لم يشهد نادي الطائف الأدبي (إلا نادرا)ً جمهورا بحجم جمهور أمسية الشاعر محمد بن الثبيتي الذي لا يحتاج إلى تعريف أو لتقديم من عريف الأمسية كما هو متداول, فالشاعر تفرد بالمنبر لأن مثله يستطيع ملء المكان بكل اقتدار فقد أطل على جمهوره بقصيدة جديدة (اختر هواك) ومنها: اختر هواك عساك أن, تلقى هناك , إلى الطريق طريقا وامخر صباح التيه منفردا ,فما أحلى الصبا خلا ,وما أحلى الصباح رفيقا فمتى؟ متى كانت ليال المدلجين خليلة ومتى متى كان الظلام صديقا ؟ ثم قدم قصيدة من مجموعته الشعرية غير المطبوعة في ديوان وهي قصيدة (موقف الرمال ) ومنها هذه الأبيات : ضمني, ثم أوقفني في الرمال, ودعاني : بميم وحاء وميم ودال واستوى ساطعا في يقيني وقال : أنت والنخل فرعان , أنت افترعت بنات النوى, ورفعت النواقيس هن اعترفن بسر النوى وعرفن النواميس. إلى قوله : أصادق الشوارع والرمل والمزارع أصادق النخيل أصادق المدينة والبحر والسفينة والشاطئ الجميل أصادق البلابل والمنزل المقابل والعزف والهديل وهذه القصيدة نال عليها جائزة البابطين والتي لم يرشح نفسه لها كما يتسابق معظم الشعراء لها وإنما رشحته مكتبة الملك فهد الوطنية. ثم يتوالى التدفق الشعري ويمضي الوقت، فنستمع لقصيدة (مرثية) ثم أغاني قديمة للعربي ثم يا دار عبلة ثم تحية سيد البيد ومنها قوله: ستموت النسور التي وشمت دمك الطفل يوما وأنت الذي في عروق الثرى نخلة لا تموت مرحبا سيد البيد إنا نصبناك فوق الجراح العظيمة حتى تكون سمانا وصحراءنا وهوانا الذي يستبد فلا تحتويه النعوت ثم يشدو بقصيدة (برقية حب إلى غائبة ) ثم قصيدة (أغنية ) ثم قصيدة (وضاح ) ومنها: صاحبي ما الذي غيرك ما الذي خدر الحلم في صحو عينيك من لف حول حدائق روحك هذا الشرك عهدتك تطوي دروب المدينة مبتهجا وتبث بأطرافها عنبرك. ثم تترامى أوراق الجمهور إلى عريف الأمسية وبهدوء يتنقل الشاعر بين دواوينه واحدا تلو الآخر ليلبي ما طلب من قصائد فيقدم قصيدة مسافرة وهي قصيدة عمودية، ثم قصيدة (الطير) ومنها : ما بال هذا الطير كم غنى غناء نابيا حتى ادلهم التيه وانكشفت من البيداء سوأتها فعاد يمص من ظمأ وريده. يا أشعثا عقر الطريق وشل بادرة الخصوبة بعدما وهنت قوادمه وأضحى وردة غبّا وعقته الطريدة بعدها يقدم قصيدة (الأعراب) ومنها : ليتهم حينما أسرجوا خيلهم , وتنادوا إلى ساحتي, أوقدوا نارهم تحت نافذتي واستراحوا ... ليتهم نظروني حتى أعود فأرقيهم بالحروف التي لا ترى والحروف التي تتناسل تحت الثرى والحروف التي لا تباح ولا تستباح. لقد كان الشاعر في كل تلك القصائد شفافاً، قادراً على إمتاع المتلقي بما لديه في محاولة تنويعية بين البوح والمعاتبة والوطنية، ففي قصيدة الطير مثلاً كان أقدر على إظهار الروح المعذبة وكأنها قادرة على الصمود أكثر مما يتوقع الإنسان، فرغم مسافات التيه التي يلاحقها يبقى مشتاقاً للصحراء المترامية الأطراف، وفي عودته يمص الظمأ حتى لا يتعثر أو يموت وسط رحلته الطويلة في عمق الصحراء. هكذا هو الشاعر دائماً لا توقفه المسافات ولا تظمئه الصحراء، يواصل الركض حتى لو كانت مساحته جافة. ثم يقدم الشاعر (ليلة الحلم وتفاصيل العنقاء) ثم يهدي الحاضرين قصيدة (فارس الوعد) ومنها : لم يكن كاذبا حين جاء يمتطي يرقات الدماء لم يكن كاذبا حين جاء يرتدي فرحا من حذاء قادم من ذرى المستحيل خارج من عيون النساء عمره ألف عام وعام وجهه ألف صوت وخيلاء ... حين جاء حبت الرمال صوتها وارتوته السماء حين جاء صوت عنفوان وانتشى فما من كبرياء ويبدو هنا الشاعر وقد فقد كل أمله في أن يهادن ولذلك فقد رمى ورقته الأخيرة حتى تكون له بمثابة الحجة التي يعطيها لمن يقف في طريقه أو يحاول إثنائه عن عزمه فيجيء صوته مليئاً بالعنفوان والكبرياء. واختتم الثبيتي أمسيته التي قدم فيها ما يزيد على ثماني عشرة قصيدة مرت كمرور السحاب .. ندية طرية ليعلن عريف الأمسية فيصل الجهني فخره بالمكوث بجانبه على منبر واحد ثم يطلب من الحضور التعليق والمداخلات. وفي البداية يعلق الناقد الدكتور/محمد مريسي الحارثي فيقول إننا بحاجة ماسة إلى تجربة مثل تجربة الثبيتي الشعرية الواقعية، وأزعم أنه لا عطر بعد عروس كما قيل حيث أن الثبيتي حفر أسمه العربي شعرا، ومما لا شك فيه فإن هذا الألق بحاجة إلى قراءة متأنية لا أن نرميه بمداخلات سريعة، وتجربته الثرية في عالم الشعر تجعلنا نطمع في أن نسمع منه المزيد. وتساءل الدكتور عالي القرشي ألا يوجد قصائد أخرى جديدة غير قصيدة اختر هواك؟ لماذا هذا الإقلال في النتاج الشعري بعد كل هذا الوقت ؟ ثم هل يستطيع الشعر بعد المتغيرات الطارئة في العالم أن يخترق جدار الواقع الأليم، مجيباً إنه مما لا شك فيه أن الشاعر يتمكن من ذلك إذا كانت لديه أريحية وشفافية تخترق الممكن لتنفذ إلى عوالم الشعر الحقيقية والثبتي قادر على ذلك، كما أن هناك شعراء قادرين أيضاً فعالمنا الشعري مليء بالأسماء المتدفقة. خالد قماش أراد أن يداخل شعرا على طريقته: أيها السايس رفقا بالخيول المتعبة قف فقد أدمى حديد السرج لحم الرقبة ثم يقول قديم الثبيتي جديد وأخالف من يطالب بالجديد فقط ثم لابد من التواجد الإعلامي للنقل التلفزيوني لمثل هذه المناسبة التي يثمنها الكثير من أهل الأدب في وطننا العربي. أما القاص طلق المرزوقي فيقول أبى محمد الثبيتي إلا أن يقطر في آذاننا جمالا خالصا جناه لنا الفنان من خمائل الشعر, فشاعرنا قامة سامقة وهذا الشيء هل أثر على النقاد الذين تحاشوا الاشتباك مع نصه الشعري المكتز بالرموز والطافح بالدلالات؟ مجيباً على هذا التساؤل بأنه يعتقد أن التجربة مازالت بحاجة إلى إثراء ومتابعة فهي تستحق من النقاد أن يتعاملوا معها ويتابعوها. حاول عريف الأمسية إشراك بقية الأدباء والنقاد والشعراء لكن هذه المحاولة جوبهت بالاعتذار من قبل الشاعر عبد الله الصيخان وآخرين لتنتهي الأمسية التي أجمع غالبية الحضور على كونها ممتعة. الثبيتي عند انطلاق الأمسية