كثرت مشاغل الحياة وتنوعت، وازدادت همومها وانتشرت، واصبح السعي لكسب العيش يستنزف كثيرا من الوقت فجاء هذا على حساب الاسرة والابناء. وبسبب اللهاث وراء لقمة العيش والانكفاء للهموم والمشاغل فقدنا الوقت لممارسة بعض الاشياء الاساسية ومنها الاهتمام بالزوجة والابناء. ولمواجهة تكاليف الحياة لجأ الكثيرون الى البحث عن عمل بعد الظهر وهذه ظاهرة لا تقتصر على عالمنا العربي وحده لكنها موجودة في كل مكان في العالم، وهذا بالطبع يؤدي الى الابتعاد لأوقات طويلة عن البيت والاسرة. وحتى الاغنياء من رجال المال والصناعة، الذين يفترض ان لديهم ما يغنيهم عن قضاء اوقات طويلة بعيدا عن اسرهم بحثا عن اسباب الحياة الكريمة لهم، لا يجدون الوقت الكافي لزوجاتهم واطفالهم، لانهم مشغولون بأعمالهم الخاصة وهم مضطرون لقضاء ساعات طويلة في شركاتهم ومؤسساتهم لضمان استمرار نجاحها. واذا يستوي هنا الفقراء والاغنياء والنتيجة على حساب الزوجات والابناء حيث اصبح الازواج والاباء يبتعدون شيئا فشيئا عن البيت والاسرة بسبب دوامة الحياة الجديدة. وربما استعاض الابناء عن غياب الاباء باشياء تلهيهم وتشغل فراغهم، رغم انها لا تعوضهم غياب الاباء، مثل التليفزيون والقراءة وكرة القدم وغيرها من انواع الرياضات الاخرى. ويقع الضرر الاكبر لغياب الزوج على الزوجة التي تكدح ليلا ونهارا في البيت وفي تربية الاطفال ولا ترى زوجها الا لفترات قصيرة عندما يجىء للاكل او النوم. هذا الحال اصاب بعض النساء بالاكتئاب والتوتر والامراض النفسية الاخرى وادى الى شعور الزوجة بالغربة عن زوجها وبالملل من حياتها الزوجية بل وادى في بعض الحالات الى فتور في الحياة الزوجية نفسها واستعداد لاسقاطها والتخلي عنها لولا اعتبارات منها الاطفال والتعود وطول العشرة. وقد صدرت كتب كثيرة تتحدث عن الحياة الزوجية وكيف يمكن المحافظة عليها في هذا الزمن الصعب. وقد اجمعت غالبية تلك الكتب على ان لمسات بسيطة كفيلة بان تضمن استمرار الحياة الزوجية وتجلب السعادة للطرفين. منها مثلا ان يصغي الزوج لزوجته ويعيرها اهتمامه ولو لنصف ساعة فقط في اليوم.. ولكن من من الازواج يجد الصبر الكافي للاستماع الى (رغي) ام العيال لمدة نصف ساعة بكاملها؟! ان الاهتمام البسيط الذي يبديه الزوج بمطالب زوجته ومشاكلها كفيل بان يجعل السعادة ترفرف على عشهما وان ينعش العواطف التي كادت تذبل وتموت. ومناقشة الاشياء المهمة في الحياة والحديث بامانة واخلاص عن الامال والاحلام ومشروعات المستقبل من بين الامور التي تقوي العلاقة بين الزوجين لان الزوجة ستشعر بأهميتها في حياة زوجها ومشاركتها له ليس في الماضي فحسب بل في مستقبل الايام ايضا. وهذه ليست دعوة للعودة الى زمن الرومانسية لكنها رجاء بان نهتم بالزوجات والابناء ونشركهم في بناء مستقبلهم ونستمع اليهم، ونودهم تأسيا بقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لاهله).