@ كيف يرى الغرب أدبنا اليوم ؟ إنه لأمر محزن أن نظرة الغرب للأدب العربى بعامة، والمصري بخاصة لم تتغير حتى بعد الاعتراف الدولي بالرواية المصرية، والمتمثل فى جائزة نوبل للآداب، والتى منحت لأديبنا الكبير نجيب محفوظ. هذه النظرة توجزها دوائر المعارف الغربية خصوصاً موسوعة ماكميلان الشهيرة (ط1988 ص 66) والتى تلخص رؤيتها فى التالي: أولاً: أن الأدب العربي هو ذلك الأدب المكتوب باللغة العربية، والذى يخاطب الناطقين بها، وأغلبهم فى الشمال الأفريقي والشرق الأوسط. ثانياً: أن الأدب العربي يتمثل فى مجموعة الدراسات والبحوث فى علوم الدين والفلسفة والنحو والتاريخ والترجمة (من اليونان خصيصاً). ثالثاً: أن الأدب العربي ينقسم تاريخه إلى فترتين رئيسيتين: (أ) الفترة القديمة(الكلاسيكية) وتمتد من القرن السادس الميلادي حتى القرن السادس عشر. (ب) الفترة الحديثة (فترة النهضة الأدبية): وتبدأ من نهاية القرن التاسع عشر وتدين بالفضل الأكبر للغرب. الفترة القديمة: هى فترة الإفراز الشعري عموماً وبخاصة من القرن السادس الميلادي حتى القرن الثانى عشر. فهذه الفترة شهدت ميلاد القصيدة فى القرن السادس الميلادي وكانت تتكون من 60 : 100 بيت ينظمها الشاعر العربي فى مدح نفسه وقبيلته ومولاه وتتمثل أهمية تلك القصيدة اليوم فى الوصف الدرامى لحياة البدو فى الصحراء ولعل أهم مجموعة من تلك القصائد عرفت بالمعلقات (القرن الثامن) وفى عصر الدولة الأموية ظهر فن الغزل ثم كان العصر الذهبى للأدب العربي فى عصر الدولة العباسية ثم استمرت القصيدة على حالها على يدى المتبني. ثم جاء المتصوفة فى القرنين الحادي عشر والثاني عشر الميلاديين وأثروا فى حركة الشعر أما القرون الثلاثة من الثالث عشر إلى السادس عشر الميلادي فقد شهدت ميلاد وتطور فن النثر حيث ازدهر فى العصر العباسي وكان ممثله الجاحظ إلى جانب ابن قتيبة هذا وقد تقهقرت لغة النثر الحديث فى العصر المملوكي. الفترة الحديثة: بدأت من أواخر القرن التاسع عشر بظهور الحركات الوطنية وتولد النهضة الحديثة بإحياء التراث العربى وذلك فى مصر وسوريا على وجه الخصوص. هنا دخل فنا الرواية والمسرحية للمرة الأولى. ما الأسباب التى أدت إلى تلك النظرة القاهرة؟ يطالعنا دليل أدب العالم الحديث (ط 1986 ص 180) بالأسباب التالية: (1) أن الأدب العربي يمعن فى فنى المديح والهجاء وهذا ما لا تفهمه العقلية الغربية (مع أن كثيراً من أشعار العصر الذهبي فى الأدب الإنجليزى أمعنت فى مدح الملكة إليزابيث وأشعار فترة استرداد العرش فى القرن السابع عشر طورت مفهوم الهجاء فى الشعر). (2) أن الأدب العربى محافظ وتقليدي إلى حد الجمود وهذا ما جعله لا يتطور أو يواكب الإبداع الغربى (مع أن الأدب الغربى فى إنجلترا وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا وألمانيا ظل كذلك طوال العصور الوسطى قرابة أربعة قرون قبل أن يأخذ بمتطلبات عصر النهضة. (3) أن الأدب العربى يعانى صراعاً بين القديم والحديث وهذا ما يتمخض فى الرسائل الأدبية المتبادلة بين الكتاب (مع أن هذه قضية تجاوزناها منذ عقود طويلة ربما منذ اكثر من نصف قرن ولم نعد نسمع بمثل هذه الرسائل أو المعارك الأدبية). إلى جانب هذه الأسباب غير الصحيحة يعطي ذلك "الدليل" القارئ الغربى فكرة خاطئة عن الأدب العربي عندما يحاول أن يقنعه بأن الرواية المصرية التى بدأت بجورجي زيدان ومرت عبر محمد حسين هيكل توقفت تماماً فى الخمسينيات عند نجيب محفوظ، وأن القصة بدأت بتيمور وتوقفت عند إحسان عبد القدوس فى الستينيات، وأن المسرحية التى بدأت بشوقى توقفت عند توفيق الحكيم، ولا يذكر من الشعراء سوى حافظ إبراهيم!؟ الأدهى من ذلك أن "الدليل" صدر فى الوقت الذى كانت تتطلع فيه أنظار الغرب إلى ترشيح محفوظ لجائزة نوبل للآداب، ومع ذلك فهو يقع فى 1400 صفحة تقريباً يعطي الأدب العربي بتاريخه ضارب الجذور 3 صفحات ولا يعطب الادب المصرى سوى سطور قليلة!! @ هل يعنى ذلك أن الأدب الغربى يؤثر فى أدب العرب؟! على العكس فقد أثر أدبنا العربي فى أدب الغرب لاسيما فى فنون النثر المختلفة، فمن أوائل الكتب التى كان لها أثرها: 1 كليلة ودمنة: أول ما دون فى العربية من قصص منتشرة وقد ترجم إلى اللاتينية والإسبانية والبرتغالية والإيطالية. 2 أخبار العشاق: فى العصور العباسية وفى الجاهلية والإسلام وبخاصة قصص عروة وعفراء وجميل وبثينة وعمر بن أبى ربيعة. 3 سيرة عنترة: كانت أشهرها، وهذه عن البطولات ومكارم الأخلاق. 4 ألف ليلة وليلة: قصص فارسية وهندية وترجمت إلى الأسبانية فى القرن الثالث عشر، والفرنسية فى القرن الثامن عشر والإنجليزية القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، واثرت على بوكاشيو الإيطالى وتشوسر الإنجليزى، وفولتير الفرنسى وتنيسون الإنجليزى (منذ العصور الوسطى وحتى القرن التاسع عشر). 5 المقامات بأغراضها المختلفة التعليمية والاجتماعية والدينية والفكاهية. 6 رسالة الغفران: لأبي العلاء المعري، وأثرت على دانتى فى الكوميديا الإلهية. 7 حى بن يقظان: لابن طفيل وأثر هذا العمل على ديفو فى (روبنسون كروزو)، كما كان له أثره فى تطور القصة الفلسفية الدينية الإنسانية فى أوروبا. @ ماذا عن تأثر أدبنا بالأدب الغربى؟ التأثير كبير جداً ومترامى الأبعاد يعود إلى نهايات القرن التاسع عشر لدى مقدم عصر النهضة وكفى أن نقول أن جنسين ادبيين دخلا للمرة الأولى إلى ساحة الإبداع. المسرحية كما نعرفها والرواية كما نعهدها، هذا إذا ما استثنينا القصة القصيرة ونحينا جانباً الحركة النقدية بكل معطياتها. @ ما السبيل إذن إلى وصول أدبنا إلى العالمية؟ عن طريق ثلاثة محاور يجب أن تؤخذ فى الاعتبار فى وقت واحد مجتمعة وغير منفصلة: 1- حركة ترجمة واسعة ليس من قبل أفراد بعينهم أو مؤسسات أو هيئات أكاديمية أو ثقافية بشكل عام، وإنما تتضافر جهود تلك الجهات، وليس من قبل مصر فقط ولكن من قبل جميع الدول العربية. 2- حركة كتابة نقدية تواكب حركة الترجمة وتكون وظيفتها الأساسية التعريف بالأدب العربي وفنونه وأغراض تلك الفنون وأشكالها الفنية تتضافر فيها الجهود أيضاً. 3- حركة دراسة مقارنة تواكب الحركتين السابقتين بين الأدب العربي والآداب العالمية.