لم افاجأ بسيل الردود الجارف الذي استهدف (مهاتير محمد) رئيس الوزراء الماليزي من كل حدب امريكي.. وصوب اوروبي على قوله في كلمة افتتاح مؤتمر القمة الاسلامي في دورته العاشرة التي عقدت في بوتراجايا بماليزيا: (ان الاوربيين قتلوا ستة ملايين يهودي من اصل ال 12 مليوناً لكن اليهود اليوم يقومون بادراة العالم بالوكالة - يشير الى الولاياتالمتحدة - ويريدون ان يتقاتل الناس ويموتون من اجلهم)!! فالامريكيون قالوا على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية عن عبارة مهاتير: (انها مهينة وجارحة ونتعامل معها بالازدراء والسخرية اللذين تستحقها)!! ومن خلال الناطق الرسمي للبيت الابيض الذي قال انها (ليست المرة الاولى التي يدلي بها مهاتير بتصريحات غير لائقة وتعليقات مليئة بالحقد)!! وانتقدها الاتحاد الاوروبي واصفاً اياها بانها: (مهينة ومعادية للسامية)!! وقالت عنها (نيويورك تايمز): (ان الأخطر من تصريحات مهاتير المناوئة للسامية هو تصفيق القادة المسلمين لها)!!. @ ولم يستثر دهشتي رد القائم بالاعمال الفرنسي في القدسالمحتلة على صحيفة (معاريف) على ما نشرته الصحيفة من ان الرئيس الفرنسي عرقل قراراً للاتحاد الاوروبي يدين تصريحات رئيس الوزراء الماليزي (المعادية للسامية) ووصفت (شيراك) بضيق الأفق والخداع والمعاداة للسامية فسارع القائم بالاعمال بدوره - قبل ان يتسع الشق على الراقع - الى القول: (انها اهانات مجانية تماماً وغير مقبولة خصوصاً وان موقف فرنسا الاساسي هو ادانة تصريحات مهاتير (البذيئة) دون لبس)!! ولم تتملكني المفاجأة ازاء العصبية التي تملكت الرئيس بوش الذي ابلغ مهاتير بأن (تصريحاته بشأن هيمنة اليهود على العالم.. خاطئة وتزرع الفتنة وتتعارض مع معتقدات سيد البيت الابيض)!! @ لم يستبد بي العجب للردود والنقد والشجب والاستنكار والرفض والاتهام بمعاداة السامية والزعم بأنها (تسيء لضحايا المحرقة) مادام ان الذين يقومون ب (ادارة العالم بالوكالة) قرروا ان عبارات مهاتير الشجاعة (واحدة من اسوأ التعابير المعادية للسامية التي يُدلي بها علناً منذ نهاية الحرب العالمية الثانية)!! وطالبوا من خلال سفارتهم في بانكوك الشعوب والدول (ذات التفكير السليم) سواء في العالم الاسلامي او خارجه ان تنتقد صراحة التذرع بنفس الافكار المعادية للسامية التي ادت إلى (اسوأ حالة قتل جماعي في التاريخ الانساني)!! @ ان الذي فاجأني ان تصدر هذه العبارات الجريئة - التي خلت منها ادبيات حكومات الدول الاسلامية ومؤتمرات القمم الاسلامية - من زعيم في وزن مهاتير محمد الذي يبدو انه اراد ان يبرئ ذمته وهو يوشك على التخلي عن مركزه ويختار عنوان ثاني كتبه (التحدي) ليلفت انظار العالم الى واقع جر الويلات والكوارث على الشعوب العربية والاسلامية ويثير ضجة واسعة كما كتابه عام 1986م الذي دافع فيه عن الاسلام ودحض الاراجيف والاباطيل والافتراءات التي الصقت بالاسلام بهتاناً وزورا واستطاع ان يجعل ماليزيا خلال مدة زمنية قصيرة نمراً اقتصادياً!! @ مهاتير نفى بشجاعة انه اعتذر عن تصريحه او انه خول احدأ للاعتذار نيابة عنه واكد تمسكه باقواله.. وفي اشارة واضحة الى اسرائيل قال: (ان الهجمات الارهابية ليست بالضرورة من جانب اناس يتصرفون من تلقاء انفسهم.. بالقطع نرى دولاً تقوم بعمليات انتقامية شاملة لا لمجرد الحد من ارهابيين مشتبه بهم ليمتد ذلك الى اسرته ومنزله بل قريته وبلدته ايضاً)!! واضاف: (من السخف ان نتصور ان هذه الهجمات لا تروع الابرياء بل في واقع الأمر الارهاب هنا يكون اكبر لأنه يحدث بشكل منتظم وينفذ بأسلحة ثقيلة يستخدمها جنود مدربون)!! وذكر في مقابلة مع محطة (تي في 7): على بلدان العالم ان تكون لديها الشجاعة لأن تقول للولايات المتحدة ان بعض سياستها وتصرفاتها خاطئة حتى لو لم تكن لدى تلك البلدان القدرة على مواجهة الولاياتالمتحدة بالقوة لأننا اذا سمحنا لهم بأن يفعلوا ما يحلو لهم فيعتقدوا انه لا يمكن قهرهم وان لا احد يستطيع وقفهم وسوف يواصلون بالتالي قيامهم بما هو خاطئ كلما حلا لهم ذلك)!! @ وقال لصحيفة (بانكوك بوست) التايلاندية ان اليهود (معادون للمسلمين والاسلام وعليه يجب كبح جماحهم)!! و(ان العديد من الصحف مملوكة ليهود وبالتالي فانك لا ترى سوى صورة واحدة للمسلمين اننا ارهابيون ولا نستخدم عقولنا ولانستطيع ادارة شؤون بلادنا وبالتالي عاجزون عن النهوض بها)!! وبعد ان انتقد عجز الزعماء المسلمين عن (التصدي سواء بالقول او العمل للهجمات الآتية من العالم غير الاسلامي بما فيه اليهود على الاسلام والأمة الاسلامية) قال: (كان المسلمون الاوائل مقهورين كحالنا اليوم لكن عزيمتهم الحديدية وتصميمهم الجبار على تبديل احوالهم مكنهم - بعون الله - من دحر اعدائهم ومن تقديم حضارة باهرة للعالم)!! @ في هذه الاجواء (المسمومة) جاءت جولة الرئيس بوش السريعة التي زار فيها طوكيو والفلبين وسنغافورة واندونيسيا واستراليا التي كشفت - على ذمة (نيويورك تايمز) - عن هوة ضخمة بين الكيفية التي ينظر بها الرئيس بوش لنفسه وكيف ينظر الآسيويون الى الولاياتالمتحدة في عهد بوش الذي اكتشف في جولته الآسيوية الهوة بين فكرته عن (امريكا الرحيمة) وكيف ينظر اليها العالم!! لقد اندهش الرئيس الامريكي وسأل مساعديه: (هل تعتقدون حقاً بأننا ننظر لكل المسلمين كارهابيين؟) @ وهو هنا يرد على المواجهة التي أثارها مهاتير.. وعلى الرياح الاسلامية الساخنة التي لفحته في اندونيسيا!! بل لقد ذهب الرئيس بوش الى ابعد من ذلك ل (تلطيف) الجو عندما هنأ المسلمين بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك وقال: (انه من خلال الصلوات والصوم والاعمال الخيرية يجدد المسلمون حول العالم التزامهم الامانة والكرامة.. ان الاسلام دين سلام وان المسلمين قدموا مساهمات عظيمة للعالم)!! وهذا الكلام يتناقض مع (مساهمات) الرئيس (العظيمة) في دعم العدوان الاسرائيلي على المسلمين.. وتكريس كل مظاهر واساليب العداء لهم في جميع انحاء العالم والوقوف ضد ابسط حقوقهم المشروعة!! @ سوف يذكر التاريخ ان مهاتير محمد اخترق بشجاعة ال (تابو) الغربي.. ووضع الغرب امام مسؤوليات انسانية واخلاقية وكان صادقاً في تشخيص التواطؤ الصهيوني - الغربي.. وداعياً للغرب لكي يستيقظ!! لم يأت بجديد بل أكد حقيقة تتجدد مع اشراقة كل شمس ولامن سميع او مجيب.. والخطاب من ناحية ليس معادياً للسامية بل تكريساً لواقع النفوذ والهيمنة اليهودية والصهيونية على اصحاب القرار ودوائره ومراكز ومعاهد الدراسات والبحوث الاستراتيجية.. والاحزاب السياسية في دول اوروبا والامريكيتين وبقاع اخرى من العالم دون اعتبار لمواثيق او شرائع دولية او حقوق الآخرين في هذا الزمن الأغبر!! @ ومن ناحية أخرى فان حديثه عن اليهود ونفوذهم ونجاح مشروعهم الصهيوني كان مثالاً لما تحققه وحدة الصف والكلمة والهدف والمصير وايضاحاً للفرق بين من يعتمد العقل.. والعلم.. والتخطيط.. والعزيمة.. ومن هم على النقيض من ذلك في العالم الاسلامي الذين دعاهم الى (قراءة تاريخ المسلمين الأوائل بعناية وقلوب مخلصة) الذين - في رأيي المتواضع - اذا لم يتحركوا على كل صعيد فان الامة الاسلامية ستظل (قصعة تتداعى عليها الامم) وظاهرة صوتية.. وسوف يأتي يوم يسوقنا الغرب والصهاينة سوقاً.. جراً بالسلاسل.. وقمعاً بالعصي.. وضرباً بالسياط!!