بين جيل الشباب وجيل الآباء مسافة يحكمها فارق السن واختلاف الزمان وفجوة عظمى لا تخفى على أحد فلا يمكن لجيل أن يفرض على الجيل الآخر مفاهيمه بالقوة.. وغالباً ما نخطئ في حق أبنائنا فلغة الحوار الحضاري التي هي المحور الأساسي الذي يعطي كل جيل حقه ومساحته ويسمح لجيل الأبناء بالتعبير عن وجهة نظرهم في الغالب لا نحسن إدارة دفتها مما يخل بالتوازن ولا يوصل إلى نهاية المنطقة المشتركة التي تتلاقى عندها الأفكار وتتفق فيها الأهداف الأساسية التي تسد الفجوة مع الأسف، الكثير منا يفشل في الحوار ويحدث الصراع لأن الحوار المفترض أن يكون حضاريا, فجأة يتحول إلى حوار ندي, حوار للند بالند الذي يخلو من الديمقراطية، حوار جيلين يرفضان الانهزام ولابد بالطبع أن يكون المنتصر الجيل الأول لأنه يريد ذلك ولأنه الأب أو الأم جيل الخبرة والرأي السليم نشارك في هذا الرأي ومع احترامنا لهم نقول أن من المحتمل أن يكون للجيل الثاني رأي سليم أيضاً حتى لو لم يكن لديه الخبرة، فرض الرأي لا يكون بالقوة أو الإجبار، ويعقب ذلك الانتصار النقد المفرط والاستهزاء بأفكار الجيل الثاني والشك في تصرفاتهم وسلوكياتهم ثم يأتي دور المقارنة بغيرهم من أبناء الأسرة الأفضل تحصيلاً وتعليماً أو في أي مجال آخر مما يقلب الأوضاع من حوار بناء يعرف السلبيات والإيجابيات إلى ثورة بركانية، وردود أفعال وشباب ثائر متمرد يرفض المناقشة والحوار فما دام أنه مصدر للمتاعب والاستهزاء وسلوكه دوماً مكان انتقاد فلم الحوار إذن ولم البقاء في المنزل؟ وينقطع التواصل ويهرب المتحاور المهزوم وينأى بعيداً بنفسه ومشاكله عن الأسرة إلى دائرة الأصدقاء التي قلما تجد فيهم الناصح الأمين وربما العكس يكون. أعرف بعض الشباب يكرهون الجلوس مع كبار العائلة أو أصدقاء الآباء لأنهم سبق وأن تعرضوا للانتقادات والسخرية أمامهم، الصغير يكبر فمتى يشعر بعض الآباء والأمهات بذلك؟ المثل يقول (إذا كبر ابنك خاويه)؟ فمتى يعرف بعض الآباء بما يشعر به الأبناء من ضياع الأحلام وفقدان الثقة، ففي كل حوار: أنت مذنب وأنت مخطئ، لا تفعل كذا أفعل كذا وكذا لا يعجبني رأيك أفكارك غيبة.. ليس هذا أسلوب توجيه، نعم نريدهم أن يكونوا أفضل منا ولكن ليس بهذا الأسلوب، نستطيع أن نعطيهم الحب والتضحية والإيثار بكل شيء حتى بأرواحنا ولكن من الصعب أن نعطيهم افكارنا لأن لكل واحد منهم أفكاره الخاصة التي تختلف بسبب اختلاف الجيلين، كل مرحلة عمرية من مراحل الإنسان لها أفكارها وفلسفتها وثقافتها، ولكل زمان آذان فلماذا نجعلهم يعيشون أسرى الماضي، الحياة مليئة بالثوابت والمتغيرات فلابد أن يكون هناك تكامل وتطور للنظم الحياتية؟ لندعهم يخطئون فلا بأس فمن الخطأ يولد النجاح ومع تكرار المحاولات يوجد ( قانون بقاء الأثر) فبقدر زيادة المحاولات بقدر بقاء الأثر الخبرات لم تكن قط نظرية وإنما هي ممارسة للحياة، الخطر كل الخطر في انقطاع حبل التواصل بين الأبناء والآباء، والذي يمنع هذا الخطر الحوار الإيجابي لا حوار السيطرة والقوى، لماذا ننسى حقوقهم النفسية والمعنوية؟ لماذا نقابل أغلب رغباتهم بالرفض حتى قبل أن درسها لماذا نصدمهم فينا ونحن نحبهم؟ لماذا نجعلهم يدفعون ثمن أخطائنا فيصبحوا جيلاً مشوهاً وبلا قدوة مشكلتهم الوحيدة اختلاف زمنين ونشوء فريقين لا يفهم كل منهما الآخر؟ بإمكاننا جعل هذا الاختلاف طبيعيا وصحيا إذا تم توظيف الحوار بشكله الصحيح وبسعة أفق ومرونة، نحافظ على الجذور نعم ولكن لا ننعزل عن التطور، وحتى لا تنكسر العلاقات الصحية لابد أن نحافظ على التفاهم للوصول إلى المنطقة المحايدة لأننا الطرف الأكثر قدرة على التعامل مع الحياة بكل عقلانية ونضج.