عودة جديدة الى الدراسة بعد نهاية العطلة الصيفية، التي امتدت عدة أشهر، وانقضت ليبدأ التلاميذ في الذهاب الى المدرسة، وقبل ذلك شراء ما يلزمهم من الأسواق والمكتبات، حتى لا ينقصهم شيء طوال السنة، ولأن بعضهم يشتري لوازم المدرسة بالجملة ويخزنها، خوفاً من الذهاب عدة مرات الى الأسواق، وآخرون يشترون لفصل واحد فقط. فهل يشتري الأم والأب اللوازم المدرسية بمفردهما، حسب ذوقهما الخاص، أم أنهما يلبيان رغبات الأبناء في شرائها؟ وهل يتذمر الآباء من ذهاب الأبناء معهم إلى السوق، ومن ثم تلبية الطلبات التي لا تنتهي عند حد؟ حملنا هذه الأسئلة إلى بعض الأمهات فبماذا أجبن؟ شراء اللوازم من البداية في البداية قالت سعاد عبد الكريم: بعض العوائل تشتري لوازم المدرسة قبل الازدحام، لأن غالبية الناس يتكالبون على شراء الأغراض قبل افتتاح المدارس بأسبوعين تقريباً، وهكذا أنا، حيث أحرص على شراء الملابس والمستلزمات كلها في هذا الوقت، حتى لا أقع في حرج عدم توفر الأدوات الضرورية.. مضيفة: إنني أعطي أولادي الحرية في شراء أشيائهم، ولهم دور كبير في اختيار ما يرغبون فيه، من حقائب ودفاتر وغير ذلك، حتى لا يلومونني ويضطرونني للرجوع للسوق مرة أخرى، فأنا عملية، أكره الأمور الهامشية، التي تضيع وقت الإنسان هدراً.. مشيرة إلى أنها لا تشتري الأشياء الزائدة، التي تستخدم بعد فترة طويلة، ويبقى ذوقهم هو الفاصل في مسألة الشراء، ودوري هو المساعدة فقط. الضروريات فقط وتشتري نادية الحمد الأشياء الجيدة التي تعيش فترة طويلة، تقول: أما الأشياء غير الضرورية فلا أعيرها اهتماما.. مضيفة: ألبي رغبات أبنائي في الأشياء الضرورية فقط، أما الأشياء التي لا تلزمهم في الفصل الدراسي الأول فعادة لا أشتريها الآن. وتؤكد الحمد إنها تصطحب أطفالها للتسوق وشراء المستلزمات المدرسية.. مشيرة إلى أن هذا أمر مهم، لأنها تشتري الأشياء لهم وليس لها.. وتؤكد على أن تكون صناعة المواد جيدة، وبماركات ذات جودة عالية، ليس لأنها غالية الثمن، بل لأنها تدوم فترة طويلة.. تقول: أنا حريصة على دفع أموالي في مكانها، فهناك أقلام على سبيل المثال تتكسر من أول استعمال! بعد أسبوع تلافياً للمشاكل وتختلف فاطمة الصالح (طالبة جامعية) مع هذا التوجه، فهي تفضل (مع والدتها وبتوجيه منها) أن تشتري اللوازم المدرسية بعد افتتاح المدارس (والجامعات) بأسبوع، لأنها تكون استكملت طلبات المدرسات والمدرسين بالنسبة لأخوتها الذكور، وهذا يعطيها المرونة الكافية والراحة في الاختيار، خاصة في بعض المواد غير المعروفة (سلفا) طلباتها، فبعض المدرسات طلباتهن غريبة.. مضيفة: خبرة السنوات الماضية جعلتنا نخشى من شراء كل مستلزماتنا قبل افتتاح المدارس، لأن بعض المعلمات "يتفلسفن" في طلباتهن، فلماذا نتعب أنفسنا ونثقل كاهل والدنا بطلبات لن تحظى بقبول المعلمة. وتضيف الصالح: والدتي لا تقصر في شراء كل ما نحتاج إليه، خاصة بالنسبة لي، وتسعى لتوفير كل احتياجاتنا، حتى لا نقع في أي حرج مع المدرسة.. مستدركة: لكن أمي تضطر في كثير من الأحيان إلى أن لا تصطحبنا إلى السوق، لتعدد الرغبات، وكثرة الأهواء بين أخوتي وأخواتي، فهم يسببون لها الإزعاج، لاسيما وأنهم يرغبون في شراء كل ما يقع أمام أعينهم. وتذكر فاطمة ان عائلتها لا تخزن المواد المدرسية في المنزل، وإنما تشترى الأشياء الضرورية فقط، وخلال السنوات الماضية لم يحدث في يوم من الأيام أن نقص شيء من المستلزمات. مشادة بين الأب وأولاده وتتناول مها الخياط الموضوع من جانب آخر، حيث يحدث بعض الخلاف بينها وبين زوجها في شراء الحاجيات، فعندما يذهب مع الأبناء يشتري لهم كل شيء، دون تمييز، أو اتخاذ قرار، فعادة ما يشتري أشياء لا يحتاجون لها، أو يشتري بعض الأنواع الرديئة، الأمر الذي يؤدي إلى حدوث مشادات خفيفة بينه وبينهم. وتضيف الخياط: من أجل ذلك فأنا أحاول أن أصطحبهم بنفسي إلى السوق، حتى لا تحدث مثل هذه الاشكاليات.. مشيرة إلى أنها ليست ديكتاتورية، ولا تفرض رأيها بالقوة، ولكن لتنوع رغباتهم وتناقضها في كثير الأحيان فإنها تسعى لاتخاذ القرار الحاسم والنهائي في عملية الشراء، فهم حسب رأيها لا يعرفون مصلحتهم في الغالب. رغبات الأبناء لا تنتهي ويؤكد هذا الرأي موسى علون، قائلاً: على مدى أكثر من 20 عاماً أشتري كل المستلزمات لأولادي وبناتي، ولا يذهبون معي إلا نادراً، فمهمتهم الوحيدة هي كتابة ما يلزمهم من أغراض، سواء قبل الدراسة أو بعدها، وأنا أقوم بشرائها بمفردي، وفي أحيان قليلة جداً أصطحب والدتهم أو أحدهم معي، لمساعدتي في اختيار الأماكن المناسبة، وليس ليختاروا ما يشاءون، فرغباتهم لا تنتهي، ولست على استعداد لتلبيتها. ويضيف علوان: اختار الأسواق الشعبية، التي تتزايد يوماً بعد يوم، خصوصاً أننا نتمكن من شراء كل ما نحتاجه تحت سقف واحد، ولا نحتاج للتنقل من مكتبة لأخرى، كما كنا نفعل في السابق، وهو الأمر الذي كان يزعجني كثيراً. أما عن الجودة فأنا لا أبحث عنها كثيراً، فالشيء الذي يعيش شهرين يعيش 4 أشهر، ولو وضعنا مقارنة مادية بسيطة فإننا سنكتشف أن الماركات غالية الثمن لا تختلف كثيراً عن الماركات العادية.. مشيراً إلى أنه يشتري مستلزمات المدرسة كاملة ولمدة سنة كاملة، بقدر الإمكان، حتى لا يضطر للذهاب للسوق كلما احتاج الأمر.. يقول: هذا يزعجني كثيراً، لأن عملي لا يتيح لي الفرصة دائماً. وبالنسبة للحاجيات الخفيفة مثل علبة الألوان، أو قلم واحد، فأنني أتركهم يشترونها من المكتبات القريبة من المنزل. التربويون.. رأفة بالأبناء ويقول محمد الفرحان (مرشد طلابي): رفض طلبات الأبناء في شراء لوازم المدرسة، وتناسي مشاعرهم، واحتقار أفكارهم واقتراحاتهم في عملية الشراء، والتذمر من إلحاحهم، يضعف مركزهم الاجتماعي، وإن كان في محيط الأسرة فقط، وقد يحدث هوة كبيرة بين الآباء والأبناء، فلا يصبح هناك جدوى للتوجيهات والإرشادات التي يقدمها الآباء بعد ردة الفعل تجاه تحقير رغباتهم، وعدم الإصغاء لها. فالقسوة والشدة في رفض طلبات الأبناء يساعد على الانحراف، لذا لا بد أن نعطي الأبناء فرصة، ليعبروا عن ذاتهم، بإعطائهم وقتا لإبداء آرائهم تجاه بعض المسائل، التي يعتقدون أنها مهمة في حياتهم، مثل اختيار أدوات المدرسة، لأنها مرتبطة بهم شخصياً، وإن كان لابد من الاعتراض فينبغي أن يكون دون تأنيب، وأن يأتي في شكل رحمة وعطف، ولا يتخلله الغضب واللوم الشديد.. مؤكداً إن الصراخ أو الشتم قد يسبب لهم آلاماً نفسية، لشعورهم بالإهانة والتحقير، فتضعف ثقتهم بأنفسهم، وقد تحدث لهم ردات فعل غير مرغوبة، فيكون إما ناقماً أو عنيداً. وكلا الأمرين يعتبر خطيراً، فالصمت والسكوت قد ينفجر صاحبهما يوماً بما لا يحمد عقباه. شراكة ومنح ثقة وترى عائشة المبارك (مديرة مدرسة) ان الأطفال وحتى الأولاد الكبار عادة لا يشعرون بتعب الأب والأم، ولا يقدرون أنهم يريدون مصلحتهم، لأن الشاغل الوحيد للأبناء عندما يقترب موعد المدرسة هو شراء اللوازم، حسب رغبتهم هم، ولذلك كثيراً ما نسمع عن مشاكل، وإن لم تكن كبيرة، بين الآباء والأبناء، بسب اختلاف الأذواق، ومن هنا فإن عقل أولياء الأمور يجب أن يكون راجحاً، ويزن الأمور بشكل منطقي، لا أن تأتي تصرفاتهم بشكل انفعالي، لأن ردات الفعل ربما تكون في غير صالح الأسرة. وتتساءل المبارك: لماذا نوجد مناطق توتر نحن في غنى عنها؟ مجيبة: الأب الحكيم والأم الواعية يعرفان كيف يجران الحبل لصالحهما، من خلال إعطاء الأبناء فرصة عن بعد بشكل يفهم منه إن الرغبة محدودة وليس الطريق دائماً مفتوحا لهم، ومن الذكاء أن نجعلهم يثقون بأنفسهم، ثم نقوم نحن بتوجيههم. وتذهب المبارك إلى أبعد من ذلك، قائلة: علينا أن نعطيهم مبلغاً من المال، ونختبر مقدرتهم على التصرف، خاصة إذا كان الولد أو البنت في عمر الثانية عشرة فما فوق، لأنه على أبواب النضج، وهذا الأمر يزرع في نفسه الثقة، وحسب التجارب فإن أكثر الحالات تعطي الوالدين حق الاستشارة والرجوع إليهما، عند بروز أي مشكلة. وإذا شعر الأبناء أنهم أصحاب القرار الأخير في الشراء أو اختيار ما يريدون فإن قدراً كبيراً من الشعور سينتابهم بأن الآباء يحبونهم. أما في حالة الرفض فإن ثمة شعورا بالإحباط والخذلان سيجتاحه. ولا ينبغي أن يشعر الأبناء بأنه إذا أساء التصرف فيمكن أن يخسر حب والديه، لذلك فتجنب الاستياء أمر مطلوب في مثل هذه الحالات، غير أنه يتعين عليك أن تؤكد لأبنائك أن حبك لهم لن يتوقف، لمجرد خطأ ما في اختيار سلعة، أو شراء غرض ما غير ضروري. إن ربط الخطأ بالحب والكره أمر غير محبب. وتضيف المبارك: هل يعقل أن ندع الأبناء يضيعون من بين أيدينا، لسبب قد يكون تافهاً؟ فماذا لو أشركناهم في اختيارات تخصهم، أو محاولة إقناعهم بما نرغب فيه، وإفهامهم أننا لا نستطيع شراء ما يرغبون فيه دائماً، وأن الحياة تحتاج لبعض التنازلات من أحد الطرفين، وإلا فإن الحياة ستكون جحيماً لا يطاق؟! رأيان متناقضان.. ولكنهما صحيحان ويرى محمد الدوسري (مدير مدرسة) إن التعامل بين الآباء والأبناء في عملية الشراء بشكل عام، وشراء اللوازم المدرسية بشكل خاص، يعتمد على نوع التربية، حيث أن البعض يربي أبناءه على عدم الخروج للأسواق، ولهم مبرراتهم، بينما هناك آخرون على النقيض، فهم يرغبون في اصطحاب الأبناء إلى التبضع، وهذا له أسبابه أيضاً، وهو الأمر الذي يجب أن يحدث، ولكن هناك بعض الضوابط علينا أن نتحلى بها، حين اصطحاب أولادنا للأسواق. ويؤكد الدوسري على ضرورة أن نربي أولادنا على اختيار المواد والأدوات التي لا تتنافى مع الأخلاق والقيم الإسلامية، ولا تخرج عن العرف الذي يقره الإسلام، حيث نلاحظ أن بعض المنتجات تروج لبعض السلوكيات الغربية، التي قد تتعارض مع تعاليم الإسلام، أو تنافي الأخلاق، كبعض الصور والرسومات، حتى وإن كانت صوراً عادية، ولكن المقصود منها هو الترويج لبعض القيم التي تتنافى مع عاداتنا وتقاليدنا. ومع ذلك لا بد للآباء أن يعوا أهمية إشراك الأبناء في شراء مقتنياتهم المدرسية، وإعطائهم الحرية الكافية لتلبية رغباتهم، ولكن في نفس الوقت علينا أن لا نغفل عن رقابتهم، والانتباه لتصرفاتهم حتى تأتي سليمة، خاصة أن غالبية الأبناء لا يفكرون فيما ينفعهم، بقدر ما يفكرون فيما يودون أن يمتلكوه.