الزمان: الساعة السادسة من صباح يوم قائظ. المكان: (كورنيش) مدينة الدمام, امام مجمع الشرقية النسائي. الشخصيات: انا وابني. الهدف: اخذ قسط من الحركة, بعدما اعيانا تراكم اقساط الراحة. على المربعات (الأسمنتية) وقفت املأ رئتي من الهواء الصباحي المشبع برطوبة البحر.. قيظ المنطقة الذي الفناه, والفنا, يجتاح صدري بحب صارخ, حب يذكرني بطفولتنا على هذه الشواطىء التي اغتالها (الاسفلت), وامتد الى اعماق ماكانت لتطالها قاماتنا الضئيلة, الا سباحة مثل ضفادع بشرية, نخبط الماء بأيدينا, وارجلنا, فنندفع كسهام ضوئية تخفف ملوحة الماء لعذوبة منظرها.. بالأمس كان البحر عبق الرائحة, دافىء الاعماق, كنا نتبارى أينا يغوص اعمق, حتى يقبض على اعشاب قواقع, تراب, بيديه فيحضرها لنا دليلا على طول نفسه, وشجاعته.. بالأمس كانت امواجه تحتضن اجسادنا الوردية بحب يدغدغ مشاعرنا فترتفع اصوات ضحكاتنا بفرح طفولي غامر, يجعلنا نحس بأن هذا البحر اكثر حبا, وحنانا, علينا من ابنائنا.. بالأمس كنا نسمع كلمات الثناء تطربنا بها ايقاعات الامواج المصاحبة وتنسينا ملح المواقف المتكلسة في دواخلنا.. واليوم وحين وقفت على شاطىء البحر بعد غيبة طويلة, لم اعرفه, وربما هو ايضا لم يعرفني, تغيرت تلك الطفلة, اصبحت اكثر حزنا, واكثر حكمة, واكثر براءة, وتغير هو فما رأيته يضحك, ولم تعزف امواجه الحان الحب, والسعادة والحبور لاستقبالي, عذرته لعدم معرفته لي لأنه مارآني لقد حجبت عنه الرؤية, وعبثت به الكثير من الأيدي التي يحركها سلوك همجي جاء نتيجة التربية الخاطئة, التي افسدت جماله, وسدت رئتيه, وشوهت وجهه وفقأت عينيه بالقاء النفايات في مياهه, هنا علب طافية, وهناك عبوات الماء البلاستيكية, والكثير من عبث الايدي غير المسؤولة, متراكمة على صدره الواسع. شاهدت القطط, والقطيطات تقتات على بقايا الأطعمة الملقاة على الصخور بشكل مخجل.. وما يزيد الامر بشاعة وجود فتحات المجاري التي تخنق انفاسه, حيث تقذف في جوفه ما يشل حركته, ويغتال حياته, ويكسي سطحه بطبقة دهنية قذرة تجثم على صدره, وتخفي روعته, ومع كل الآلام التي يواجهها, لايزال شامخ السحر كما عهدناه.. تكمن تحت شحوبه ثروة مادية هائلة, وثراء معنوي لايدركه الا القليل.