يقوم الشعر على حدس لهالة من صور الوجود الخالص, وكشف الكينونات المثالية والمجردة. وفي وسط اشبه بالبلازما الروحية تنمو انفعالات الشاعر وعواطفه. جنونه بالغياب وولعه بصورة الحياة. انه تأمل ذو حساسية لجمال الطبيعة وشغف ازاء التداعيات المثالية نجده عند الشاعر اللبناني عبده وازن في كتابه الشعري (ابواب النوم). يستمد انفعاله (وازن) من وعي مباشر للعالم - لجوائه لازاهيره لنسائه ولاشيائه الناعمة ويطرد اوهامه بالاصغاء والحلم ويقلق عتمته وسباته الداخلي بالذكريات. انه احتمال عبور احاسيس متراكمة من زخم الحياة لرجل يتماهى مع جروحه وينفي نفسه من مخيلته. قصائد: سبات (ص8) غياب (ص 10) السماء قليلة (ص 11). (لا يجلس على كرسيه الا ليصغي، لا يقف امام النافذة الا ليودع سحابة او هامه، في المرآة لا ينظر الا ليرى وجهه السابق) ص7. وينفرد وازن بنزعة شعرية تدفعه الى التعبير عن ذاته وعزلته في اسلوب آخاذ يستميل القارىء من حيث الفكرة (يالذاك الدم الذي يراق قبل نضجه) ص31. والصورة التي تكهرب الخيال (حين اغمضت عينيها/ لم تحس الضوء الذي تجمد فيهما الملح) ص31. في كتابه يفتح ابوابا من المساءلة والحصر وكأن حياته مقصورة على نزعات جانبية تتدلى ثرية جدا وعندها الكثير لتبهر قصائد: صدفة (ص9). صحراء (ص12) هكذا (ص113) الوردة (ص118) واحيانا يغامر بجسارة في عالم من الحس والصوت فنجده يماهي بين حساسية تشكيلية بصرية وسمعية لفظية (ضجة الضوء) ص24. (جلبة ضوء ينكسر) ص56. (ليكن العصفور ضحكة سمائك) ص10، كآنه يدرك بقدرات مضطربة ويتأمل بعقل صاف. اذا ضاع الصوت ترسب في باطن الاذن واذا اضمحلت الصورة تبقى كنقطة في الذاكرة. انه هسيس روحي ينتشر في عيوننا ويلبسنا كالضوء. وتظهر القصائد في (ابواب النوم) كسلسلة بسيطة متزامنة، تسد حلقاتها المتراصة شاغرا فيزيائيا ليس اكثر. وهو يشكل اي الشاغر نقطة انقطاع في تكامل القصيدة وتنفس بعطيها دفعا دراماتيكيا واضحا وابعد من ذلك نقطة احياء في القصيدة العربية التي تعيش حالة تخبط ودوران. فالشاعر يجددها تحت مدركات حس عفوي وتنغيم يتعذر اختراقه. و(رازن) يحيل في قصائده الصورة الى بوح داخلي، فلانجد فراغا زمنيا بين الصورة ومكافئها اللفظي. صانع ايقاعات تعلم التقنية من ملاحظته ومن طبيعة ترفدها حاسية مرهفة تعبر عن نفسها في فضاء شعري نثري، بنسغ كامل من الجمل الشعرية القصيرة الخاطفة (الحجر لا ذاكرة له الا صمته) ص59، والمفتوحة، احيانا، على احتمالات متعددة (هل كنت وردا ايها الظل وخبأتك؟) ص83. جمل بصور مباشرة ومجازات وتضادات وعلاقات تآلفية حميمة (الزهرة المنداة بالضوء) ص16، (وجهها ابيض كالصبح) ص23، (تثاؤوب شجرة) ص24. نص ذو تلقائية فنية تختفي الاصوات فيه وتعود، تمحى وتتداخل، ولا نعرف من يتكلم. ثمة حديث فقط لا وجود لصورة ولا شيء غير اللغة، لكن انتقاء اللغة ليس نصا، انه صورة وحيدة ومنصهرة. وبذلك وجود اللغة يتحقق بعد اختفائها حتى. فلغة وازن شفافة وطرية. سحب مشحونة بكهرباء الافتتان بنفسها. رطبة من جراء ذلك ومسحوبة الى افقها الكامل، بمفردات تقترن مع اخرى من حقول دلالية مختلفة. مفردات تنهض لتمتلىء بمعناها واخرى تشف لتصدم صورتها الحقيقة. انه ابتكار متصاعد لآلية الكتابة تولد الكلمات منها او في اثناء تقدمها، في كتاب يكاد ان يؤلف قاموسا شعريا ، يمكن الرجوع اليه غنيا بمفردات الحب والطبيعة: الامل، الحيرة، الالم، النهار، الشمس، الشجرة، السفوح، الكآبة. انها قصيدة ساكنة رائعة بوحدة انفعالية على كامل الكتاب. شعر ميتافيزيقي يضرم النار في عملية التفكير وينقل المعنى بكثافة وامتلاء. (الملاك الذي طرق النافذة ليلا لم يترك الا القليل من حروق يديه والماء المقدس/ الملاك الذي اغمضنا عيوننا عليه سرعان ما اشتعل كترتيلة الصباح) ص125.