة وتأويلات لامرئية لا حصر لها فالضوء هو الحياة بعكس الظلام فيحمل الضوء صفة الوضوح والتفاؤل ونور الإيمان والطمأنينة وشفافية العلاقات بين الناس والفرح بالحياة بالرغم من بساطتها. ويصف ماهر راضي الضوء بأن له أربعة تأثيرات تميزه: «يمكن تحديد الزمان للمكان الذي يسقط عليه. والظلال الناتجة عن الضوء هي التي تضيف البعد الثالث للمكان الذي تسقط عليه. كما أن مساحات الضوء الساقط هي مساحات ضيقة. وشدة التباين الناتجة عنه تصلح لمشاهد الصراع الحادة في الأفلام الروائية». منهجية الضوء: لا تأتي الأجواء الضوئية التي يصنعها ضياء عبثا بل لها منهجيات متعددة فيكون تأثير الضوء أحيانًا طبيعيًّا (محاكاة الواقع)، وأحيانًا أخرى يستخدم زاوية سقوط معينة، أو إضاءة مباشرة على وجوه شخصياته، أو إضاءة جانبية، مع إضفاء مسحة صفراء مشبعة بضوء الشمس يحضر فيها انطباعًا بصريًا بالبعد الزمني وتعكس مفرداته أحيانًا ظلال ملونة على مساحة خلفيته كسمة تعبيرية يتخيلها كمشاعر وأحاسيس محيطة بالأشخاص يقول فنان الانطباعية ريونوار: الظل دائمًا له لون وليس هناك ظل أسود ففي الطبيعة لا يوجد غير الألوان، والأبيض والأسود ليسا لونين. فيتجاوز ضياء الرؤية التقليدية للوحة الواقعية إلى رؤية ينتقل فيها بين أزمنة مختلفة مبنية على: - زمن بصري واقعي (حقيقي) يقتنص فيه لحظات معينة. - وزمن بصري إبداعي (عند تنفيذ العمل) تتداخل فيه أزمنة مختلفة (الزمن الماضي والحاضر والفيزيائي والتخيلي) وتدخل فيه المشاعر الإنسانية والرؤية الخيالية. انطباع متجدد: ومع تعددية الخامات إلا أن ضياء يبعث المكان بكل مافيه بشكل جديد «فالمكان ليس مجرد عالم مادي يحيط بنا كما ذكر مصطفى عطية: بل إنه يؤطرنا، ويستوعب ذواتنا وأفكارنا، ويحتضن علامات ثقافتنا، وتظل معالمه مغروسة في لاوعينا، وعندما تذكر أمامنا، أو تطفو على سطح ذاكرتنا، تأتي ومعها كل إيحاءاتها، ونتوءاتها، وأيضًا قيمها». مع حرص الفنان الدائم على التأكيد على اللون والضوء كلغة بصرية مميزة لمشهده البصري وكمفاتيح تتيح للمتلقي الدخول في أجوائه النابضة بالجمال فلم يغيب لون من الألوان عن لوحاته فاجتمعت كل الأحاسيس في حيوية لونه وطاقته ودرجاته بانسجام جميل، بالإضافة إلى حركة الفرشاة والسكين وتأثيراتها ومعالمها ككتل لونية أو ملامس لبناءات معمارية وانطباعات بصرية متجددة تحفظ التراث المتمسك بملامحه وتفتح المجال للخيال والتأويل أمام منتجه البصري الإبداعي. المزيد من الصور : img src="http://www.al-madina.com/files/imagecache/node_more_images/388139.jpeg" alt="ضياء عزيز.. "فنّان الضّوء"الخارج من رحِم الحجاز" title="ضياء عزيز.. "فنّان الضّوء"الخارج من رحِم الحجاز" width="100" height="75" / img src="http://www.al-madina.com/files/imagecache/node_more_images/388137.jpeg" alt="ضياء عزيز.. "فنّان الضّوء"الخارج من رحِم الحجاز" title="ضياء عزيز.. "فنّان الضّوء"الخارج من رحِم الحجاز" width="100" height="75" /