كانت يداه تبحثان عن بعض من معالم وجهه المندس تحت الوسادة وحدها اليمنى استطاعت ان تتلمس بعضا من الأنف وبعضا من الشفتين وبعضا مما يكره من عينيه الغائرتين في الوجه المتعب منذ زمن لا يتذكره جيدا.. افزعته اليسرى عندما تذكرها وهي تنهض به من تحت صدره الواهن اخذته في استدارة خاطفة الى جانبه الآخر احس لأول مرة بمعالم لم يزرها منذ البارحة ولكنه تلمس الراحة, فقد كان المكان يحمل بعضا من الهواء النقي وبعضا من النظافة. تفتحت عيناه على لا شيء يدعوه الى النظر بحدة مفرحة لذا فقد اطبقهما وهو يشعر بنشوة الانتصار والرضا التام احيانا كثيرة يمنحه الظلام (قلمه الحالم) الذي يجد في داخله جميع الألوان التي مازال يتذكرها جيدا لذا سرعان ما يشرع في رسم ما يريد ويمحو من ذاكرته ما لا يريد ولكن تظل صورتها البهية كما هي عندما كانت (طفلة ندية) تتسربل بملابسها المصبوغة بجميع ألوان الفرح والمرح. كم كنت بريئا أيها القلب وكم كانت رائعة وهي تتعقب خطاك المتعثرة في دروب الحياة مازال يتفنن في تلوينها وهي تهديه ابتسامتها الرائعة كلما اقتربت منه تشكو اليه إساءة صديق يتعمد دائما ان يجعلها تشكو. ففي شكواها تحمل اليه البهجة والسرور من حيث لا تدري ولكنه يدري بما تشكله له من أهمية بالغة رغم طفولتهما المتجردة من المفارقات.. الحب يكبر دائما ولكنه لا يهدم أبدا!! هكذا أوغل في تشكيلها وفي تدليلها وفي تنهصيبها على مشاعره المتوقدة يمطرها حلما تلو الحلم الى أن تملكته الرغبة المجنونة ان يظل هكذا دون حراك رغم انه يعلم انها خرجت من شرنقة طفولتها مبكرا شأنها شأن الفتيات الأخريات.. إلا انها ظلت حبيسة طفولتها في ذاكرته الشاخصة دوما عكس عقارب الزمن ورغم انها غابت عن ناظريه في معترك الحياة غيابا كليا إلا انه ظل ينتظرها بحواسه المتبلدة. الحب وحده مازال يكبله بقيود الوهم وقيود المستحيل.. يعلم انها لن تعود بطفولتها المعهودة ويعلم انه لن يعود طفلا كما كان ولكنه الأمل الوحيد الذي يفرحه؟؟ كلما احس بثقل الحياة على القلب المقفر ووحشة النفس التي يستشعرها دوما اراد الخروج من عالمه (الحالم).. القطة وحدها ارغمته على النكوص الى موضعه السابق فقد عادت الى مكانها الدائم بجانبه وللوهلة الأولى اكتشف ان استدارته كانت خاطئة وهذا ما جعله يبتسم لها ابتسامة لم تدم طويلا فقد عاد الى صمته المطبق. مهنا صالح الدوسري