خطوة في الاتجاه الصحيح 2/2 تطرقت في المقال السابق الى تعريف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحكمه وفضله في الاسلام وادلته من القرآن الكريم والسنة المطهرة .. ووجوبه وصفة الوجوب كما يراها فريقان من العلماء مابين فرض عين .. وفرض كفاية .. واستعرضت باختصار مكانة الاحتساب في المراحل الثلاث للدولة السعودية وضوابطه الشرعية وذلك بمناسبة تنظيم الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واحداً من اهم برامجها التوعوية والتأهيلية لمنسوبيها المتمثل في دورة تدريبية في العلاقات الانسانية بفرع الرئاسة بالمنطقة الشرقية . @ هدفت من المقال الاول القاء الضوء على بعض النقاط الهامة المتعلقة بهذه الشعيرة الاسلامية التي تغيب او تُغيب عن اذهان البعض .. وتصحيح بعض المفاهيم الخاطئة التي يروجها البعض اما افتراءً وتعدياً على الحق .. او دون بصيرة وهدى وعلم ونور .. وتطرقت الى اهمية ما قامت وتقوم به الرئاسة من برامج توعوية لمنسوبيها .. وما تطبق من ضوابط وتقيم من جسور من اجل فهم وتفاهم بين منسوبي الهيئة من جهة والمواطنين والمقيمين من جهة اخرى وصولاً لأداء افضل لرسالة الهيئة دون تجاوزات تخرج الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن اهدافه وغاياته التي لا يختلف على أهميتها والحاجة المتزايدة لها اثنان. @ انني لاابرئ بعض منسوبي الهيئة الذين يأخذهم الحماس احياناً فيخالفون الضوابط الشرعية .. والتعليمات النظامية .. وفي الوقت نفسه لا اعفي من المسؤولية بعض الشباب .. مواطنين .. ومقيمين .. الذين يلجأون الى اساليب الاستفزاز والتحدي الصارخ .. والمواجهة الوقحة التي تخرج الحليم عن طوره !! كما لا اقر الممارسات الصحفية التي تعتمد الاثارة .. وتهوى الفرقعات الصحفية دون سند شرعي او موضوعي كما حدث اخيراً من صحيفة محلية اكتشفت في نهاية الأمر انها كانت ضحية محرر ومحررة من جهاز تحريرها و ( شاهد عيان ) لم يشهد بحق !! . * ان للمحتسب .. وهو الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر صفات اهمها الاخلاص .. والعلم .. وان يكون قدوة حسنة ومثلاً يحتذى لأن ( الواعظ من وعظ الناس بعمله لا بقوله ) واستشعار مشاعر الرحمة على فاعل المنكر والخشية عليه انطلاقاً من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) اخرجه البخاري وآخرون .. والتثبت وعدم الأخذ بالظنون .. والرفق والتعامل بالكلمة الطيبة والقول اللين والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي احسن .. والأخذ بالسهل .. وتقدير المصالح والمفاسد في ضوء ما يتفق مع القواعد الشرعية نحو ( ترجيح الراجح منهما فيما اذا ازدحمت المصالح والمفاسد .. وتعارضت المصالح والمفاسد ) كما يقول شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى 28/129 ، والتحلي بفضيلة الصبر لما يترتب عليها من عواقب حميدة .. ولكل هذه الصفات ما يؤطرها .. ويحث عليها ويرغب فيها من نصوص شرعية كتاباً وسنة . @ وهناك شروط لما يجب انكاره .. الأول ان يكون المنكر ممنوعا شرعاً سواء كان من الصغائر ام من الكبائر .. الثاني : ان يكون المنكر موجوداً في الحال .. الثالث : ان يكون المنكر ظاهراً للمنكِر بغير تجسس .. الرابع : ان يكون منكراً معلوماً بغير اجتهاد أي ( ان يكون معلوماً بالنص الذي لا يقبل التأويل ) .. والأصل ازالة المنكر وليس التخفيف منه في ضوء ادلة القرآن الكريم والسنة المطهرة واذا عجز المحتسب عن ازالة المنكر بالكلية فليس امامه الا العمل على التخفيف منه قدر الاستطاعة .. ويتم ذلك وفقاً للطرق المشروعة .. والانظمة الموضوعة المشتقة من الشريعة الاسلامية سواء قبل وقوع المنكر او في اثنائه. @ وهكذا يتضح ان لهذه الشعيرة الاسلامية ضوابط وروابط شرعية لا يسمح بتجاوزها لأي سبب من الاسباب .. واذا حدث تجاوز ما فان من اقدم عليه يتعرض للمساءلة عكس الصورة النمطية والانطباعات الجائرة عند نسبة محدودة من الناس التي تدعي زوراً وبهتاناً اطلاق يد المحتسب ليتصرف بشؤون خلق الله كما يشاء !! وانه يتمتع بحصانة تحول دون مساءلته ..!! وهم في الوقت الذي يدعون ذلك لاينكرون دور الهيئة في حماية الفضيلة والاخلاق والآداب العامة !! لكنهم لا يتوقفون في غيهم عند هذا الحد بل يروجون شائعات واكاذيب مغرضة .. شأنهم في ذلك مثل ناطح الصخرة في قول الشاعر : ==1== " كناطح صخرة يوماً ليوهنها ==0== ==0== فلم يضرها وأوهن قرنه الوعل "==2== @ الأمر الذي يرفضه .. ويمقته السواد الأعظم من الشعب السعودي المعروف بتدينه ومحافظته على الثوابت والقيم الاسلامية .. وتقديره للمهام التي يضطلع بها حراس الفضيلة .. ولاغرابة لأن ذلك من صفات اهل الايمان لقوله تعالى : ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ) . ( التوبة 71 ) . @ الغريب ان هناك من يعتقد ان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تدخلاً في الشؤون الخاصة وانتهاكاً ل ( الحرية الشخصية ) !! وهذا اعتقاد ساذج يتعارض مع صريح النصوص والمفهوم الصحيح للحرية الشخصية في الاسلام .. ان الرد الحاسم والقاطع على مثل هذا الادعاء قول الحق سبحانه وتعالى : ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من امرهم ومن يعصي الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً ) . ( الاحزاب 36 ) وقوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم. فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر. ذلك خير واحسن تأويلاً ) . ( النساء 59 ) .. (ان منطق الحرية في الاسلام مبني على ان حرية الانسان في الاسلام مطلقة حتى تصطدم بالحق او الخير فاذا اصطدمت باحدهما قُيدت وحددت بحدود هذا الحق وذاك الخير). @ ومن الشبهات التي يحلو للبعض ترديدها ان الله سبحانه وتعالى امرنا بأن نهتم بانفسنا وان لا نعبأ بمخالفات الآخرين لأنها لا تضرنا واستدلالهم في ذلك قول الله تعالى : ( يا ايها الذين امنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ) . ( المائدة 105 ) .. وقد بين عدد من الصحابة والتابعين والمفسرين ان هذه الآية الكريمة لا تسقط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بل تدل على وجوب القيام به .. يقول شيخ الاسلام ابن تيمية : ( والاهتداء انما يتم باداء الواجب فاذا قام المسلم بما يجب عليه من الامر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قام بغيره من الواجبات لم يضره ضلال الضلال ) ( الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ص 17 ) .. ويقول عبد الله بن المبارك عن هذه الآية الكريمة : ( انها آكد آية في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأن معنى ( عليكم انفسكم ) احفظوها والزموا صلاحها بأن يعظ بعضكم بعضاً ويرغّبه في الخيرات وينزهه عن القبائح والسيئات ) ( تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان 7/45 ) . @ اعود الى الدورة التدريبية في العلاقات الانسانية التي نظمها فرع رئاسة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المنطقة الشرقية لأشير الى ان الرئاسة تولي التدريب الشرعي اهتماما خاصاً باعتباره الوسيلة المثلى لاثراء مخزون منسوبيها الشرعي والمعرفي .. وصقل كفاءاتهم وتنمية مهاراتهم عبر برامج خاصة على مدار العام من خلال فروعها في جميع المناطق تنظمها ادارة التوعية والتوجيه الا انني ارى ان الحاجة تدعو الى توعية المواطنين والمقيمين بمهام الرئاسة ورسالتها الخيرة عبر التواصل المباشر مع شرائح المجتمع بمختلف وسائل الاتصال المسموعة والمرئية والمقروءة لأن الصورة الذهنية للمحتسب لاتزال عند البعض ضبابية ان لم اقل سلبية !! ناهيك عن الاشاعات المغرضة التي لا يرجو مروجوها وجه الله والدار الآخرة والتي تستدعي التصدي لها بحزم وحسم تلافياً لاضرارها على اكثر من صعيد وهنا تبرز أهمية تعاون اجهزة الاعلام وفي مقدمتها الصحافة لتحقيق الهدف المنشود في اتساق .. واتفاق مع الرسالة الاعلامية والتوعية للرئاسة ، والله من وراء القصد.