1- أن الله جعله مثابة وأمناً {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هََذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} سورة البقرة (125) (126) وقال سبحانه في سورة العنكبوت آية (67) {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ}. 2- أنه بلد حرام بتحريم الله، وحرمه الله يوم خلق السموات والأرض، قال سبحانه في سورة النمل آية (91) {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} وقال سبحانه في سورة القصص آية (57) {وأَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِن لَّدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنه مرفوعاً (إن هذا البلد حرام حرمه الله، لا يعضد شوكه، ولا ينفر صيده، ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها). وفي حديث عياش المخزومي رضي الله عنه مرفوعاً (إن هذه الأمة لا تزال بخير ما عظموا الحرمة - الكعبة - حق تعظيمها فإذا ضيعوا ذلك هلكوا) رواه أحمد وابن ماجة بسند جيد. 3- أنه لا يجوز تنفير الصيد الآمن، فكيف بتخويف الآدمي المعصوم بالإسلام. 4- أنه لا يجوز حش حشيشها وخلاها، فحرمة نبات الحرم من حرمته إلا الأذخر. 5- أنه لا يجوز التقاط لقطة الحرم إلا لمنشد معرفاً لها الدهر كله، وهذا من خصوصية المكان. 6- أنه لا يجوز أن يدخله إلا مسلم، وهو محرم على الكفار من اليهود والنصارى والمشركين قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} ونادى منادٍ رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحج في الموسم (أن لا يحج بعد هذا العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان). 7- أنه أحب البقاع إلى الله جل وعلا. 8- مضاعفة الصلاة فيه إلى مائة ألف صلاة، كذلك مضاعفة الإثم والظلم في كنفتيه. 9- حرمة الإلحاد فيه قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} (25) سورة الحج. فكيف بمن قتل النفس الحرام أو هم بالقتل، أو هم بالظلم والبغي والفساد في الأرض. ولفتة إلى الآباء والأمهات وأولياء الأمور ممن يزورون البيت للعمرة أن يحفظوا أبناءهم وبناتهم وأنفسهم. 10- ولن يخرب الكعبة إلا أفجر الناس لما في الصحيحين (يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة) (كأني به أسود أفجع يقلعها حجراً حجرا) متفق عليهما من حديث أبي هريرة وابن عباس رضي الله عنهما. وسمي الحرم بهذا الاسم - الذي هو مصدر من ناحية الاشتقاق - لأن الله تعالى حرمه وجعله حرماً في زمانه ومكانه منذ خلق السموات والأرض، وقد مضت الأدلة من الكتاب والسنة على ذلك، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم أكد هذه الحرمة وشدد عليها، ولاسيما عام فتح مكة لما قال (إن هذا البلد حرام، وإنه أحل لي ساعة من نهار، وقد عادت حرمته إليه). ولقد عظم الله شأن المسجد الحرام، وأغلظ عقوبة الإلحاد في الحرم في قوله تعالى من سورة الحج آية 25 {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}. والإلحاد هو الميل عن الحق وعن العدل وعن الصراط المستقيم بذنب أو كبيرة أو شرك وكفر بالله عز وجل، فكل هذه المعاصي بأنواعها الثلاثة إلحاد لكنه متفاوت المراتب بحسب نوع الذنب والفسق. أما عقوبة الإلحاد في الحرم منصوص عليها بالآية من سورة الحج وهو عذاب أليم، ولما تغشم أبرهة الحبشي وحشية انتهاك حرمة الحرم - ولو كان في الجاهلية - عاقبه ربنا جل وعلا بالعذاب المذكور في سورة الفيل. ولقد نوه العلماء بأن مجرد إرادة الإلحاد والأذى والمعصية في الحرم، مجرد عزم القلب على فعلها توجب هذا العذاب الأليم المتوعد عليه. وهذا يوجب على المؤمن الناصح لنفسه الحذر العظيم من ذلك، فسنة الله الكونية جرت على تعجيل العقوبة لهؤلاء الملحدين المجرمين في الحرم. وصور الإلحاد في الحرم متنوعة ومتعددة وهي تدور على ثلاثة أنواع: 1- المعاصي والذنوب التي لم تبلغ حد الكبائر، كشرب الدخان في الحرم وفي غيره، وكالسفور والتبرج وكالتضييق على المسلمين في الحرم في صلاتهم أو عباداتهم أو أحوالهم مع الأخذ بالاعتبار أن الإصرار على الصغيرة يصيرها كبيرة من كبائر الذنوب. 2- كبائر الذنوب، كالاعتداء على دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم وعقولهم، وكذلك أكل الربا وشرب المسكر والمخدر وأكل مال اليتيم وقذف المحصنات المؤمنات وكالسرقات الموجبة للحدود في الدنيا أو الوعيد بالنار أو اللعنة أوالغضب أو نفي الإيمان كأذية الجار، أو البراءة من صاحبه كالغش وحمل السلاح. 3- الكفر والشرك بالله والنفاق، فهذه الثلاثة أعظم ما يكون من الإلحاد في الحرم الذي عظمه الله، ويعظم فيه الله بالتوحيد والعبادة، فمن أشرك بالله أو نافق في الحرم أو ترك الصلاة أو سب الله أو الدين أو الرسول فقد أتى صورة من أعظم صور الإلحاد في الحرم. ومن صور الإلحاد في الحرم - محل التنويه - السعي بالفساد والإفساد بالحرم، وذلك بالأعمال الإجرامية أو التخريبية أو إشاعة الخوف وسفك الدماء بين المسلمين. وهذه الأمور معظم حرمتها في غير الحرم، لكنها تعظم وتشتد الحرمة في حرم الله عز وجل، وقد رتب سبحانه الوعيد على الحرابة في قوله تعالى من سورة المائدة آية (33) {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }. وهو في الحرم أشد وأنكى في الجرم والخطر والعاقبة. كيف والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أعان على قتل مسلم بشطر كلمة قدم يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله) ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ومن صور الإلحاد في الحرم ما يحصل من التساهل بالمحرمات أو الفرائض والواجبات في الحرم وفي غيره. فمن الناس من يطلق للسانه العنان، فيكون مهذاراً بما لا يعنيه أو بغيبة أو بنميمة أو كلام فاحش أو سب أو شتم، حتى وهو بجوار بيت الله. ومنهم من يطلق العنان لبصره في النظر إلى حرام، أو أذية بنات المسلمين بنظره، والنظر من سهام إبليس، أو يطلق لسمعه العنان، فيسمع ما يغضب الله عز وجل وما لا يحبه من عبده، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول (العين تزني وزناها النظر، والأذن تزني وزناها السمع، واللسان يزني وزناه الكلام، واليد تزني وزناها البطش، والرجل تزني وزناها المشي، والفرج يصدق ذلك كله أو يكذبه). وهمسة إلى الآباء والأمهات وأولياء الأمور الذين يذهبون عماراً إلى البيت الحرام أن يحفظوا أولادهم وبناتهم عن الحرام أو أذية المسلمين، وأن لا ينشغلوا بالعبادة وإهمال عوائلهم بالأسواق وساحات المسجد الحرام وداخله، فيؤزروا ولا يؤجروا، ويغرموا ولا يفوزوا، وفق الله الجميع لذلك لما يحبه ويرضاه والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه. الأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض