بعد مرور عشر سنوات على إطاحة الولاياتالمتحدة وقوات غربية بالرئيس العراقي الراحل صدام حسين من السلطة ما زال العراق يكافح ضد المتمردين، والحركات الطائفية، والفرقاء السياسيين في صفوف الشيعة والسُّنة والأكراد الذين يتشاركون في حكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي. وشكلياً، تبدو العاصمة العراقية بغداد طبيعية بعد مرور عشر سنوات على الغزو الأمريكي، لكن هناك دليل على أن الأمن لم يعد كما ينبغي للمدينة، ويتمثل في نقاط التفتيش المتناثرة في كل أنحائها. واجتاحت الولاياتالمتحدة العراق بهدف واضح هو اجتثاث نظام صدام حسين، وإقامة نظام ديمقراطي على الأسلوب الأمريكي ترى واشنطن أنه سيحقق السلام والاستقرار لشعب العراق. لكن الأحداث لم تسر كما توقع المجتمع الدولي في بداية الحرب، فالعراق لا يزال في حاجة إلى استثمارات في كل القطاعات، وما زال الركام منتشراً في أنحاء المدينة، كما تشيع فيها مناظر المباني غير المكتملة. نائب عراقي ل الشرق: ذكرى 9 إبريل «أليمة».. وزميل له: تستحق الاحتفال بدا تباين مواقف ساسة العراق الجديد تجاه الذكرى العاشرة لسقوط بغداد (9 إبريل) مؤشراً على استمرار الخلاف بين العراقيين في قراءة ما جرى في هذا اليوم من عام 2003. الذكرى العاشرة لسقوط تمثال صدام حسين في ساحة الفردوس وسط العاصمة العراقية كانت محل خلاف بين نائبين عن كتلة التحالف الوطني، الأول وصفها ب «ذكرى أليمة» كنايةً عن تألمه لاحتلال بلاده من قِبَل قوات التحالف الأجنبي، أما الآخر فدعا إلى الاحتفال بالخلاص من حكم صدام. النائب الأول هو حبيب الطرفي، الذي وصف، في حديثه ل «الشرق»، ذكرى 9 إبريل ب «ذكرى أليمة لكل العراقيين لأنه من غير المنطقي أن يرى الشعب عاصمته تُحتَل في عصر الحداثة»، معتبراً أن الفائدة الوحيدة التي عادت على العراق من هذا اليوم هي سقوط النظام السابق لأنه كان يشكل عُقدة أزلية. أما النائب الثاني فهو جواد البزوني، الذي عدّ تخلص العراق من نظام مستبد والدخول إلى عصر «الديمقراطية» أمراً يستحق الاحتفال واستعادة ما وقع من مآسٍ على يد صدام. وفيما يتهم الطرفان البعض بمحاولة تقويض التغيير الذي شهده العراق بعد 2003 لأجنداته الخاصة، يصف البزوني ذكرى سقوط صدام حسين ب «مناسبة تحققت بعدها كثير من المكاسب». خلاف الداخل والخارج وإضافةً إلى الخلاف على تحليل ما جرى يوم 9 إبريل 2003، ما زالت أزمة عراقيي الداخل وعراقيي الخارج قائمة، ولا ينسى العراقيون أن أهل الداخل باتوا منبوذين في النظام السياسي الجديد تحت عنوان بارز وهو أنهم من مؤيدي النظام السابق فقط لأنهم لم يغادروا العراق كما غادره القادمون بعد 9 إبريل. ويذكر أستاذ العلوم السياسية والزعيم السابق لحزب الفضيلة، نديم الجابري، أنه دعا إلى تولي أهل الداخل لمقاليد السلطة «لكن للأسف ظلت المعادلة مختلَّة لصالح أهل الخارج، وسيبقى الاختلال قائماً في العراق لسنوات مقبلة ربما تفضي إلى تقسيم البلاد». وتجذرت مشكلة الداخل والخارج بقانون اجتثاث البعث ومن قبله حل القوات المسلحة وتشكيل جيش جديد، ما جعل العراق الجديد يفتقد القيادات الوسطى، ويعتمد على قيادات جديدة لم تكن على دراية بكيفية إدارة الدولة. وقف اجتثاث البعث وتتصادف الذكرى العاشرة لسقوط بغداد مع صدور قرار من مجلس الوزراء العراقي بتعديل قانون اجتثاث البعث بهدف رفع الظلم عمن حُرِموا من تقلد مناصب بسببه. وأعلنت الحكومة العراقية أمس الأول تعديل قانون المساءلة والعدالة، الأمر الذي يسمح لآلاف البعثيين السابقين بتولي مناصب حكومية والعودة للحياة السياسية. وقال نائب رئيس الوزراء العراقي لشؤون الخدمات، صالح المطلك، في بيانٍ الأحد إن «مجلس الوزراء أقر إجراء تعديلات مهمة على قانون المساءلة والعدالة، هذا القانون الذي أُقصِيَ بموجبه كثير من أصحاب الكفاءات وحرمهم وحرم البلاد من خدماتهم». ويعد القانون الذي حرم آلاف البعثيين السابقين من تولي مناصب والمشاركة في الحياة السياسية بعد سقوط النظام السابق، أحد أبرز المطالب التي رفعها المتظاهرون في المحافظات ذات الغالبية السُّنية منذ أكثر من ثلاثة أشهر. ووفقاً للمشروع الذي لا يزال يتطلب مصادقة البرلمان يحق لرئيس الوزراء نوري المالكي، ونوابه استثناء أي شخص مشمول بالقانون وإعادته إلى الوظيفة أو إحالته إلى التقاعد. وشكل الحاكم المدني الأمريكي، بول بريمر، الذي تولى إدارة العراق بعد اجتياحه هيئة اجتثاث البعث وترأسها آنذاك زعيم حزب المؤتمر الوطني العراقي، أحمد الجلبي. وتحولت هيئة اجتثاث البعث بعدها إلى «هيئة المساءلة والعدالة» بعدما أقرها البرلمان. ومنعت هيئة المساءلة والعدالة مئات المرشحين من المشاركة في الانتخابات السابقة بدعوى ارتباطهم بحزب البعث. شعب المكونات يظل الدستور أهم عناوين الأزمات العراقية، وحينما كُتِبَ الدستور العراقي في وجود الأخضر الإبراهيمي، أول مبعوث أممي إلى العراق عام 2003، كان المفهوم العام أن تكون هناك مكونات اجتماعية لها ما يشبه الحكم الذاتي ثقافياً وسياسياً. وكان الأمر يتعلق بأربعة مكونات أساسية هي: العرب الشيعة والسُّنة والأكراد والتركمان، فضلاً عن بقية المكونات الصغيرة التي يعد مسيحيو العراق أكبرها. ويرتبط الدستور بالسؤال عن مستقبل العراق، ويرى القيادي في ائتلاف دولة القانون، سعد المطلبي، أن المستقبل العراقي يتطلب نوعاً من المخاض السياسي العميق، معتبراً أن القوات الأمريكية كانت جزءاً من الأزمة العراقية من بوابة أنها كانت تحاول الحفاظ على التوازن السياسي والطائفي في عموم العراق، وعملت بكل قوة على ألا يظهر أي طرف من المشاركين في المشهد السياسي بصورة المنتصر. ويعتقد المطلبي أن القوات الأمريكية حاولت إيجاد نوع من المصالحة الوطنية من خلال فرض أمر واقع مفاده أن الكل متعادل في النفوذ السياسي وفي حجم الوجود في الشارع وهو أمر صعب تحققه. ويرى المطلبي، في حديثه ل «الشرق»، أن الانسحاب الأمريكي وفر أرضية واقعية لبدء حوار وطني بعيداً عن الاستقواء بالأجنبي، وبعيداً عن هيمنة المجتمع الدولي على القرار. ويتنبأ المطلبي أن يفرز المشهد العراقي احتمالين، إما تشكُّل أغلبية سياسية ناتجة عن ربيع اجتماعي أو استمرار ما يسمى بحكومة الشراكة أو التوافق السياسي. حرب أهلية مستبعدة لكن المطلبي يستبعد حرباً أهلية في العراق، أو حتى نشوب اقتتال واسع لقوة الجهاز الأمني العراقي القادر، من وجهة نظره، على ضرب أي منطقة داخل العراق تصدر منها محاولات إعادة وضع سقوط منطقة أو مدينة في يد الإرهاب. ويعتقد المطلبي استحالة سقوط مدينة عراقية في يد مليشيات أو في يد القاعدة، خصوصاً في ظل غياب الميلشيات المنظمة خلافاً لما كان عليه الحال في 2005 و2006. وعن المباشرة بفتح حوار مع خصوم «دولة القانون» في إطار مبادرة معينة، يقول المطلبي إن «دولة القانون أعلنت أكثر من مرة أن حواراتنا مستمرة مع شركاء العملية السياسية، والحوارات الثانوية مع الكتل السياسية الأخرى مستمرة، التحالف الكردستاني كان لنا معه حوار جاد، وسيكون هناك وفد آخر سياسي كردي سيرسل من الإقليم، هذا الوفد السياسي مهمته ليس الدخول في الحوارات التنفيذية أو النقاط الخلافية، وإنما فتح بوابة سياسية بين التحالف الكردستاني والتحالف الوطني، وأيضاً لدينا مع كتلة العراقية حوارات سياسية مستمرة». خمسون ألف عائلة عراقية تستفيد من تعديلات «الاجتثاث» قالت مصادر عراقية برلمانية مطلعة إن المشمولين بتعديلات قانون المساءلة والعدالة (اجتثاث البعث)، في حال تمريرها داخل مجلس النواب، يمثلون شرائح مهمة من ضباط الجيش العراقي المنحل لاسيما مَنْ كانوا يعملون في الأجهزة الأمنية الرئاسية وعناصر فدائيي صدام، التشكيل العسكري الذي كان عدي النجل الأكبر للرئيس العراقي السابق صدام حسين، يقوده، ويُتَّهم هذا التشكيل بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في حقبة النظام السابق. كما يشمل تعديل قانون الاجتثاث كثيراً من الشخصيات العراقية البارزة في الكوادر الوظيفية الوسيطة أبرزهم حملة الشهادات العليا الذين جرى اجتثاثهم. وتقول ذات المصادر إن الملفات التي رُفِعَت لإزالة الحجز عن ممتلكات المشمولين في أحكام قانون المساءلة والعدالة تُقدَّر بما يتجاوز الخمسين ألفاً، ويدلل هذا الرقم على معاناة شريحة واسعة من العراقيين شُمِلُوا بأحكام هذا القانون لكونهم من الكادر القيادي لحزب البعث المنحل. لكن المصادر لم تؤكد أو تنفي إمكانية تمرير التعديلات في مجلس النواب، بعد صدور تصريحات مناوئة لهذه التعديلات من قِبَل حزب الفضيلة والتيار الصدري، فيما دافع حزب الدعوة الإسلامية الذي يتزعمه رئيس الحكومة نوري المالكي بقوة عنها وعدَّها إنصافاً إنسانياً لعائلات المشمولين بأحكام الاجتثاث. في سياقٍ متصل، رحبت القائمة العراقية بالتعديلات ورأت فيها أول استجابة من نوعها لمطالب المتظاهرين في ساحات الاعتصام في ست محافظات عراقية. عراقي يحمل ساعتين عليهما صورة صدام حسين، وتُباع هذه المقتنيات للسائحين (أ ف ب) عامل عراقي يسير قبل أيام بجوار ما تبقَّى من تمثال صدام حسين في ساحة الفردوس (أ ف ب)