عزيزي رئيس التحرير.. تحية عطرة وبعد.. لا اظن ان هذا الأمر قد غاب عن ذهن كل فرد, هذا المرض العضال الذي انتشر وتفشى في الشوارع والطرقات, وعند اشارات المرور وفي الاسواق والمساجد والمحلات, فمن النادر القليل في هذه الأيام ان لا نشاهد عند تلك الاشارات عددا من الأفراد (المتسولين) قد انتشروا حول السيارات يطلبون منهم الأموال والصدقات, انه مرض التسول الذي انتشر كانتشار النار في الهشيم في مجتمعنا, واستعملت فيه كل انواع الحيل والخدع, فهناك متسولون صغار يعملون لحساب متسول اكبر منهم ويستولي على كل ما حصلوه من اموال, وهناك نساء قد أرهقن اولادهن وصغارهن بحملهن اياهم عند الشوارع وكسب عاطفة الناس بالنظر الى حال الصغار المبكي والمحزن. وللأسف الشديد تجد ان كثيرا من هؤلاء لا يحتاجون الى فعل مثل هذه التصرفات فقد كفوا واستغنوا بوجود الجمعيات الخيرية والمؤسسات الاغاثية الداعمة للفقراء والمساكين. لقد رضوا على انفسهم الذل والامتهان, وقبلوا نظرات الناس المحتقرة لهم والمحنطة. والعجيب انك تجد من بين اولئك المتسولين رجالا لديهم من الصحة والنشاط ما يهزوا به الجبال, ويقيموا بذلك النشاط كثيرا من الاعمال, ورغم ذلك تجده قد ترك ذلك كله ورضي بلبس الثياب الممزقة والمرقعة والمقطعة, التي قضى عليها الزمن وقد لطخت بشتى انواع الأوساخ والقاذورات, وتسمر واقفا امام المساجد ومحلات الأسواق, وتجدهم يقومون بمحاولات عدة لاستعطاف قلوب الناس فيثيرون بذلك العاطفة والأشجان, وبذلك يجنون كثيرا من الأموال. ويبدو ان مكافحة التسول لا تزال تعاني الأمرين من تلك الفئة المتزايدة بكثرة رهيبة منقطعة النظير, فما ان تقبض على الكثير منهم حتى يظهر مكانهم آلاف يقفون في محلاتهم وينيبون عنهم في تسولهم. ويسري ذلك كله بترتيب دقيق وتنظيم مريب, وفي الحقيقة قد عجز تفكيري حتى هذه اللحظة على ان يستوعب ان يكون ذلك الترتيب كله وليد صدفة. بل انني أجزم بأن وراء ذلك كله عقولا جبارة قد لطخت ابداعها في الأوحال والمستنقعات القذرة, واستغلوها في خدمة اغراضهم ونشر مصائبهم, والا فكيف ترضى ام حنون لبناتها واولادها ان يجلسوا امام المساجد, وان يتسولوا في الشوارع وعند اشارات المرور, الا ان تكون تلك المرأة ليست أما لهم وقد اخذتهم للتضليل على اصحاب الخير والاحسان, ولا ازال اذكر تلك القصة التي حكاها لنا امام المسجد عن رجل وقف في احد المساجد وادعى انه اصابته مصيبة عظيمة فتكفل ابناء الحي بتسديد ديونه وجمعوا له المال كاملا تاما. ولكن بعد يومين شاهد احدهم هذا المتسول وقد وقف في مسجد آخر وحكى نفس القصة, وذلك على الرغم من انهم قد سددوا له دينه. وانها حيلة قد انطلت عليهم من قبل ذلك المتسول المخادع الجشع. وانا هنا اقصد بكلامي فئة المتسولين الذين رضوا على انفسهم بالذلة والهوان والاحتقار والإمتهان, والا فان هناك فقراء قد منعهم كبرياؤهم وعزة انفسهم ورفعة شموخهم من الانحطاط لهذا المستوى البغيض, فجاهدوا في دنيا العمل لكسب لقمة العيش. وأوجه لأولئك المتسولين ان يتركوا تلك الأعمال الحقيرة فقد فتحت تلك الجمعيات ابوابها على مصاريعها للجميع. فلما التوجه الى العيب والنقصان, والضنك والحرمان. ودعوة اوجهها الى المحسنين والمنفقين واصحاب الخير ان يعطوا اموالهم وصدقاتهم لمستحقيها والمحتاجين اليها. فأبواب الجمعيات وحساباتها قد فتحت من أجل هذه الغاية السامية, وان كنت حريصا على ايصالها بنفسك فهناك حارات ومساكن لا يمكن الدخول فيها بسبب ضيقها وسوء تنظيمها وكثرة سكانها ولمدى الفقر الذي وصلوا اليه. فمن اراد ان يثبت من قولي وكلامي فليسأل احد الرجال العاملين في الجمعيات والمؤسسات الخيرية, وقد تكفلوا عنكم بايصالها للمستحقين, فلتسألوهم عن اولئك الفقراء الذين تصلهم الاعانات ومدى حاجتهم وعوزهم, بدلا من ان تصل تلك الصدقات الى الطامعين والمتسولين المخادعين والمتلاعبين بعواطف الناس, والكاذبين في مظاهرهم واشكالهم, فلنحذر من تلك الفئة بعواطف الناس, والكاذبين في مظاهرهم واشكالهم. وعلينا ان نساهم في دحرهم والتقليل منهم. احمد بن خالد العبدالقادر