تعيش بغداد وعدة مدن عراقية كبرى أخرى في ظلام دامس منذ اكثر من ثلاثة أيام بعد انقطاع كامل في التيار الكهربائي حدث بشكل مفاجئ بعد ظهر يوم الاثنين الماضي الثالث والعشرين ، ليزيد معاناة العراقيين الذين كانوا يشكون أصلا من انقطاع الكهرباء اليومي حيث لم يكن يأتي التيار الكهربائي سوى أربع ساعات في اليوم الواحد . ففي بغداد توقفت يوم الاثنين الماضي محطتا الدورة وجنوببغداد عن العمل وهما المحطتان اللتان تعتمد عليهما العاصمة بغداد والمدن الاخرى في إنتاج الطاقة الكهربائية وبعد حادث لم يكشف عن ملابساته حتى الآن كان قد وقع في الخطوط التي يطلق عليها اسم ( 132) المسؤولة عن ربط المحافظاتببغداد . وقال المهندس بشير خلف مدير محطة كهرباء جنوببغداد ذات قدرة 140 ميكا واط ان مركز السيطرة الوطني المسؤول عن توزيع الكهرباء في العراق لم يكشف أسباب التوقف حتى الآن في الوقت الذي تدور فيه شائعات عن حدوث عملية تخريبية ضد محطات توليد الطاقة الكهربائية . وما زال البغداديون يعانون انقطاع التيار الكهربائي الذي أدى الى خسائر اقتصادية كبيرة بسبب توقف الأعمال في عموم بغداد ، وهي خسائر تلحق بالأيام الماضية التي لم يتحسن فيها إنتاج الطاقة الكهربائية حتى الآن منذ الحرب حيث لم يقدم الأمريكيون أية مبررات مقنعة عن سبب الانقطاعات . وفي الأسبوع الماضي حين سأل الصحفيون الذين التقوا مع بريمر عن أسباب انقطاع التيار الكهربائي ، أجابهم باختصار شديد ان الشبكة قديمة وهناك عمليات تخريب على الخطوط وهكذا أسدل الستار على اكثر القضايا صعوبة التي يواجهها العراقيون. كابوس الكهرباء في بغداد ومدن عراقية أخرى اصبح من الألم بما لا يمكن تحمله حيث لم يواصل التيار الكهربائي تغذية البيوت العراقية خاصة في العاصمة بغداد إلا لبضع ساعات في اليوم الواحد ربما لا تتجاوز في احسن الحالات خمس ساعات يوميا ، وبشكل متقطع ووسط مناخ حار تتجاوز فيه درجات الحرارة ظهرا ال 50 درجة مئوية وهو الآن منقطع تماما . ومع انقطاع الكهرباء تتحول بيوت العراقيين التي شيد أكثرها بالخرسانة المسلحة الى أفران ويهرب الناس من بيوتهم الى الشوارع ليلا وسط ظلام دامس ويتحلقون في أبواب منازلهم في جلسات طويلة بانتظار ان تعود الكهرباء وما ان تعود حتى تنقطع بعد ساعة او اقل . العراقيون لا يستطيعون مغادرة منازلهم بعيدا في الليل خاصة بعد الساعة الحادية عشرة حيث يمنع التجوال فتتحول المناطق المكتظة بالسكان الى سجون كبيرة ريثما يأتي الصباح ليذهب كل واحد منهم الى عمله ومن لا عمل له في الوقت الحاضر حيث البطالة في كل بيت فما عليه إلا انتظار الكهرباء التي ربما تأتى او لا تأتى . الجميع يشكو السهر وقلة النوم بسبب الكهرباء وبعضهم ينام في موقف الباص او في حافلة النقل ، وآخرون يعوضون النوم البيتي في الدوائر الحكومية التي تتمتع بمولدات كهرباء محدودة القدرة مع عمل محدود وبطالة مقنعة ، والطلبة هم اكثر المنكوبين بهذه الكارثة التي لا حل لها والتي عاشوا معاناتها منذ عهد صدام وغزوه الكويت لكن السنوات الأخيرة التي سبقت سقوط بغداد تحت الاحتلال تمكن العراقيون من برمجة الانقطاعات لتكون ساعتين او اكثر في اليوم وتتيح للطلبة الدراسة والاستعدادات للامتحانات ، إلا ان انقطاع الكهرباء بشكل مستمر هذه الأيام يمكن كما يقول الطلبة ان يهدد مستقبلهم إذ لا قدرة لهم على الدراسة في ظل هذا المناخ الحار الذي يصعب تحمله وهم على أبواب الامتحانات في فصل الصيف لاول مرة حيث كان الطلبة سابقا في مثل هذه الأيام قد انهوا الامتحانات وتمتعوا بالعطلة الصيفية لكن إعادة الدراسة متأخرة هذا العام بسبب الحرب جعل السنة الدراسية تستكمل في الصيف الحار في وقت لا وجود لمراوح او أجهزة تبريد في المدارس والجامعات . الوضع الصعب اصاب العراقيين بالهستيريا فما ان تتحدث مع أحد إلا أجاب بصوت عال وبصراخ ينم عن غضب كبير ، وما ان تسأل أحدا عن حياته حتى يبادرك انها جحيم بسبب الكهرباء ، وقليل هم المنعمون أولئك الذي يملكون في بيوتهم مولدات كهرباء صغيرة ارتفع ثمنها الآن في بغداد أضعاف ما كان عليه قبل عامين تقريبا واغلبها بدأت تأتي الى العراق من الأردن او سوريا عبر تجار وسطاء يستوردونها من دول آسيا الصناعية. كابوس انقطاع الكهرباء الذي تفاقمت وطأته منذ أسبوعين بعد ان شهد العراق استقرارا ملحوظا في التيار الكهربائي بعد إعادته عقب الحرب يفسره العراقيون بأنه عقوبة أمريكية لهم بسبب المقاومة التي بدأت تتصاعد وتلقى ترحيبا شعبيا ، ويؤكد العراقيون ان برمجة ايصال التيار وفق ساعات محدودة ومعلومة للجميع كما كان سابقا لا علاقة له بقدم الشبكة او جودتها لان الشبكة حتى قبل أسابيع كانت تعمل بشكل جيد ، ولا يصدق العراقيون ما يقال من ان عمليات تخريب تستهدف الخطوط على الرغم من ان كثيرين يؤكدون ان بعض اللصوص اخذوا يفككون الأعمدة ويسرقون محتوياتها وأسلاكها التي تستخدم في صناعات أخرى ، إلا ان الذين يقولون هذا الكلام يوجهون اللوم للأمريكان لأنهم لا يستطيعون حماية أي شيء يخص العراقيين في هذا البلد سوى مصالحهم مثل المنشآت النفطية التي عادت كما أرادوا ولم تعد الكهرباء كما يريد العراقيون.