والقارئ يستعرض هذه المقالة لاشك في انه قد بدأ تنفيذ خططه الصيفية، الخطط التي تبدأ بالاجازة وتنتهي بها، فالصيف في معظم دول العالم مرتبط بالسفر والترحال، بالطيران والفنادق والطرق الطويلة. لكن الصيف في بلادنا مختلف تماما عن صيف هذا العالم، هنا الصيف شمس لاهبة واحتراق واحتقان وفوران للاعصاب، صيف الغليان والاحمال الكهربائية والانقطاعات وازمات المياه. اي تحد يمثله هذا كله في بلد بمناخ صحراوي كبلادنا لنشاط السياحة وخططها لتنمية السياحة الداخلية، فمن الوهلة الاولى يتضح لك بجلاء ان مدينتين او ثلاثاً فقط في جنوب المملكة ممن تتمتع بطقس لطيف هي الاماكن المفضلة، يقصدها السياح من المواطنين هربا بعطلاتهم من لهيب الصيف، فتكتظ المواقع السياحية، وتمتلئ الفنادق والشقق المفروشة، وتنتقل زحامات المرور من مدن المملكة جميعها الى تلك المدن السياحية في شهرين من العام او اقل، وتضيع لحظات الهدوء والدعة والعطلة المسالمة وسط هذا كله، مع يقيني بان هناك من القراء من سيتحمل هذا الزحام طمعا في نسمات باردة تطفئ حريق المدن الحارة. هناك مدن اخرى تروج لسياحتها بالترفيه والتسوق، كجدة ومدن الساحل الشرقي، لكنها تسبح في رطوبة لا تطاق هي الاعلى في اشهر السنة، وكأن مسألة الترفيه والتسوق حياة او موت ليخوض الانسان عذابات الرطوبة ليعود لمدينته محملا بمشتريات هي في الواقع على بعد خطوات من منزله! المشكلة هي التوقيت، والصيف عطلة في دول العالم التي تتمتع باجواء العطلة الفعلية واهمها المناخ بالطبع وهو ما نفتقده في منطقتنا، لان اجواء العطلة المفترضة تأتي وسط انشغالاتنا وارتباطاتنا العملية وتقويمنا الدراسي الذي ساوانا بدول لا تعاني من جحيم الصيف. نحتاج فعلا الى مراجعة شاملة لدعم خطط تنمية سياحتنا الداخلية، من اهمها مراجعة متأنية للتقويم الدراسي الذي لا يجب ان يحرمنا من موسم العطلات النموذجي ويكتفي بمنحنا وعائلاتنا اسبوعا يتيما لنتعرف فيه على بلد بحجم قارة اوروبا. مازلت اذكر قصة لمدير مدرسة متقاعد في بلدة صغيرة بالمملكة، يوم كانت صلاحيات مدير المدرسة وقتها بحجم صلاحيات مدير تعليم المنطقة اليوم، هذا المدير كان يعطل الدراسة في ايام الامطار موسم الربيع على مسئوليته الخاصة يفتح بوابة المدرسة ويقول للطلبة انطلقوا انتم وعائلاتكم الى الرياض القريبة وتنعموا بالاجواء والمناظر، فهي يومان او ثلاثة على مدار هذا العام كله! ذلك المدير هو حس السياحة الفعلي.