كما كان متوقعا منذ أسابيع أن تفضي اتصالات يجريها مقربون من وزير الدفاع العراقي السابق سلطان هاشم أحمد الى تسليم نفسه الى القوات الأمريكية ليكون الرقم 40 من المسؤولين العراقيين السابقين الخمسة والخمسين المطلوبين للعدالة الأمريكية.وقال شهود عيان أن الوزير السابق تبادل التحية العسكرية مع الضابط الأمريكي الذي حضر لاستلامه قرب الموصل قبل أن يودع أفراد عائلته ويمتطي سيارة عسكرية أمريكية انطلقت به إلى بغداد لينضم الى بقية المسؤولين العراقيين السابقين المعتقلين في خيام بمطار بغداد الدولي.وأكدت معلومات صحفية أمريكية مؤخرا أن سلطان هاشم كان على اتصال مع القوات الأمريكية قبل اندلاع الحرب وأنه وعد بإصدار أوامره الى قطاعات الجيش بعدم مقاومة تقدم القوات الأمريكية داخل الأراضي العراقية وصولا الى العاصمة مقابل الاستفادة من خدماته في ترتيبات الوضع العراقي بعد سقوط نظام صدام حسين إلا أن الأمريكيين أهدروا هذه الفرصة كما أشارت المعلومات نفسها.. وأثار سلطان دهشة جميع المراقبين عندما توقع في مؤتمر صحفي له بعد اندلاع الحرب بأسابيع بأن تتمكن القوات الأمريكية من محاصرة بغداد خلال عشرة أيام في وقت كان زميله في الإعلام محمد سعيد الصحاف يدلي بتصريحات نارية عن دحر القوات الأمريكية والبريطانية وتكبيدها خسائر بشرية ومادية كبيرة مما أثار شائعات في وقتها عن قيام صدام حسين بإعدام وزير دفاعه.. أو إقالته على أقل تقدير. واشتهر سلطان هاشم أوائل عام 1991 عندما وقع مع قائد قوات التحالف في حرب تحرير الكويت الجنرال شوارتسكوف بخيمة صفوان وثيقة استسلام الجيش العراقي لشروط التحالف ووقف إطلاق النار في تلك الحرب. وكان الجنرال الأمريكي في منطقة شمال العراق ديفيد باتروس بعث قبل أيام برسالة اطمئنان لسلطان هاشم يقول فيها ( أتعهد لك بأن تعامل بمنتهى الكرامة والاحترام وأن لا تساء معاملتك عقليا أو جسديا بعد الاستسلام ) وهي الرسالة التي اقنعت وزير دفاع صدام بتسليم نفسة بعد ستة اشهر من انتهاء الحرب التي قادت فيما بعد الى حل الجيش العراقي بكامل تشكيلاته التي كانت تضم 400 الف عسكري. رعاية أمريكية في الليلة الأولى قضى وزير الدفاع العراقي الفريق الركن سلطان هاشم ليلته الثانية في معسكر( كروبر) او معتقل المطار كما يسميه العراقيون في ظل رعاية امريكية، بعد ان سلم نفسه يوم أمس الأول. وأثيرت تساؤلات في أوساط العراقيين ليس عما سيلقاه وزير الدفاع من ظروف اعتقال بل ما سيلعبه من دور في العراق بعد ان سلم نفسه وفق شروط اتفق الأمريكان وجماعة الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه مسعود البرزاني عليها. حيث كانت تجري الوساطة لتسليم نفسه منذ اكثر من شهر وهي المحاولة الثانية لاقناعه بالتسليم بعد المحاولة الأولى التي لم تلق ضمانات كان يود الفريق الركن سلطان هاشم الحصول عليها والتي جرت عبر طرف عشائري في مدينة الموصل منذ اكثر من شهر ونصف، وكان وزير الدفاع العراقي يختفي انذاك بين أفراد قبيلته طي التي تنتشر في تلك المنطقة وتتمتع بنفوذ كبير فيها ويرأسها الشيخ غازي الحنش الذي تابع مراسم تسليم سلطان. وجرت المباحثات حول التسليم عبر ممثل من حزب البرزاني ورئيس لجنة حقوق الانسان داود الداغستاني أسفرت عن اتفاق التسليم بشروط الفريق الركن سلطان هاشم احمد وهي رفع اسمه من قائمة الخمسة والخمسين المطلوبين وعدم تقديمه لأية محاكمة لرموز النظام السابق والتعامل معه بما يليق به كضابط كبير، ولكن دون ان تعرف الشروط الأمريكية في الصفقة والتي لم يعلن عنها حتى الآن. ماذا بعد تسليم وزير الدفاع العراقي؟ أشارت مصادر مطلعة ان الحوار بشأن الاستسلام بدأ منذ اكثر من شهر بين الأمريكان وسلطان هاشم الذي أصر على الحصول على ضمانات معلنة برفع اسمه من قائمة المطلوبين ال 55 والتي اصبح خلالها الشخص ال 45 الذي يلقى مصير من سبقوه من القيادة العراقية. الا ان محللين عراقيين رأوا ان الجانب المعنوي في تسليم سلطان هاشم نفسه هو الربح الأكبر الذي حققه الأمريكان في هذه الصفقة حيث تحتاج القوات الأمريكية في هذا الوقت الى نصر معنوي جديد بعد عمليات المقاومة المتصاعدة ضدها والتي أدت الى قتل وجرح المئات من أفرادها. ومع تسليم سلطان هاشم يكون اكبر قائد عسكري عراقي في قبضة القوات الأمريكية التي ستتعامل معه على أساس الاتفاق بينهما ولكن من يضمن ذلك، ووسط ذلك تدور عدة استفهامات علي المستويات الرسمية والشعبية عن ماذا سيكون دوره بعد ذلك إذا كان الاتفاق قد تضمن شروطا أخرى لم يعلن عنها. هذا ما يدور في أذهان بعض العراقيين الذين يعتقدون ان دورا مهما سيبرز لسلطان هاشم في المستقبل القريب، وتروج اشاعات غير مؤكدة بانه سيكون سيد ترميم أوصال الجيش العراقي التي تقطعت اوصاله بعد حله، كما يسود الاعتقاد بان كثيرا من العسكريين قد انضموا للمقاومة وان إعادتهم للجيش ربما ستخفف من العمليات الهجومية وهذا ما يمكن ان يحققه الفريق الركن سلطان هاشم الذي يحتفظ بعلاقات قوية مع الضباط والجنود ويستطيع إقناعهم ولملمة الجيش وبناءه وعلى صعيد ترتيب الوضع السياسي في العراق من جديد وهو اعتقاد تفرضه على الرأي العام ظروف التسليم وطريقته. @ من هو سلطان هاشم؟ * من مواليد 1943 في مدينة الموصل شمال العراق ومن عشيرة طي المعروفة بعراقتها ونفوذها في تلك المناطق. بعد عام 1986 تمت ترقيته الى رتبة لواء واصبح قائدا للفيلق السادس ثم انتهت الحرب بين العراق وإيران ليعين بعدها معاونا لرئيس أركان الجيش للتدريب أولا. ثم معاونا للعمليات، وفي تلك الفترة حصلت حرب الخليج الأولى بعد غزو العراق للكويت تخرج سلطان هاشم في الكلية العسكرية العراقية في بغداد عام 1966 وظل طيلة فترة الستينات والسبعينات وحتى اوائل الثمانينات مجرد ضابط لايثير الاهتمام حتى من قبل رؤسائه وبقي في الظل حتى عام 1982 عندما عين قائدا للفرقة الثامنة حيث بدأ اسمه وصورته يظهران على صفحات الصحف المحلية من خلال اللقاءات التي كان يجريها مع ضباط الاستخبارات والتوجيه السياسي. بعد ثلاث سنوات في عام 1985 وكانت الحرب مع ايران قد مضى عليها خمس سنوات أختاره صدام حسين قائدا لقوات اطلق عليها اسم شرقي دجلة بعد ان تعرضت قواطع العمليات في مناطق الكوت والعمارة الحدودية مع ايران الى اختراقات ايرانية. خلال الفترة الاولى من قيادته هذه القوات استدعي الى بغداد للتحقيق معه في دائرة الاستخبارات العسكرية في قضية انتقادات وجهها احد ضباطه الى صدام وذكر ان سلطان لم يتخذ اجراء ضده وفي الطريق الى بغداد أصيب بجلطة قلبية نقل اثرها الى المستشفى العسكري.. ثم تبين فيما بعد انه لم يكن حاضرا انتقادات الضابط ولم يعرف بحديثه عن صدام. شغل منصب معاون رئيس أركان الجيش للحركات عند غزو الكويت لكنه هرب من مدينة البصرة الجنوبية في الساعات الأولى لاندلاع الانتفاضة الشعبية التي أعقبت اندحار الجيش العراقي وتقهقره من الكويت. تقول مصادر عسكرية عراقية ان صدام اختاره رئيسا للوفد العسكري لاجتماعات خيمة صفوان متعمدا لانه ( ضابط بلا لون أو طعم أو رائحة ) على حد وصف حسين كامل صهر صدام السابق خلال وجوده في العاصمة الأردنية اثر انشقاقه عن النظام أواخر عام 1995 مشيرا الى انه كان مرعوبا من هذا التكليف الذي ابلغه به صابر الدوري مدير الاستخبارات العسكرية آنذاك. ولا يمكن للمرء أن ينسي منظر وزير دفاع صدام وهو يقف امام الخيمة وهو يرفع يديه الى أعلى ليقوم جندي أمريكي بتفتيشه ونزع سلاحه الشخصي ويجلس مرتبكا مقابل شوارتسكوف. عندما انتهت مهمته في خيمة صفوان بالتوقيع على الاستسلام أراد سلطان هاشم العودة الى بغداد فكانت كل الطرق إليها مغلقة بوجهه بعد سيطرة المواطنين على البصرة والناصرية والعمارة مما اضطره الى سلوك طرق ملتوية ووعرة خارج المدن والقصبات مستخدما سيارات بأرقام مدنية حتى وصل الى العاصمة بعد رحلة مضنية.. كما اعترف هو نفسه في برنامج ( الملف ) التلفزيوني الذي قدمه تلفزيون بغداد أواخر عام 1991. بعد هذا الحدث عين سلطان هاشم رئيسا لأركان الجيش واصبح برتبة فريق ركن بينما عين حسين كامل وزيرا للدفاع ثم تلاه علي حسن المجيد الملقب بعلي كيمياوي ابن عم صدام، وكان من الطبيعي ان لا تتلاءم العقلية العسكرية الأكاديمية مع عناصر جاهلة في أمور الجيش مثل حسين كامل وعلي المجيد. استوعب الدرس بسهولة وحاول التوفيق، حتى تم تعيينه وزيرا للدفاع، الا انه كان ليس من حقه الإشراف او حتى الاطلاع على نشاط الحرس الجمهوري العراقي الذي كان يشرف عليه قصى النجل الأصغر لصدام، او الإشراف على الاستخبارات العسكرية التي كانت ترتبط بقصي أيضا، وكذلك القوة الجوية وأسلحة الصواريخ، والتصنيع العسكري. * كان دوره ينحصر في متابعة الجيش النظامي الذي كثيرا ما كان يبدي تذمره بسبب سوء حاله مقارنة بالحرس الجمهوري كما يردد ذلك بعض الضباط العراقيين الكبار، ولم يكن قادرا على فرض خططه العسكرية حيث لم يكن مؤثرا في الحزب حيث لم يتسلم أي منصب حزبي في المكتب العسكري لحزب البعث في العراق والذي كان يرأسه صدام حسين وينوب عنه ابنه قصي في رئاسته. يتمتع الفريق الركن سلطان هاشم بعلاقات حميمة مع كبار الضباط العراقيين من أساتذته وتلاميذه، ويذكر له معظم الجنود والضباط الذين عملوا معه مواقفه الكبيرة معهم فهو لم يتسبب في إعدام أي عسكري عراقي طيلة فترة خدمته التي جاوزت الأربعين عاما، ومما ذكره أحد الضباط السابقين ل"اليوم"عن تلك المواقف انه في أحد المعارك في الحرب العراقية الإيرانية وحين كان قائدا لفرقة المشاة الثامنة عشرة قامت مفارز من رئاسة الجمهورية والأجهزة الأمنية باعتقال عدد من الجنود لهروبهم من ارض المعركة، وكانت قد بدأت بالاستعداد لإعدامهم في ساحة إحدى المقرات العسكرية، وقد تدخل الفريق الركن سلطان هاشم وطلب عدم إعدامهم، حيث قام بتجهيزهم بالأسلحة وتكليفهم بفك الحصار عن موقع عسكري عراقي في ساحة المعركة وقد نجح الجنود في مهمتهم وحصلوا على تكريم خاص آنذاك بدلا عن إعدامهم. ومثل هذه المواقف في حياته العسكرية كثيرة جدا، وكان يحب الإصغاء الى مرؤوسيه ويمنحهم الثقة في أحاديثهم لسماع آرائهم وتكوين خططه العسكرية من خلالهم، ومع ان الكثيرين من العسكريين العراقيين كانوا يصفونه ب ( المحظوظ ) لتحقيقه انتصارات عسكرية في اغلب المعارك التي يقودها، الا انه كان يعتمد في خططه على أسلوب الحوار الديمقراطي وعدم فرض آرائه على الآخرين بالقوة. تسلق سلطان هاشم المناصب العليا بسرعة حيث لم يبق الا لفترة شهرين رئيسا لأركان الجيش العراقي قبل ان يصبح وزيرا للدفاع خلفا لعلي حسن المجيد ابن عم صدام الذي كان ضابط صف في الجيش واصبح وزيرا للدفاع بعد حسين كامل الذي كان نائب عريف في الجيش واصبح وزيرا للدفاع أيضا، لذلك كان صعوده الى منصب وزير الدفاع بمثابة رد اعتبار للعسكرية العراقية بوصفه قائدا عسكريا جديا تدرج في المناصب وفق استحقاقه. كان يحرص على مقابلة الضباط كل يوم اثنين لسماع مشاكلهم ويتخذ بعض الإجراءات بصددها في الوقت الذي كان يعاني فيه من عدم استخدامه لصلاحياته بسبب نفوذ أقارب صدام في السلطة ومنهم قصي بن صدام وعلي حسن المجيد وغيرهم. خلال الحرب الأخيرة لم يكن لديه دور كبير في تسيير أحداثها، وكان قد فاجأ العراقيين خلال مؤتمر صحفي عقده أواخر مارس بان القوات الأمريكية ستصل الى بغداد في حدود ما بين خمسة أيام الى عشرة، وكان جميع العراقيين يعرفون ان المعركة التي ستجري في بغداد ستكون من اختصاص الحرس الجمهوري الذي ليس لوزير الدفاع العراقي سلطان هاشم أية سلطة مباشرة عليه وشعروا ان سلطان بخبرته العسكرية قد افصح عن سر الهزيمة. أدرك كثير من العراقيين ان المعركة أصبحت مجزأة وان احتلال العراق اصبح أمرا محسوما، مما دفع ملايين العراقيين لمغادرة بغداد حيث وصلت إليها القوات الأمريكية في ذات الموعد الذي حدده وزير الدفاع العراقي السابق الفريق الركن سلطان هاشم. كان يبدو عليه في الفترة الأخيرة تذمره من وضع الجيش كما يردد ذلك بعض الضباط المقربين منه وهو أمر معروف حيث كان صدام وابنه قصي يمتلكان القدرة والسلطة الوحيدة في العراق على الجيش والحزب في وقت واحد، لذلك فلم يكن قادرا على فرض خططه العسكرية حيث لم يكن مؤثرا في مجريات الحرب الأخيرة التي ظل فيها وزيرا للدفاع حتى يوم سقوط بغداد وكان قد شوهد مع الرئيس السابق صدام حسين يوم سقوط بغداد في التاسع من أبريل ثم اختفى بعد ذلك عن الأنظار حتى سلم نفسه يوم امس الاول. في الوقت الذي يؤكد عراقيون مقربون من وزير الدفاع السابق بأنه لم تكن لديه أية علاقة بالمقاومة وكان طيلة الفترة الماضية مختفيا في بيوت بعض أقاربه من عشائر طي في الموصل حتى تم الاتصال به عن طريق ثالث ليتم تسليمه وفق الشروط التي أعلن عنها. عرف عن وزير الدفاع العراقي السابق سلطان هاشم نزاهته في حياته العسكرية والمدنية وهو الوحيد الذي لم تظهر إشاعات تطاله في العراق عن اختلاس او سرقة او إيذاء متعمد للآخرين، ولم يكن شخصية بارزة في الحزب الذي حكم العراق طيلة 35 عاما او كان له أي دور سياسي في العراق سواء على الصعيد الإعلامي او الحزبي. كان عسكريا جادا ومنضبطا ومؤمنا ويؤدي فروض الصلاة ويشعر بالضيق من وضع الجيش العراقي مقارنة بقوات الحرس الجمهوري حيث كان يرى ان الجيش معرض لهزيمة، كما لم يعرف عنه ارتجال الخطب النارية في الاحتفالات او التصريحات العسكرية المثيرة بل كان يتعامل مع الأحداث بشكل واقعي. لم يتحدث العراقيون عنه بسوء سوى ما فعله ابنه ذات مرة حين قام بعملية تهريب لجهاز ستلايت كان يعاقب عليه القانون العراقي ولم يتدخل لاطلاق سراح ابنه من السجن مطلقا، حتى تم إطلاق سراحه بأمر من صدام، الا انه اكتفى بمنع ابنه من العيش معه في نفس البيت وأبعده للعيش مع أعمامه في الموصل.