لم يعد هم العراقيين التفكير بالتفجيرات المتجولة في البلاد، ولا في التوتر الأمني والمذهبي. بات همهم تأمين المال اللازم لشراء مولد كهرباء يقيهم الظلمة، بعدما صارت زيارة الكهرباء لمنازلهم، تقتصر على سبع ساعات فقط. وبعدما كانت البلاد غارقة في الأنوار، والشوارع مضاءة، تغيرت أحوالها وصارت العتمة تؤرق حياة السكان، وتغير خطط حياتهم. ولم يتفاجأ العراقيون بالتقارير التي أصدرتها وزارة الكهرباء وأكدت فيها أنهم يحصلون على 7 ساعات من الكهرباء يومياً فيما يعتمدون على أنفسهم في توفير ساعات إضافية من المولدات الخاصة. وتدخل العائلات العراقية في حسبة معقدة لاستثمار أربعة «امبيرات» من التيار الكهربائي التي تنتجها مولداتهم المنزلية لتوزيعها على الأجهزة الكهربائية الضرورية. والصفة المشتركة بين غالبية المنازل في العراق، لم تعد الفقر أو الخبز، إنما المولد الكهربائي الذي بات حاجة ماسة، فيما اضحى ضجيجه سمفونية اعتادها السكان منذ سنوات. ويلجأ العراقيون الى أسواق تشتهر ببيع المولدات المنزلية الصغيرة، لشراء واحد منها أو أكثر، إضافة الى المولدات المناطقية الكبيرة التي تؤمن التيار خصوصاً في فصل الصيف الحار. والمفارقة أن غالبية العائلات تشتري مولدات كهرباء تنتج اربع امبيرات، لتناسب ثمنها مع متوسط دخل الفرد العراقي، وتكفي لتشغيل البراد وقليل من المصابيح ومروحة وتلفزيون. يقول محمود النجار وهو موظف حكومي إنه يشتري سنوياً مولداً لمنزله، لأن النوعية الموجودة في الأسواق رديئة وتتعرض للأعطال كثيراً، ولا تخدم لفترة طويلة، ما يتطلب استبدالها دورياً، اضافة الى اشتراكه في مولد الحي الكبير. ويضيف ان «هذه المولدات تنتج اربع امبيرات فقط ينبغي استثمارها في شكل رشيد حتى اننا ننام جميعاً في غرفة واحدة خلال فصل الصيف لتشغيل مبردات الهواء والمرواح». وبسبب الضائقة الكهربائية، تغيرت عادات بعض العائلات الفقيرة، فباتت تجتمع في غرفة واحدة لمشاهدة التلفاز، وتوفير الطاقة، ما يساعد على تقليص الاستهلاك وتشغيل البراد. فشل الحكومة في توفير التيار الكهربائي تسبب في انتشار المئات من المولدات الكبيرة في المنطقة الواحدة وفي الأحياء، ويبلغ رسم الاشتراك نحو عشرة دولارات للامبير الواحد. وتضيف تكلفة توفير التيار الكهربائي عبئاً اقتصادياً على العراقيين، ما يدفع ارباب المنازل الى الاكتفاء بشراء اربع امبيرات فقط باستثناء بعض المتيسرين مادياً الذين يدفعون مبالغ أكبر للحصول على حصة أكبر من التيار. يقول احمد ابراهيم صاحب مولد في منطقة الدورة جنوب بغداد ان غالبية المشتركين في شراء التيار الكهربائي يشترون فقط اربع امبيرات لتغطية أوقات انقطاع التيار الكهربائي الحكومي، فيما يكتفي بعضهم بساعات الدولة السبع، بسببب الضائقة المادية، فيما يقضون ليلهم على ضوء شمعة أو مصباح صغير.