تعدد وسائط الاتصال والتواصل الاجتماعي وتنوعها بين مرئية ومسموعة ومقروءة أثرى شتى المجالات المعرفية والإنسانية بل أصبح يحتل الجزء الأكبر من الأوقات وهو ما أضاف كثيرا من المعرفة والعلم واختصر الوقت والمسافة في تحصيل المعلومة وانتشار الأخبار، وفتح أفقا أوسع للحوارات عند أصحاب التخصصات والاهتمامات الواحدة، ولعل الفن التشكيلي والفنانين وجدوا مساحة أوسع وأفقا أرحب في هذه الوسائط الحديثة والمواقع الحوارية سواء من فيس بك أو تويتر وأنستغرام أو حتى الواتس أب وتقديم منجزهم البصري من خلال هذه الوسائط والتواصل والحوار بشكل مباشر وآني حول الأعمال والمعارض فأصبحت صفحات الفيس بك وتغريدات التويتر وصور الأنستغرام ومجموعات الواتس أب منتديات حوارية وثقافية شاملة، وبالرغم من الايجابية العظيمة والفوائد الكثيرة لهذه الوسائط والسقف المفتوح للحرية التي تتمتع به إلا أنها كشفت عن القدرة الحوارية وضعفها عند البعض من المنتمين للفنون التشكيلية, فما يكاد يثار موضوع تشكيلي أو قضية حوارية في الشأن التشكيلي إلا وترى أطراف الحوار يتعصب كلاً منهم لرأيه ويذهب الحوار للشخصنة ويصل أحياناً للإساءة والتجاوز، وهو ما يعطي انطباعا عاماً لدى القارئ والمتصفح والمتابع لمواقع التواصل الاجتماعي أن هذا المجتمع غير قادر على التحاور ويشي ذلك أيضا بالمستوى المعرفي لهذه الشريحة من التشكيليين، لأن الحوار نشاط ذهني ولفظي حول مشكلة أو قضية أو موضوع ما يقدم المتحاورون الأدلة والحجج والبراهين التي تبرر وجهات نظرهم بحرية تامة من أجل الوصول إلى حل لها، والحوار عادة ما يكون بين طرفين (مع أو ضد), ومتى ما استشعر التشكيليون أهمية الحوار وجديته فإن العديد من الفوائد الشخصية والعامة تعود على الوسط التشكيلي المتحاور والمطلع على الحوار، فكثير من الأفكار الجديدة لم تولد إلا من رحم حوار جاد، ونقل الخبرات وتبادل الأفكار وتصحيح ما كان خاطئا منها وتنشيط الذهن والتخلص من الأفكار الخاطئة والوصل للحقيقة هي من أبرز ثمرات الحوارات الجادة سواء للمتحاورين أو للمتابعين، ولكي يكون الحوار مثمرا ويؤتي أكله لابد أن يكون موضوع وهدف الحوار معلوما للطرفين وأن يكون أطراف الحوار على قدر من المرونة في الحوار ويجيد كلا الطرفين السماع والإنصات للآخر والاعتراف بالخطأ في حال اتضح لأحد الأطراف ذلك، وأيضاً يكون الدافع الرئيسي لدى جميع أطراف الحوار إصابة الحقيقةوليس الانتصار للذات، و الوصول إلى الصواب والحق واحترام مبادئ وقيم أطراف الحوار لبعضهم البعض يكفل استمرار الحوار وجديته، أما البعد عن الهدف الرئيس للحوار فهو يشتته ويقضي عليه من بدايته... ولعل مراعاتنا لهذه الأمور في حواراتنا يجعل حواراتنا جادة ومثمرة يعود نفعها للجميع ويظهر ساحتنا التشكيلية بالمظهر الراقي الذي تستحق... ولابد أن نعرف كيف نختلف حتى نعرف كيف نتفق. توريقة أخيرة: تقول العرب: رأس الأدب كله الفهم والتفهم والإصغاء إلى المتكلم..