قلت ومنذ زمن بعيد جدا ان اصوات الكتب لا تصنع منك كاتبا.. ولكن القراءة في ملامح الناس وتلك الوجوه المتعبة والبائسة قد تصنع منك فيلسوفا.. وقد تطل برأسك من بين شقوق الطين كأي نبت بري في مواسم الجفاف فيعرف الناس انك قد قلت كلاما مهما.. وقد لا تدرك انك من فرط التعب قد اصبحت فيلسوفا.. فكل فلاسفة الدنيا لم يكتشفوا مواهبهم وابداعهم.. وعلو هاماتهم وحب الناس لهم.. ولكن المعجبين بهم هم الذين اطلقوا عليهم هذه الالقاب الفضفاضة والمتسقة وقد تكون غير صحيحة!! .. ولا اعرف فيلسوفا في هذه الدنيا قد كبر رأسه.. او تضخم كرشه.. او له اربع اعين وعشرون اصبعا في الكف الواحدة.. انهم مثل كل الناس.. ولكن عقولهم كانت تعمل بوحي من مأساة الغلابة والفقراء والمتعبين ولهذا لم يصنع الخليل بن احمد او حتى خليل الفزيع فيلسوفا على الاطلاق والسبب بسيط للغاية هو ان الفلاسفة لا يصنعهم الكتاب.. ولا علماء اللغة.. وانما تصنعهم الارض التي يقفون عليها واحوال اهلها.. .. انهم ينتزعون من داخلك ما تود ان تقوله انت وتعجز عن الافصاح عنه. .. والفيلسوف الحقيقي هو اشد الناس تواضعا, واكثرهم التحاما بالساحات العامة المليئة بعذابات البشر... وباختصار - الفيلسوف يرى بعينيك انت وعينيها هي.. ولهذا تتسع مدى الرؤية لديه بشكل لا يحد.. وهو في حالة كهذه يستطيع ان يرى ما لا نراه.. ولا يسقط في شرك تلك العبارات الضخمة اي بمعنى انه لا يكتب على شاكلة طه حسين.. او العقاد.. انه انسان بسيط يذهب الى المرحاض في اليوم عشر مرات ويتقيأ من الجهتين من فرط الغلب الذي يعانيه وتسقط دموعه.. في صحراء لا ترتوي ويسبق قلبه قلمه عندما يكتب مرتين ولا يعبأ بمن جاء ومن ذهب ويستغفر الله كثيرا ويشرق ويختنق ويمتلئ فمه بالحصى والتراب والعذاب.. لانه اختار ان يكون لسانا على الاسفلت وهذا يكفي ان احرق او احترق. (لسان على الاسفلت) عنوان مقال لي نشر قبل 32 عاما في الصفحة السابعة في (عكاظ) وقد نشر في كتابي (جمجمة في ضوء الشمس) قبل سنوات وقد سرقوه مني واختاره احد المخرجين السينمائيين ليضعه مع بعض التشويه عنوانا لاحد افلامه, ويبدو ان سرقة العناوين قد أصبحت مباحة ومشاعة.. فحتى صاحبنا القديم الاستاذ محسن محمد قد اقتبس عنوان كتابه (انهم يقتلون الأدباء) من عنوان معروف (انهم يقتلون الحمير) وقد جاء من يسرق محسن محمد ايضا فتختار احدى الكاتبات (الموعودات) الناشطات الباحثات عن مجد فتيات (النورن) الجميلات اللاتي كن يكتبن اشعارا في فرنسا وقال عنهن (ديكارت) انهن اسوأ شاعرات في ذلك العصر.. هذه الكاتبة التي سرقت محسن محمد. عندها كل الحق فليس لديه ما يمكن ان يسرق الا كلامه.. ولا ادرى كيف تزوجته الفنانة هند علام.. لقد رأيتهما معا في جدة منذ زمن طويل للغاية وكانت هي في العشرين وهو في الستين.. ولكن يبدو ان هذا الشايب العايب له الكثير من المعجبات. ولا ازيد.