لكن هلسا لم يعش في بغداد تحت الهيمنة الامريكية، فلقد تغير الحال تماماً، فبعد الحادية عشرة من الليل لا يوجد عراقي في الشارع، الذي يعيش تحت حظر التجول المفروض عليها بعد فترة من الاحتلال الأمريكي، هذا الحظر الذي يستمر حتى شروق الشمس، حيث يرفع الحظر. والذي لا يمكن للعراقي ان يقود سيارته في الشارع خلاله، إلا بعد تطبيق اشتراطات معينة، مثل ان يكون ذاهباً بمريض إلى المستشفى، وان لا تزيد سرعة السيارة عن 20 إلى 40 كيلومتراً، وان تكون الإنارة الداخلية مشتعلة . والا اقتيد المخترق للقوانين إلى السجن، حيث يتعرض للاستجواب والإهانة وعرض بالتعاون مع الأمريكيين، بالإخبار عن المقاومة، وهو ما يرفضه العراقيون، ليس حباً في المقاومة فقط، ولكن كرهاً في الأمريكيين. بينما نجد بأن العراقيين يحاولون الانتقام من حظر التجول، فحتى العاشرة والخامسة والخمسين دقيقة تقريباً، الشوارع تكون مكتظة بالساهرين، وما ان تشرق الشمس حتى يخرج الناس زرافات زرافات إلى الشوارع، تمتلئ الجوامع بالمصلين، بشكل كبير جداً، وملفت للانتباه، يفسره البعض بإقبال الناس على التدين بعد سقوط صنم الطاغية، الذي كان يحرم الناس من التدين، أيا كان دينهم ومذهبهم، فحتى أتباع الأديان الأخرى كالمسيحية والصابئة كان يضيق عليهم. ليل يدوم ساعتين نعود إلى ليل بغداد، الذي يدوم ساعتين ونصف الساعة، فالليل يبدأ منذ الساعة الثامنة والنصف، حينها تجد المطاعم ممتلئة بالناس، حتى لتظن ان العراقيين لا يملكون مطابخ في بيوتهم، وهناك من يركض نحو الباعة ليشتري احتياجات أساسية لمنزله، خصوصاً الشموع والأدوية، الأطفال في الليل لا يغامرون بالإبتعاد عن محيط الحارة ، فحوادث الخطف التي تحكيها الامهات ترهب الأبناء، بعضها حقيقي والآخر من نسج الخيال. أما نساء بغداد فأصبحوا أقل تواجداً خلال ساعات الليل وربما في بعض الحارات حتي ساعات النهار ، ففي بغداد سمعنا عن قصص اختطاف نساء أثناء تواجدهن مع أزواجهن، وقتل الزوج أو إطلاق النار عليه، كما سمعنا من أحد المصابين في المستشفى السعودي الميداني في بغداد، حيث أوقفه اللصوص وأطلقوا النار عليه، وسرقوا سيارته وزوجته، ومنذ 10 أيام لا يعرف عن مصيرها شيئاً. وقد تمت مباشرة حالته في المستشفي الميداني السعودي الذي حوله على الأخصائي النفسي في المستشفي كي يحاول التخفيف عنه. توم وجيري حين تحل الحادية عشرة مساء، تصاب بغداد بالشلل، يختفي الناس من الشوارع، حينها تصبح الشوارع كما يقول مرافقنا أبو ضحى إلى ساحة توم وجيري، فتوم (إشارة إلى الجندي الامريكي) يطارد جيري (المقاوم العراقي)، في البدء تسمع طلقات متواصلة أو متقطعة من الرشاشات، ثم تسمع الرد، زخات متواصلة من فوهات الرشاشات الامريكية، تشعر أنها تطلق بصورة عشوائية. أحياناً تسمع ما هو أكبر، طلقات من هاون هاون أو RBG7. أو صوت انفجار لغم أرضي زرع في شارع تمر به دورية أمريكية. قبل وبعد اطلاق الرصاص أو القذائف ستعتاد أذنك على سماع صوت الطائرات العمودية وهي تخترق سماء بغداد، سواءً في الليل أو النهار، أما الصوت الذي سيلازمك سماعه طوال ليل بغداد ونهارها، فهو المولدات الكهربائية، فكل من يملك قيمته جلبه إلى منزله. علي بابا كثيرا ما تردد على مسامعنا بأن الأمريكيين يرددون كلمة علي بابا على العراقيين (كو علي بابا) وهذا أذن بالسرقة حيث أعتبروا جميع العراقيين علي بابا - بمعني حرامي - فأصبحوا يطلقون على الجميع هذا المسمى.. وبمجرد دخولنا عاصمة الرشيد وجدنا جنديا أمريكيا يحرس أحد المصارف يطرد احد العراقيين من الوقوف بقربه بتسميته علي بابا.. وكان التعليق المستمر هل اصبح كل العراقيين علي بابا بالنسبة الى بريمر المحافظ الجديد الذي يهتم ببقائه أكثر من كهرباء بغداد؟ المولدات الكهربائية عرف العراقيون المولدات الكهربائية في أعقاب حرب الخليج الثانية، حين ضربت الطائرات الأمريكية محطات توليد الطاقة الكهربائية، فانقطعت الكهرباء عن البيوت، ورغم ان الحكومة العراقية تمكنت في أقل من شهر من إعادة التيار الكهربائي إلى المنازل، إلا ان الناس أبقت على المولدات، لأن الكهرباء كانت تعود ساعتين في اليوم، وتنقطع في باقي ساعات اليوم، وشيئاً فشيئاً كانت ساعات وصول التيار الكهربائي تزداد، ولكنها في الصيف تقل، مع استخدام غالبية الناس لأجهزة التكييف. فكان وصول التيار لا يتجاوز الساعات الست في اليوم ، لذا نشأ سوق كبير للمولدات الكهربائية، التي أصبحت تصنع داخل العراق. كما أصبح هناك سوق خاص للبنزين أو الديزل الذي تشغل به تلك المولدات. لكن سوق هذه المولدات بلغ ذروته خلال الحرب الأخيرة وما بعدها، علما بأن النظام السابق قام بتوفير الكثير من المولدات للمواطنين قبيل الحرب. فأحياء بغداد تحديداً بدون تيار كهربائي، ومن الصعب ان يتحمل المرء صيف بغداد القائظ بدون أجهزة تكييف. أبو مصطفى، السائق الذي أوصلنا من دمشق إلى بغداد، يقول: أملك مولداً في منزلي، ولكنني لا أشغله، مراعاة لشعور جيراني، الذين ينامون في الحر، بينما أنا استمتع ببرودة أجهزة التكييف. بعض المباني تملك مولدين، أحدهما رئيسي، والآخر أصغر، يشغلون المولد الرئيسي 4 أو 6 ساعات، وحين يطفئونه يشغلون المولد الآخر.. وهكذا. لتستمر الحياة في بغداد معتمة في المساء والناس لا تملك الآمان حتي في النوم على أسطح المنازل لأن الرصاص الصديق يضل طريقه في حرب مات الكثير فيها فيها بنيران صديقة. جندي امريكي يدقق في هويات العراقيين في بغداد طوابير تنتظر البانزين في بغداد وفى الاطار السائق ابومصطفى