يقترن اسم الشاعر البحريني قاسم حداد بريادته وتجديده وتحديثه للنص الشعري الحديث فهو الصوت الأكثر تميزا، وجدلا، و دينامية منذ 30 عاما ونيفاا وحتى الآن، فمنذ صدور ديوانه الأول (البشارة) في أوائل السبعينيات، وقاسم حداد لا يتوقف . وعلاوة على إسهامه المتميز والمعروف في الحركة الثقافية العربية وحضوره الشعري المهم يقدم الشاعر البحريني خدمة للثقافة والمثقفين العرب عبر الموقع الشخصي الذي وضعه على شبكة الانترنيت وأدخل فيه معلومات كثيرة عن كل ما يتعلق بالشعر العربي شعراء ونصوصاً وحوارات ودراسات نقدية وكتباً ومجلات، وهو بهذا الفعل يؤكد من جديد على الدور الذي ينبغي أن يقوم به المثقف العربي، والإيجابية التي يجب أن يتميز بها بعيداً عن دعاوى تراجع الثقفة وعجزها عن التأثير في المجتمع. عن ( جهة الشعر )وعن فلسفة قاسم حداد في الشعر العربي ،في تثقيف الجيل العربي الجديد بثقافة عربية عالمية اصيلة فلنتعايش مع حداد عبر هذه السطور في هذا الحوار المتنوع بتنوع ثقافته الجديرة بالطرح : @ ماذا عن موقعك ضمن منظومة القصيدة في البحرين ورؤيتك لهذه القصيدة الآن ؟ أولاً ليس ثمة شيء يسمى الشعر البحريني. منذ وعيت على الحقيقة الأدبية والفنية لم أتعامل مع هذا المصطلح و لا أقبله. إنني أجد كل ما يكتب في خريطة العرب هو شعر عربي بالدرجة الأولى، وأود أن يتم تجاوز هذه التسميات عند الجميع. ثانياً، أنا أحد الأصوات الشعرية العربية التي تحاور إبداعيا أصوااتا كثيرة ممتدة في هذا الأفق. ثالثاً، الشعر الذي كتبه الشعراء في البحرين لا يختلف في تفاصيل مشهده عن الواقع الشعري العربي بكل ملامحه و تصوراته وتطلعاته. ولا ينبغي التوهم بأن تمايزاً يمكن أن نصادفه هنا أو هناك. في البحرين أصوات كثيرة مختلفة الأمزجة الاهتمامات و القناعات الفنية، التقليد بجانب الحديث بجانب الجديد، وأيضاً سوف تجد من يكتب بالعامية وبالنبط. والثورة الغالبة التي يمكن مصادفتها في مقدمة المشهد هو النزوع الكبير نحو التجديد، ربما لأن هذه هي طبيعة أشياء الحياة. @ قلت مرة : الشعر لا يبدو جميلاً إذا لم يكن غامضاً، بل أكاد أقول أنه لا يبدو شعراً ى الإطلاق، أما الغموض المفتعل الذي يسهل اكتشافه فإنه لا يعنينا، ولا نستطيع أن نعتبره فناً من فنون التعبير. فأي غموض تعني.. وتطمح لأن يحويه شعرك؟ في الحقيقة لا أعني شيئاً غير الشعر. فالشاعر لا يكتب غموضاً لكنه يكتب شعراً. وإذا حدث أن جمالاً في الشعر لم يتكشف للقارئ للوهلة الأولى واستدعاه لأن يعيد قراءة النص مرة ثانية ففي هذا جاذبية غير قابلة للتفسير يمكن أن يتميز بها الشعر خصوصاً. فأنت لا تحتاج لقراءة أي نص إذا لم يثر شيئاً من دواخلك، ويجعلك تشك في شيء كنت مطمئناً ومستقراً علي مفهومك إزاءه. فأنت مثلاً يمكن أن تعبر على شاعر يخاطب حبيبته قائلاً (ليلى.. إلى آخره)، تعبر دون أن يستوقفك شيء خاصه. لكن إذا قال (ليلاي....) فأن ثمة شيء خاص لاص لا يشترك معه آخرون في هذه (الليلى). هذه الخصوصية هي الغموض الذي يقترحه علينا الشعر بغير قصد. لكن، من يستطيع حقاً أن يفسر الغموض ؟ إنني شخصياً أقصر عن ذلك، و إلا ما كتبت شعراً قط. @ كيف لشخص مثلك أن يصبح شاعراً، ورقيق الشعر، في عالم يزداد عنفا ؟ يزداد عنفاً هذا العالم. هذا صحيح. لكن ماذا بوسع الشاعر أن يفعل في مواجهة هذا العنف. ليس سوى كلمات. كلمات صغرى لا تقوى على قتل عصفور لكنها قلما تموت، حتى بعد موت الشاعر. بهذه الكلمات أستطيع أن أجعل العالم جميلاً، طرياً، جديراً بأن يعاش. حتى في الذر وات الكثيرة من التشاؤم التي أمر بها (وهذا يحدث كثيراً هذه الأيام) أكون قادراً بالشعر أن أفتح نوافذ في هذه الغرفة المعتمة. إن حياتي الخاصة عاطفية جداً. ولأن كتابة القصيدة هي لحظة عاطفية جداً فإن الشعر هاجس يومي في حياتي. لا أكتب كثيراً. لكن لا يفارقني الشعر لحظة. ولعل الرقة هي نتيجة لتجاربي الخاصة. حيث كل شيء يشحذ مشاعري. تماماً مثلما تشحذ الحروب الكثيرة شفرة السيف فيصير رهيفاً. في هذه الحالة يمكن أن يصير هذا السيف وتراً.. ويغني. هل قلت شيئاً مفيداً ؟ @ أدخلت "شعرك" إلى الإنترنت وأسست موقعا للشعر العربي حمل عنوان (جهة الشعر) و أعتقد أن تجربتك هذه هي الأولى عربياً. كيف خطرت لك الفكرة ؟ وكيف نفذتها؟ ثمة ولع غامض شدني لجهاز الكمبيوتر منذ منتصف الثمانينات، حيث فتح لي أفقاً إضافيا لم يكن متاحاً لي حتى تلك اللحظة. وحين تعرفت على الإنترنت شعرت بما يشبه المسافة الضوئية تخترقني معرفياً و روحياً، خصوصاً إذا وضعنا في الاعتبار الدور الجوهري للمخيلة في فكرة الإنترنت ومن قبلها الكمبيوتر، فكل شيء في هذا الحقل ينشأ من طاقة الإنسان على التخيل والتعامل مع الأمر كما لو أنه عالم من الافتراض اللامحدود. والأطرف من هذا أن مادة هذا العالم الافتراضي الناتج عن طاقة المخيلة هو في الأساس معطى علمي خالص يتكون من نسيج وعلاقات رقمية وحسابية غاية في التركيب والتعقيد، ليس من الضروري أن يدرك الشاعر كنهها لكي يكتشف علاقتها العميقة بما يتصل بالشعر كطاقة تقوم هي الأخرى على نشاط المخيلة و جمالياتها. ماذا يريد الشاعر أكثر من ذلك؟ لقد اقترحت عليّ تجربة الإنترنت (عميقا) آفاقاً مضاعفة من الحرية والجمال يفضحان جلافة الواقع ومصادراته. فيما أعمل، أحب أكون حراً، فهذا شرط يتيح لي التمتع بالفعل الذي أمارسه. وكلما اتسعت فسحة الحرية الذاتية شعرت بالحياة تقترب من شفافيتها، ربما لأنني أعتقد بأن كل ما يصنعه الشاعر ينبغي أن يكون شعراً أو شعرياً أو محرضاً على ذلك. من هنا أرى في فكرة الإنترنت ضرب من الشعر (حرية وجمال) بوصفها فكرة تتصل بمستقبل لا يمكن تفاديه، خصوصاً إذا جاز لنا الاعتراف بأن الشعر هو ذهاب للمستقبل أكثر منه مراوحة في الواقع وحنيناً سطحياً للماضي. حين بدأت وضع الشعر العربي (بمساعدة وحماس الأصدقاء من التقنيين) شعرت بأنني أضع الشعر في مكانه، أضعه في تلك المسافة الغامضة التي يتقاطع فيها النص والضوء والصوت والصورة، وبدأت أتأمل ما يحدث مثل شخص يرقب حركة أحلامه في سديم شفيف من المخيلة. ومثل هذا التقاطع اللامتناهي والفاتن بين الأشكال هو من صميم نزوعي لتجاوز التخوم التقليدية لأشكال التعبير، فثمة ما يتوجب الانتباه له وهو يحدث، مثل امرأة آن لها أن تصوغ شكل وطبيعة جنينها منذ بداية الحلم حتى رائحة الوردة. إنني أعمل كل هذا (حتى الآن) وحدي، في غرفة صغيرة مكتظة بالمكتبة وكائناتها، بين ما لا يحصى من مخلوقات المخيلة البشرية التي ظلت طوال الوقت معرضة لسبات مستمر لا ينتهي. فإذا بي أنظر إلى تلك الكائنات والمخلوقات تستيقظ، نشيطة وتنتقل وتتصل بأبعد إنسان في أقاصي الفضاء الكوني، لتخلق نوعاً من الحوار الحميم، بهدوء فائق الخصوصية، وبلا ضجيج وبقدر لا محدود من الحرية التي لا تطالها سلطات العالم، وبدرجة من سرعة تشبه رفة هدب العين وهي تطلق شرارة الحب في القلب. وإذا بالأصدقاء يتقاطرون مثل مطر ناعم في ليل كثيف من الأحلام. كل تلك الطاقات الإبداعية التي يكتبها الشعراء العرب تبدأ الآن في الذهاب إلى العالم بصورة جديدة وجميلة في التجربة العربية، طريقة لم يحلم بها النص ولا الشخص العربيان. حتى أنني عندما وضعت بعض مختارات المتنبي في المرحلة التجريبية الأولى، صادفت بيتاً له يقول : أحلماً نرى أم زماناً جديدا أم الخلق في شخص حيّ أعيدا لقد كنت أشعر بأن ثمة كهرباء حانية تنهر النص الشعري لكي يبدأ الحياة الأبدية هذه المرة. أقول أنني لا زلت أعمل كل ذلك وحدي، @ ما الذي يتضمنه (جهة الشعر) ممن القصائد ؟ متصلاً بنزوع تجربتي الشعرية (ولأسباب ثقافية أخرى) أردت لجهة الشعر أن تعني بالشعر الحديث، (القرن العشرين)، خصوصاً بعد أن رأيت جهوداً أخرى تعمل في وضع الشعر العربي القديم على الإنترنت بصورة محترفة تليق بالتراث الشعري العربي، من بين أهمها "الموسوعة الشعرية" التي يعمل المجمع الثقافي في أبوظبي على الانتهاء منها قريباً. بالنسبة لجهة الشعر ستكون التجربة الحديثة هي الاهتمام الرئيسي بشتى اجتهاداتها الإبداعية. وهذه ليست مهمة سهلة ولا هو عمل يمكن أن يقوم به شخص واحد. ماذا أفعل إذن؟ في (جهة الشعر) أقسام ثلاثة باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية (الملف الثالث قيد الإنجاز)، أطمح في من يتعاون معي من المختصين أدبيا في هاتين اللغتين. حيث على الزائر أن يختار منذ الوهلة الأولى اللغة التي يرغب في ان يقرأ بها المادة المتوفرة، خصوصاً وإن الشرط المعرفي للإنترنت، كفكرة ثقافية، هو توفر النصوص بلغات تستجيب لمختلف الأجناس. وتقدم أكبر قدر من المعلومات وعدم الاقتصار على الأدب بوصفه نصوصاً خالية من التحليل والمعلومات والبعد المعرفي. أعتمد التعريف بشاعر واحد، يستمر حضوره لمدة ثلاثة أو أربعة أشهر بصورة شاملة وباللغات الثلاث. جار العمل حالياً على إدخال معلومات أساسية عن الشعراء العرب المعاصرين من شتى البلاد العربية وبمختلف اجتهاداتهم الإبداعية، مع نماذج من أشعارهم، نصوصاً وسيراً شخصية مصحوبة بالصور، وحوارات و دراسات نقدية عن تجربة كل شاعر، وأفكاره النقدية ومقالات عنه وقراءات عن كتبه، إضافة إلى نصوص مترجمه للشعراء العرب في الإنجليزية والفرنسية، مع توفير عنوان الاتصال بالشاعر لمن يرغب من زوار موقع (جهة الشعر). وهناك باب خاص للدراسات النقدية، وباب للحوار وملف خاص يضم معلومات أساسية عن كل المجلات والدوريات الأدبية والشعرية، الصادرة حالياً والمتوقفة وعناوينها (في البلاد العربية والمهاجر) بأمل استكمال نشر فهارس هذه المجلات مثل مجلة (شعر) ومواقف) و (كلمات) أم أنها لا تزال تصدر مثل (الكرمل) و(نزوى) وفي الملف مجلات ودوريات ربما لم تكن في متناول القارئ العادي لأسباب كثيرة. وهناك أيضاً متابعات للكتب والدواوين الجديدة واللقاءات والندوات الشعرية الأخرى. ويجري العمل على تحقيق اتصال بين (جهة الشعر) وأهم الملاحق الثقافية الأسبوعية لبعض الجرائد العربية، وكذلك تحقيق اتصال الجهة بمراكز البحث والدراسات العربية والأجنبية والجامعات المعنية بالأدب والثقافة العربية. وثمة اهتمام رئيسي في (جهة الشعر) بالفنون التشكيلية حيث يوجد ملف بعنوان (كليم اللون) نستضيف فيه بين وقت وآخر فنانا عربياً يجري التعريف بتجربته باللغات الثلاث مع حوار عن تجربته ومعارضه ومقتنياته ونماذج عديدة من أعماله الفنية وتوفير عنوان الاتصال به لمن يحب من أي منطقة من العالم. كما سيكون في الثلاثة أشهر القادمة معلومات عن عدد كبير من التشكيليين العرب مع نماذج من أعمالهم الفنية. وأفكر جدياً! في إنشاء ملف جديد عن الموسيقى العربية. بهذا المعنى، يمكن القول أنني لا أصنع مزحة ثقافية، ولكنني أضع الدعوة مفتوحة أمام من يرغب في الاستعداد للمستقبل ويستطيع أن يسهم في ذلك، فلابد لنا أن ندرك بأن ثمة عمل ممتع ومبدع ومفيد متاح لكي نجعل من الإبداع العربي نافذة جديدة على مستقبل العالم. @ هل تعتقد أن قارئ الشعر العربي سيعود إلى الإنترنت ليقرأ من يشاء في حين الشعر متوافر في الكتب؟ @ الفلسفة التي تقوم عليها فكرة الإنترنت تختلف جذرياً عن فكرة الكتاب. ومن يذهب إلى الإنترنت مقتصراً على آلية تصفح الكتاب فقط سوف يخسر كثيرا. فما تقترحه علينا برامج النشر الإلكتروني وشكل بناء وحجم المعرفة ووسائل الاتصال التي تستجد يومياً هي مقترحات فائقة الاختلاف، وتستدعي أن نكون مستعدين لتغيير مفاهيمنا وقناعاتنا بأشياء الحياة والثقافة. فإلى جانب عنصر سرعة الوصول إلى المعلومة، ثمة برامج يجري تداولها حالياً من شأنها أن تجعل الشخص يتعامل مع النص الشعري بأسلوب يتجاوز مفهوم القراءة إلى التحليل والكشف والنقد أيضاً، لفرط ما يمكن أن تحققه بعض البرامج، سهلة الاستخدام، من آليات وأدوات بحث يمكنها تحويل النص من مادة أولية خام ومحايدة أحياناً إلى ضرب من الأسئلة الحية. حاول مثلاً أن تبحث عن نص لقصيدة لأي شاعر في الموسوعة الشعرية، أو تتعامل مع لسان العرب، لتكتشف المعنى الذي أتحدث عنه، نكهة جديدة تكتسبها الثقافة الآن. وأظن أن طرق البحث التي تتيحها الوسائل الإلكترونية من شأنها أن تتيح لنا مضاعفة معرفتنا (مثلاً) بما فعله أصحاب التدوين المسلمون بنصوص الشعر القادم من قبل الإسلام. وأخشى أن ما يشبه الفضيحة كامنة، على من يقدر على استخدام وسائل الدراسة النقدية بشجاعة أن يذهب إلى إعلانها. فربما تأكد لنا أن طه حسين مثلاً) قد رأى بجوهرته السوداء ما لم يعترف به المبصرون. وما علينا إلا أن نمنح أنفسنا فقط متعة اكتشاف حقل المعرفة الجديد، ونتخلى عن التردد، ونبدأ في الإيمان بأن صعوبة التقنية وتناقضها من الثقافة والإبداع ليس إلا وهما يتوجب تجاوزه. وفي تقديري أن الإنترنت، بوصفها وسيلة اتصال جديدة، إذا لم يتعود عليها القارئ المعاصر، فان الإنترنت لن تخسر شيئا بل نحن الخاسرون. لأن ثمة قارئ جديد يتشكل حالياً وبسرعة غير منظورة وبحتمية تفرضها طبيعة الأشياء، خصوصاً إذا وضعنا في الاعتبار أننقارئ في حدود الجغرافيا الفيزيائية التي نعرفها. نحن نتكلم الآن عن قارئ يتجاوز حدود الوقت والمكان والطبيعة المحدودة التي تحبس الكتاب ( شخصاً ونصاً ) في ما يشبه الوهم. @ تقول النص هو جنة الشاعر وجحيمه في ذات الوقت. فما الذي يعنيه ذلك لا أعرف بالضبط جواباً لمثل هذا السؤال. وكما إننا نتخيل دائماً شكل الجنة وشكل الجحيم، فإن الكتابة واحدة من أجمل الوسائل لتفادي فقد الذات في البرزخ بين الشكلين المتخيلين. لكن من المحتمل أنني أكتب مثلما يبني الشخص جنته على شكل حصن، يصوغه حجراً حجراً ويواصل وكلما تمكنت، في هذه التجربة أو تلك، من استدراج الآخرين لهذه الجنة كغزاة أليفين وكعشاق و وأرواح شاردة، تيسر لي وبعض الاطمئنان بأن في الحياة متسعا من الوقت للاتصال بمان يبحث عن ذاته في ذوات أخرى،. وكلما استطعت مغايرة تجربتي السابقتيسر لي الشعور بقليل من الثقة، لكي أذهب نحو تجربة جديدة. أعتقد بأن الكتابة، بالنسبة للمبدع، هي مثل الأنفاس ودفق الدم في القلب والأوردة، لا يمكن أن تتشابه أو تتكرر. لا يضجرني شيئ مثل التشابه الا تشعر بالخيبة بعد الانتهاء من كتابة القصيدة ؟ ليست خيبة، إنها لحظة ما بعد (الحب)، حيث تشعر بأن اللذة كانت طاغية إلى الحد الذي تجعلك أقل من الاكتفاء وأكثر قليلاً من الفقد. فلا أنت انتهيت ولا الحب يكفي. وليس أمامك سوى العمل من أجل لحظة (حب) أخرى، تعيش لها ومن أجلها. فكلما أنجز الشاعر قصيدته الجديدة، ظاناً أنه قال الكلمة، يكتشف أنه لم يفعل سوى الإشارة، مجرد الإشارة إلى الأفق، فيما يكون الأفق لا يزال بعيداً وغامضاً،ولابد من الذهاب الفاتن إليه أيضاً و أيضاً. @ هل تؤمن بهذه الأكذوبة " الشعر طفولة أبدية " ؟ ليس من الأكاذيب أن يكون الشعر هو طفولة العالم الأبدية، فالطفولة هي أحد أسرار الشعر، وطاق هي أحد أسرار الشعر، وطاقته الغامضة على التعبير عن الإنسان. سوف يظل في الشاعر قدر من طفولته وطفولة أشياء الحياة فيه. فليس مثل الطفل طاقة قادرة على ملامسة أشياء الحياة بالبراءة والحرية ذاتها التي يتميز بها المطر عندما يهطل ويلامس التضاريس دون أن يمنعه شيء. هي منقذتنا. @ في أي من دواوينك الشعرية الصادرة حديثاً تعتقد أن الشاعر قاسم حداد قد كتب نصاً (غير مسبوق) ولا يشب نصاً (غير مسبوق) ولا يشبه إلا ( الشعر نقيض العقل) فما هو رأيك بالقصائد الذهنية؟ لستُ في حلبة سباق مع أحد أو مع تجربة أخرى. والكتابة ليست وسيلة للانتقال من محطة إلى أخرى. الكتابة هي الغاية دائماً. لا أعتمد الخرائط فيما أكتب. إنني أذهب في طرقات مجهولة بالنسبة لي في كل تجربة. أكتشف فيما بعد أنني حققت لذة لا أجدها في مكان آخر. الكتابة مثل الجنس، في كل مرة، إذا لم يكن الحب هناك، فلن تنال سوى خيبة الآلة وهي تؤدي وتذوي وتنتهي.. لأنهما (الكتابة والحب) لا يستهدفان غير ذاتهما. من هذه الشرفة أنظر إلى علاقتي الكتابة، حيث لا أريد أن أشبه أحداً سواي، ولا أعود (أشعر) (بعقلي، ولكنني (أفكر) بقلبي(ي، القلب الذي لا يخذل أبداً عندما يكون في الحب . @ كرمت من مؤسسات ثقافية عدة بالوطن العربي من بينها اثنينية عبد المقصود خوجة وجائزة سلطان العويس فماذا يعني لك التكريم ؟ ان التكريم من المسائل التي لم تكن تشكل له هاجسا ملحا، فيذكر : أن الشاعر والكاتب والفنان عندما يكتب أساسا لا يكتب ليصادف تكريم توجد أشكال كثيرة لتكريم المبدع، منها عندما ألتقي مع قراء أعجبوا بنصوصي بين وقت وآخر، وهناك أناس يتصلون لا أعرفهم يطلبون كتبي. أما على صعيد التكريم الرسمي، فهو أيضا لا يعنيني كثيرا، فأول شيء، أنني وطوال تجربتي بعيد عن الأضواء وعن السياقات الرسمية، وأشعر بحسياقات الرسمية، وأشعر بحريتي في الهامش وفي الظل، ولا أعول كثيرا على ما يعتقد الآخرون بأنه ضرورة إعلامية من أي جهة من الجهات، وهذا ما يجعلني في الحقيقة أشعر بارتباكات وحرج كثيرا يحدث. فعلى قدر الصدق والحماس عند الأصدقاء والجهات التي تسعى للتكريم ،الذي هو كما أشعر تكريم صادق وأنا سعيد به، أحس عمقيا أنه يشكل لي إرباكا وحرجا، ليس فقط لأنني غير متعود، إنما لأنني أشعر بحرية أكثر بعيدا عن المسائل الإحتفائية والمهرجانية خصوصا. @ هل تعتقد أن النقد أعطاك حقك من الإنصاف ؟ لقد كتب عن أعمالي كبار النقاد في مصر والعالم العربي منهم فيصل دراج ومحمد برادة وصبري حافظ وعلي الراعي وفاروق عبد القادر، وكلهم أعتز بهم ولا أستطيع أن أشكو النقد تجاه أعمالي، لكن النقد مثله مثل الابداع محاصر بحيث لم يعد يواكب الابداع كما كان أيام الستينات مزدهراً بمندور والقط والمعداوي والراعي. فالنقاد الآن قلة، والأماكن المتاحة للنقد قليلة كذلك، كما أن العائد الذي يعود على الناقد ضئيل مقارنة بما تتطلبه عملية النقد بحكم موسوعيتها من بحث واشتغال وإضافة. @ بالنظر إلى الاهتمام الكبير من قبل الشباب والأجيال الجديدة بالانترنيت والكمبيوتر وعودة إلى ماسار، هل تعتقد أن هذا التوجه سيسهم في نقل المعرفة إلى هذا الجيل الذي انقطعت علاقته أو كادت بالقراءة؟ صحيح أن الأجيال الشابة تهتم بالكمبيوتر والانترنيت وهو استعداد ينبغي أن يكرس في مناهج التربية والتعليم ويوجه للاستفادة من الجانب المعرفي والثقافي لأن كل ما يتصل به الناشئة والشباب مادة غير ناضجة، غير جادة، غير معتمدة على المعرفة (أتحدث على المستوى العربي)، ومن هنا يمكن وضع التراث القديم والمعاصر في ضوء الوسيلة الجديدة. غلاف كتاب نقد الأمل غلاف كتاب مجنون ليلى