مصطلح الأنسنة من المصطلحات الحديثة في الأدبيات الإسلامية، والكتابات الثقافية العربية. وعند النطق بهذا المصطلح يقفز للذهن مباشرة اسم المفكر الجزائري محمد أركون، الذي يعود له الفضل في تأسيس رؤية عربية وإسلامية لهذا المصطلح المثير للجدل بين أركون ومناوئيه. الأنسنة في أبسط معانيها، وبعيدا عن المعنى المعمق الذي يتبناه أركون، هي: نظرة تقوم على الانحياز للإنسان وذاته، بوصفه أساسا لحركة هذه الحياة، بعيدا عن لونه وجنسه ودينه وعرقه، وبالتالي تفريغ الثقافة والمعرفة من أيديولوجياتها الفاقعة والضيقة، وجعلها في إطار كوني أوسع لا يحتكرها لفئة دون أخرى. الأنسنة وبوجهة نظر مؤيديها، يرون فيها تخليصا للعالم وثقافته وللإنسان وذاته من هيمنة النظرات والممارسات الأيديولوجية الضيقة، التي تجعل منه أداة مسخرة لخدمتها، ورقما ضمن معادلتها، دون أن يكون له حريته في التفكير والتحرك خارج نطاق هذه الأيديولوجيا. وهم على ذلك يرون أن في الخلاص من هذه القيود، عودة للثقافة المتسامحة، والباحثة عن المعرفة الصافية، والسعادة للإنسان، دون أي تحيز لجهة دون أخرى. مبررين ذلك بما سببته التحزبات والتكتلات الضيقة من وباء ودمار للبشرية، واحتكار للحقيقة لدى فئة دون غيرها. والأنسنة هنا تهدف إلى تفريغ النزعة الاقصائية الموجودة في الأدلجات، وتخفيفها من بؤر توترها، وجعلها أكثر انفتاحا وامتزاجا مع الأفكار والعرقيات الأخرى. البعض يحاول التأصيل للأنسنة إسلاميا، مستندين في ذلك، لآيات من القرآن الكريم، تجعل القيمة للإنسان دون تمييز بين فرد وآخر إلا بالتقوى " يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم"، ومتكئين على بعض الأدبيات الإسلامية، كمقولة الإمام علي بن أبي طالب: " الناس اثنان، إما نظير لك في الخلق، أو أخ لك في الدين". وآخذين من سيرة ابن مسكويه والتوحيدي أمثلة على ذلك، كما يستدل أركون بسيرتهما. المعارضون للأنسنة، من أصحاب الأيديولوجيات، وبالخصوص من الذين ينتمون للتيارات الأصولية، والقارئين للتراث قراءة دينية أحادية بحتة، يرون أن الأنسنة من شأنها أن تفرغ الدين من محتواه، وأن تجعله فضفاضا لا معنى له. ويرون أن تساوي بين المؤمن والكافر، والمسلم وغيره في الحقوق. وهي بحسب نظرتهم علمانية جديدة بلباس آخر. لذا يقفون منها موقفا معارضا، لأن الدين لله وحده،وهو خالق الكون، ومن له تخضع جميع الكائنات. كما أنهم يعترضون على ذلك بقولهم ان الله هو مركز الكون لا الإنسان، وان الكلمة لله وحده. بالنظر للأنسنة، وبالنظر لرأي معارضيها، يجد الإنسان أنه من الصعب الجمع بين وجهتي النظر، كونهما متباينتين أساسا، وكون النظرة الأولى ترى في الثانية نوعا من التشدد والأصولية التي أسست للكراهية والعداء. فيما الثانية ترى فيها مروقا عن الدين. ولا يمكن للعلمانية والأصولية أن تجتمعان، فيما المهم في كل هذا الاختلاف، أن يُعاد ل"الإنسان" إعتباره، ومركزيته، بوصفه محورا للفعل الحقيقي على أرض الواقع، ومن يعيش في صيرورة هذه الحياة.