عندما يفشل الفرد في مد جسور علاقة حميمية مع الآخرين - غالبا ما يكون احد الأزواج - فانه يعوض وقته المهدور, بالتذكر الدائم لأزمنة الطفولة, ذلك ان الزمن الطفولي حتى وان كان باهت الملامح, رمادي السمة, الا انه كثيرا ما يأتي مثل نافذة وحيدة امام سجين منفرد يطل منها على حقل, ممتد, واسع, اخضر ترفرف على زهيراته الفراشات المدهشة, تراود ذاكرتي الآن لعبة شعبية قديمة من العاب البنات, كنا نمارسها بحب واعجاب اسمها (مدود) - ربما لا يجيد نطقها الا من سمعها بلهجة اهل المنطقة - لا تزال تسكن الذاكرة بكل تفاصيلها وطريقة صنعها. حيث كنا نصنع بيوتا من الصناديق الخشبية, ونؤثثها باتقان, وابداع, ومن ثم نصنع للبيت الخشبي, أسرة خشبية - أم, أب, أطفال - واعمال, واقوال هذه الأسرة لا تخرج عن المألوف التقليدي, والمتداول والمتعارف عليه في منازل الطبقة الوسطى في ذلك الزمن, حيث في كل بيت الأم تؤدي اعمال المنزل التقليدية, ثم تذهب لزيارة بعض الصديقات, والأب يخرج للعمل, والأطفال كل في شأنه حيث تقسم الادوار كما تحب صاحبة الصندوق, لهذه اللعبة فوائد كثيرة, لعل من اهمها افراغ الشحنات المكبوتة في نفس الفتاة, والتي لا تستطيع البوح بها امام الأسرة.. الآن اتذكر تلك اللعبة, عند رؤيتي للعديد من الأسر التي تسكن البيوت (الأسمنتية) الكبيرة والمؤثثة تأثيثا فاخرا, والتي تشبه الى حد كبير لعبتنا القديمة.. حيث الرتابة اليومية, والواجهة المشرقة, والتي يغبطهم عليها غيرهم من الأسر البسيطة, بينما هم في الحقيقة لايزيدون عن كونهم اجسادا خشبية (دمى), تتحرك بآلية ساذجة, يعيشون كما هو المفروض في منزل واحد, يفتقرون الى القرب الروحي المعنوي, وليس المادي الملموس فقط, انهم تماما مثل تلك الدمى الخشبية لا يشعرون بدفء وجودهم, ولا بأهمية قربهم من بعضهم, ولكنهم لأسباب عديدة يستمرون في علاقة جليدية الملامح, باهتة المحتوى. السؤال: ما الذي تراه يقف سدا مانعا من تدفقنا لبعضنا بسيول الحب, والخير, والكلمة الطيبة؟! من تراه يملك اجابة مقنعة؟