تصاعد الجدل بين الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي بشأن ادارة الوضع فى العراق والتعامل مع المستجدات الخطيرة الجارية فى الاراضى الفلسطينية هذه الايام. وبعد اكثر من أربعة اشهر من نهاية المواجهات العسكرية فى العراق يضع الاتحاد الاوروبى حدا لمراهنته المعلنة حتى الان بأحداث انفراج فعلى ومستديم فى علاقاته مع الولاياتالمتحدة. وكانت العلاقات بين الطرفين شهدت انقسامات حادة قبل وأثناء تلك المواجهات واتجهت الى نوع من المصالحة المحتشمة خلال الفترة الاخيرة. وتخيم شكوك كبيرة لدى كبار المسئولين فى الاتحاد الاوروبى حاليا بشان الخيارات المعلنة للادارة الامريكية فى ادارة الملفين العراقى والفلسطينى خاصة بسبب الهامش الفعلى المحدود الذى تمتلكه الادارة الامريكية من جهة و استمرار الولاياتالمتحدة فى المراهنة على ادارة أحادية الجانب للوضع داخل العراق وعدم ابداؤها ارادة قوية لكبح جماح الحكومة الإسرائيلية من جهة أخرى. ويعقد وزراء خارجية الاتحاد الاوروبى يومى الرابع والخامس من شهر سبتمبر المقبل سلسلة من الاجتماعات غير الرسمية ولكنها الهامة على الساحل الادرياتيكى فى ايطاليا لتحديد ماهية الخيارات الاوروبية المتبقية سواء بالنسبة للعراق أو تجاه الفرص الضئيلة لانقاذ ما يعرف بخريطة الطريق. وتتولى ايطاليا وحتى نهاية العام الحالى الرئاسة الدورية للاتحاد الاوروبى وتواجه صعوبة كبيرة فى تنسيق المواقف الاوربية على اكثر من صعيد. وأحدثت عملية تفجير مقر بعثة الاممالمتحدة فى بغداد منذ أيام صدمة عنيفة داخل المؤسسات الاتحادية الاوروبية حيث يخشى الخبراء السياسيون والامنيون الاوروبيون بان فرص توجههم أو بقائهم فى العراق باتت تتراجع يوما بعد يوم بفعل الانفلات الامنى الواضح فى هذا البلد وغياب افاق سياسية فعلية لتجاوز المحنة الحالية. كما ان استمرار الحكومة الامريكية المدعومة من قبل بريطانيا برفض اقتسام الاعباء السياسية والامنية مع أى طرف خارجى حتى وان كان ذلك فى اطار الاممالمتحدة يخلق معضلة هيكلية وجوهرية بالنسبة للاتحاد الاوروبى الذى يعمل على صياغة ورقة تحرك استراتيجية سياسية و أمنية خاصة به هذه الايام وهى ورقة أعدها منسق السياسة الخارجية الاوروبية خافير سولانا وسيجرى بحثها فى لقاء الرابع من سبتمبر المقبل. ومثلت التحركات الفرنسية الاخيرة داخل مجلس الامن الدولى ومطالبة فرنسا رسميا الولاياتالمتحدة بتغيير سلوكها المتمثل فى عول المجموعة الدولية أول بوادر تحرك قد تتبناه مجمل الدول الاوروبية خلال الفترة القليلة المقبلة. وقالت الرئاسة الايطالية الدورية للاتحاد الاوروبى ان وزير الخارجية الايطالى فرانكو فراتينى سيخاطب البرلمان الاوروبى فى جلسة علنية يوم الثالث من سبتمبر المقبل فى مدينة ستراسبورغ شرق فرنسا أى قبل ساعات من اجتماعات وزراء الخارجية الاوروبيين للوقوف على وجهة نظر مجلس النواب الاوروبى قبل أى تحرك أوروبى تجاه الوضع فى العراق أو فى الشرق الاوسط. ويعتبر الاوروبيون أن رفض الولاياتالمتحدة التخلى عن مبدأ السيطرة العسكرية المطلقة على الشؤون العراقية وتجنبها الخوص فى اقتسام ادارة الامور الاخرى الخاصة بحالات تطوير البلاد سياسيا واقتصاديا يجعل من الصعب على المجموعة الدولية التحرك بجدية وفاعلية لاخراج العراق من المحنة الخطيرة الحالية. ولم تعترف اية دولة أوروبية حتى الان عدى بريطانيا واسبانيا وخارج توصية الاممالمتحدة بمجلس الحكم العراقى الذى نصبته قوات التحالف منذ أسابيع فى بغداد. واضطرت الدوائر الاوروبية وبعد تفجير مقر الاممالمتحدة فى العاصمة العراقية على ابداء مؤشرات طمأنة بالنسبة لمستقبل حضورها فى العراق ولكن الحضور الاوروبى وباعتراف المسؤولين فى بروكسل لا يتجاوز ولن يتجاوز فى هذه المرحلة بعده الانسانى المحدود. ومن بين مبلغ المائة مليون دولار المكرسة عند اندلاع المواجهات فى مارس الماضى ضد العراق فان المفوضية الاوروبية لم تتمكن من صرف سوى ثلاثين مليون دولار حتى الان فى عمليات رمزية طالت عددا من المستشفيات وضمن عمليات شراء معدات طبية استفادت منها شركات أوروبية. ويستبعد المحللون الاوروبيون تمكن رؤساء الديبلوماسية الاوروبيين خلال لقائهم المقبل فى ايطاليا من صياغة موقف موحد وواضح تجاه التعامل مع استراتيجية الطريق المسدود المنتهجة أمريكيا فى العراق حاليا. وتقف دول رئيسية مثل أسبانياوبريطانيا التى أرسلت عناصر عسكرية للعراق الى جانب واشنطن وتعارض تمكين جهات أخرى من اقتسام الواضع الامنى العراقى. ومقابل ذلك فان فرنسا المدعومة من المانيا وبلجيكا بدأت فى التحرك الفعلى وفى عدة اتجاهات لحلحلة الموقف السياسى والديبلوماسى الاوروبى من حول العراق وكذلك بشأن انهيار الوضع فى الشرق الاوسط. وحتى وان كانت الديبلوماسية الفرنسية ترفض الربط بين الوضعين العراقى والفلسطينى بشكل وثيق وواضح فان عدة جهات أوروبية تعتبر أن أى انفراج فى أحد الملفين سيؤثر حتما على الملف الاخر وان تداول فكرة عقد مؤتمر دولي حول الشرق الاوسط قد يشجع بعض الاطراف الاوروبية الى مطالبة بتفعيل الدور الاوروبى فى هذه المرحلة بسبب العقبات التى تواجه الادارة الامريكية والتى تواجه حسابات داخلية وخارجية خاصة بها. ويعيب الاوروبيون على الادارة الامريكية على وجه التحديد خلطها المتعمد منذ البداية للحرب المعلنة ضد الارهاب الدولى بين ادارتها للشان العراقى والوضع الفلسطينى ورفضها اعتبارا بان حالة الاحتلال العسكرى للعراق والسيطرة الاسرائيلية على الاراضى الفلسطينية هى حالة تتجاوز ما يسمى بمكافحة الارهاب وهو التبرير المعلن للسياسة الامريكية والاسرائيلية. كما ان اهمال قوات التحالف التى تسيطر على العراق على جوانب أخرى من ادارة الواضع فى هذا البلد تبدو محيرة بسبب الهوة فى الخطاب بين ما هو مصرح به أمريكيا وبريطانيا وما هو معمول به على الارض من عدم اكتراث باعادة تشغيل المرافق والمقومات الاساسية للمواطنين. ويبدو الخطأ الثالث الذى وقعت فيه الادارة الامريكية يتمثل فى تغافلها المتعمد عن اشراك الجهات الاقليمية والدولية المعنية بالشانين الفلسطينى والعراقى فى المهام السياسية والديبلوماسية الضرورية الدارة الواضعين وتحديدا الاممالمتحدة والدول المحيطة بالعراق فى الحالة العراقية ومختلف الاطراف العربية الفاعلة والاتحاد الاوربى فى الحالة الفلسطينية. ويقر المسؤولون الأوروبيون ومقابل مجمل هذه الملاحظات أن ادارة الرئيس الامريكى بوش لا تمتلك خيارات تذكر لا تجاه العراق ولا تجاه الوضع فى الشرق الاوسط حيث أن أى تكثيف للحضور العسكرى الامريكى فى العراق سيكون مكلفا سياسيا واقتصاديا واى انسحاب ولو جزئى من العراق سيكون بمثابة الاقرار بالفشل. أما بالنسبة للوضع الفلسطينى فان الادارة الامريكية وقبل عام واحد من الانتخابات الرئاسية تبدو عاجزة على اتخاذ أى قرار جرىء تجاه حكومة ارييل شارون.