أن للحرم مكانة كبيرة , ومنزلة عظيمة لا تقارن بغيرها أبدا حيث أنه مهوى أفئدة المسملين جميعا , وقبلتهم يقصدونه لأداء أحد أركان الإسلام العظام ألا وهو الحج الذي لا يتم اسلام المسلم المستطيع بدونه , كما أن للبلد الحرام مميزات وحدود ليست لغيره وفيه من الآيات والأماكن المباركة ما ليس في غيره يقول الله تبارك وتعالى ( إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين فيه آيات بينات مقام ابراهيم ومن دخله كان آمنا ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين) وثبت في صحيح مسلم عن أبي ذر قال:( سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أول مسجد وضع في الأرض قال: ( المسجد الحرام) قلت:( ثم أي؟ قال:( المسجد الأقصى) قلت : كم بينهما؟ قال أربعون عاما، ثم الأرض لك مسجدا فحيثما أدركتك الصلاة فصل). يضاف الى ذلك بركة هذا البلد الحرام لتضاعف العمل فيه كما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:( صلاة في مسجدي هذا تعادل ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام فإن الصلاة فيه تعدل مائة ألف صلاة) وقد ذهب كثير من أهل العلم الى ان المضاعفة هنا شاملة جميع الحرم والمسجد داخل فيه. وفي مقابلة ذلك تضاعف السيئات كيفما إذا فعلت في الحرم , فخطر وضرر فعل السيئة أشد وأعظم إذا ارتكبت في البلد الحرام وهذان الأمران يغيبان عن أذهان كثير من المسلمين , فنجدهم إذا وصلوا الى البلد الحرام لا يهتمون بالإكثار من الطاعات والعبادات المشروعة , بل إنهم يضيعون أوقاتهم ووجودهم في امور لا تعود عليهم بالنفع , خصوصا إذا أدركنا أن بعضهم لا يمكن أن يصل الى البلد الحرام في العمر الا مرة واحدة فقط. وهناك فئة أخرى ممن يقصدون البلد الحرام تجدهم صرفوا وقتهم لفعل البدع والمخالفات وارتكاب السيئات والجدال والممارات والقيل والقال وكل ذلك سيئات وخطايا , مخالفة لما أمر الله به ورسول صلى الله عليه وسلم , وبناء على ذلك فإن اثمها وعقوبتها تضاعف لكونها فعلت في البلد الحرام , ومن اجل ذلك يقول الله تبارك وتعالى :( ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم). فذهب بعض أهل العلم : إلى أن هذه الآية تدل على أن الانسان يعاقب على ما ينويه من المعاصي بمكة وإن لم يعمله , وان الالحاد والظلم يجمع جميع المعاصي , من الكفر الى الصغائر , فلعظم حرمة المكان توعد الله تعالى على نية السيئة فيه , ومن نوى سيئة ولم يعملها لم يحاسب عليها إلا في مكة , فما بالنا بمن يفعل المعاصي فيها وقد يصر عليها. يقول ابن كثير بعد ان ساق الآثار الدالة على معنى الألحاد في الحرم:( وهذه الآثار وإن دلت على أن هذه الاشياء من الألحاد , ولكن هو عم عن ذلك بل فيها تنبيه على ما هو اغلظ منها ولهذا لما هم أصحاب الفيل على تخريب البيت أرسل الله عليهم طيرا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل , فجعلهم كعصف مأكول , أي دمرهم وجلعهم عبرة ونكالا لكل من أراده بسوء , ولذلك ثبت في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:( يغزو هذا البيت جيش حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض خسف باولهم وآخرهم). كما أن من المميزات البازرة للبلد الحرام انه مكان الأمن والأمان والإيمان فمن دخله كان آمنا ويحب أن يؤمن , فالناس كانوا يتخطفون يختطفون من حواليه ولا يصل اليه جبار , وقد وصل الى بيت المقدس وخرب , ولم يوصل الى الحرم , يقول الله تبارك وتعالى:( أولم يروا انا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون) ويقول سبحانه: (فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف) فالله سبحانه وتعالى يذكرهم بهذه النعمة العظيمة التي جعل بها لهم حرما آمنا فيه من السبي والقتل والغارة وخلصهم في البر كما خلصهم في البحر , وأشبعهم بعد الجوع ورزقهم من الثمرات استجابة لدعوة نبي الله ابراهيم عليه السلام حينما قال: ( رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات) وذلك ليذعنوا له سبحانه وتعالى بالطاعة والانقياد. وكذلك فإن هذا البلد حرام بحرمة الله يوم خلق السموات والأرض , روى ابن عباس رضي لله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة:( إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض و فهو حرام بحرمة الله الى يوم القيامة , وأنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي ولم يحل لي إلا ساعة من نهار الا وهو حرام بحرمة الله الى يوم القيامة لا يختلى خلاه ولا يعضد شوكه, ولا ينفر صيده ولا تلتقط لقطته إلا من عرفها) فقال العباس: ( يا رسول الله الا الإذخر , فإنه لقينهم وبيوتهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسالم ( إلا الإذخر) متفق عليه وأجمع المسلمون على تحريم صيد الحرم على الحلال والمحرم. ومن هنا يحب على المسلم ان يعرف المكانة العظيمة للبلد الحرام , وما جعله الله له من حرمة ليست لغيره , فيحفظ لسانه عما حرمه الله ورسوله , مما لا يعود على الانسان إلا بالضرر الأكيد ويعرض الأمة للفتنة والاختلاف والتنازع والتباغض , ويحفظ أيضا جوارحه عن اقتراف وارتكاب المحرمات حتى لا تضاعف عليه السيئات فيتعرض للعقوبة الدنيوية والأخروية. نسأل الله العلي القدير أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه , وأن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح والفقه في الدين , وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. @@ وكيل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية