بغداد - أ ف ب - يشعر العسكريون الأميركيون في العراق بحنين كبير الى حياتهم الطبيعية وهم يقبعون خلف الحواجز الاسمنتية داخل معسكراتهم في العراق. بعيداً عن القواعد، يعيش شعب طحنته الحروب، وتعرض الكثير من ابنائه لأوضاع مأسوية تحدثت عن جزء منها الوثائق السرية عن الحرب في العراق وكشفها موقع و «يكيليكس». وليس هناك ايام عطل للعسكريين الاميركيين الخمسين الفاً المنتشرين في العراق، بعد اعلان انتهاء المهمات القتالية وتحديد نهاية العام المقبل موعداً لانسحابهم الكامل في ايلول (سبتمر) الماضي. لكن لا يمكن مقارنة الظروف التي يعيشها العسكريون بالحياة خارج معسكراتهم. في معسكر فيكتوري مثلاً والقواعد الاخرى المنتشرة في العراق، تعمل مولدات الطاقة الكهربائية على مدار الساعة وتتوزع اجهزة تكييف الهواء وشبكات الانترنت اللاسلكية وحمامات واجهزة تبريد لمياه الشرب. وخارج هذه القواعد، لا يحصل الجزء الاكبر من البلاد على الكهرباء الا لساعات محددة في بلد يعد من اكبر دول العالم في امتلاك النفط. وعلى رغم لجوء العائلات الى مولدات كهرباء خاصة ما زال العراقيون يمضون ساعات طويلة كل يوم من دون كهرباء. وحتى مياه الشرب التي تصل الى المنازل اصبحت غير صالحة ولا يستهلكها الا الفقراء. ويجهل الجنود الاميركيون حقائق العالم الذي يحيط بقواعدهم. وقال ضابط في معسكر «فيكتوري»، الاسبوع الماضي بعدما امضى شهرين في بغداد، انه لم يكن يعلم بوجود منع للتجول في المدينة بعد منتصف الليل وحتى الخامسة فجراً. وكان الضابط ينصت الى اذاعة محلية مخصصة للقوات الاميركية تدرس اللغة العربية وقد لا تكون مفيدة لمن هم داخل القواعد، وذكرت عبارة «لا يوجد ماء». وبدأ تطبيق حظر التجول بعد اجتياح العراق بقيادة الولاياتالمتحدة وكان ينفذ اعتباراً من الساعة 21.00. وقد تم تقليصه بعد تحسن الاوضاع الامنية التي تمثل مصدر القلق الاكبر لجميع العراقيين. وباتت روايات وقوع ضحايا قتلى او جرحى بين الاقارب والاصدقاء او عمليات خطف وطلب فدية امراً شائعاً بين العراقيين. وكشفت وثائق «ويكيليكس» احدى هذه القصص المأسوية. وتتحدث عن حادثة «وقعت لدى اقتراب سيارة من دورية اميركية واطلاق الدورية صوت انذار ولكن عندما فشلت محاولة وقف السيارة اطلق احد الجنود طلقة تحذيرية اصابت فتاة في التاسعة». وكشفت الوثائق التي قارب عددها 400 الف وثيقة منذ 2004، حوادث تقشعر لها الابدان بينها اعمال تعذيب وقتل مدنيين، لترسم صورة سوداء لهذا البلد الذي مزقته اعمال العنف الطائفي في الاعوام الماضية. وأشارت الوثائق الى مقتل نحو 109 آلاف شخص 63 في المئة منهم من المدنيين بين 2003 و2009. وفي قاعدة أميركية اخرى، قرب البصرة (550 كلم جنوب بغداد)، قالت السرجنت شانيل شيري ديميلو انها تتحين الفرصة للخروج من القاعدة، وزارت زيارة قرية قبل اسابيع. وأوضحت «ذهبنا الى منزل وكانت هناك فتاة صغيرة وضعت في اصبعي خاتم، العراقيون شعب طيب». من جانبه، فوجئ احد ضباط الجيش الذي امضى شهوراً في العراق، بالواقع المؤلم الذي يعيشه العراقيون ونقاط التفتيش على الطرقات وكم يمضون من الوقت للمرور عبرها. وكانت القوات الاميركية التي تنتشر في عموم البلاد، انسحبت الى قواعدها منذ منتصف 2009، حتى اختفت من الشوارع لتبدأ قوات الامن العراقية سيطرتها على نقاط التفتيش. وقتل اكثر من اربعة آلاف وأصيب نحو 32 الف آخرين في العراق، وفقاً لموقع «اراك كوجلتيز» المستقل. ورداً على سؤال عما سيتركه الاميركيون، قال البريغادير جنرال اندل داركون ان «هذا الامر متروك للشعب العراقي». وأضاف «لسنا مطمئنين تماماً لكن الوضع الامني تحسن في شكل كبير خلال الاعوام الماضية». وتساءل دارغون مساعد قائد القاعدة «هل ما زلنا هنا؟ علينا طرح السؤال على الشعب العراقي (...) لا يفترض ان اعرف كل ما يحدث في العراق». وعند احدى بوابات الخروج من معسكر «فيكتوري» وضعت علامة تحذير بضرورة ان تكون الاسلحة معدة وجاهزة وان على جميع العسكريين البقاء داخل العربات المدرعة. في الوقت ذاته، وخلال عطلة نهاية الاسبوع الماضي احتشدت العائلات البغدادية عند نهر دجلة لتتنزه في الحدائق وتتناول السمك المسكوف فيما انطلق الاطفال يلعبون كرة القدم ويقفزون في كل مكان. في الوقت ذاته، كانت الزينة تنتشر داخل معسكر فيكتوري والجنود يشترون ملابس جلدية واجهزة الكترونية من مركز تسوق صغير ويتناولون الفطائر والبيتزا والمأكولات التي لا تباع الا داخل قواعد القوات الاميركية.