في زمن مضى كنا نختار الكلمات "نزبرقها" ونضع لها رتوشا ورموشا وعيونا ترى.. واقداما تركضا. وآذانا تسمع دبيب النمل. واليوم ما عاد بنا حاجة الى التعب.. اننا نكتب بسرعة وكيفما اتفق وبطريقة عامية "سمجة" المهم الوصول الى الناس ومن اسهل الطرق.. وبعضنا يجيد هذا الهذيان ويجد من يطرب له.. ويصفق له.. وقد تستفحل "الحالة" ويصبح علاجها "صعبا" وربما مستحيلا وقد تتحول موجة " الحكي" والكتابة بالعامية الى ظاهرة مركبة صعبة الهضم لدى انصار الخليل بن احمد وسيبويه وانصار ابن حزم الظاهريين اللذين لا يعجبهما اطلاقا ان يعوج لسان العرب ولكن الناس تريد العامية. والحق ان بعض الامور يصعب علينا التقاطها بالفصحى فكيف يمكننا تناولها بالعامية العارية والفاضحة، ولا ادري هل سيأتي يوم نصبح فيه دواجن بالطريقة البولاقية الشهيرة.. انني شخصيا اجد في هذه الطريقة متعة ويبتل لساني واشعر ان الكلمات في داخل فمي مسكوبة وتنطلق بلا قيود. انها تعني المزيد من الحرية ولكنها تعني ايضا ان التنور الذي يغلي قد ترك بلا غطاء. وهذا هو وحده يعطي المبرر الجاهز لعلماء اللغة والكلام للوصول الى قناعة تامة بان "العامية" خطر قد يغرقنا. ولكن الكلمات الجافة وكتاب موشحات الثناء بلاسبب قد اثقلتنا والناس تريد من يرطب اوقاتها ويناقش امور حياتها باسلوب ضاحك وساخر. فالناس من هول ما ترى لم تعد ترى واصبح ملاذها للهرب من همومها هو الضحك. اذا اتركوا الناس يضحكون ويتنفسون.. والقافزون على الاعمدة البيضاء في الصحف يملكون قلوبا بيضاء ايضا ولا خوف منهم ولا ضرر.. انهم يزيحون عناء ما يكتظ في صدورهم وصدور الناس. لقد ارتفع كاتب واحد قبل ثلاثين عاما بتوزيع الصحيفة التي يكتب فيها الى اكثر من مائة ضعف وهذا الكاتب هو المرحوم امين سالم رويحي "ابو حياة" وكانت الناس تقرأ له اكثر مما تقرأ للعواد والزيدان.. لانه يملك موهبة اضحاك الناس.